اترك مسافة قبل الحسافة
« لكي يبقى الجميل في عينيك جميلاً ، لا تقترب منه كثيراً .. البعض أجمل من بعيد ، فحافظ على المسافة بينك وبينهم .. لقد علمتنا الكتابة أن نترك مسافة بين الكلمة والكلمة لكي يفهم الآخرون ما نكتب .. وعلمتنا حركة المرور أن نترك مسافة أيضاً بيننا وبين السيارة التي أمامنا ؛ حتى لا نصطدم بها .. وكذلك علمتنا حركة الحياة أن نترك مسافة بيننا وبين الآخرين ؛ حتى لا نصطدم بهم ، أو نتصادم معهم .
الرسالة الجميلة استدعت للذاكرة قصة رمزية ذكرها الفيلسوف الألماني ( شوبنهاور ) تقول «إن مجموعة من القنافذ اقتربت من بعضها في إحدى ليالي الشتاء المتجمدة طلباً للدفء ، وهرباً من الجو الجليدي شديد البرودة ، لكنها لاحظت أنها كلما اقتربت من بعضها أكثر ، كلما شعرت بوخز الأشواك التي تحيط بأجسادها ، مما يسبب لها المزيد من الألم .. وأنها كلما ابتعدت عن بعضها البعض شعرت بالبرودة تجمد أطرافها ، وبحاجتها للدفء في أحضان أصدقائها !.. بقوا على هذه الحال بين ألم الاقتراب ، وهجير الانفصال ؛ الى أن توصلوا الى المسافة المناسبة التي تقيهم من برودة الجو الجليدي وتضمن لهم أقل درجة من ألم وخز أشواك الأقارب ..
لكل إنسان منا عيوبه وأشواكه الخاصة التي قد لا تظهر لك ولا تشعر بآلام وخزاتها إلا عندما تكون على مسافة غير مناسبة منه .. البعض يعتقد أنه كلما ازداد قرباً ممن يحبهم فإن هذا سيشعرهم بالسعادة، وهذا ليس صحيحاً على الدوام ، فحتى الاهتمام الزائد قد يفقد معناه وحميميته ويتحول الى اختناق يشعر معه الآخرون بالضجر والتململ الذي قد يتحول الى نفور وكراهية.. فلكل إنسان خصوصيته وحدوده التي يحرص على أن يحترمها الآخرون مهما كانت درجة قرابتهم.. لذا احرص على ضبط مسافاتك مع الآخرين حتى وإن كانوا أبناءك أو أقاربك .. فلن تخسر الناس من حولك إن تركت بينك وبينهم بعض المسافة التي تحترم خصوصيتهم وقدرتهم على التنفس.. بل ربما تكون علاقاتك الانسانية أجمل وأكثر قدرة على النمو والازدهار إن تركت لها المسافة الكافية للنمو.
إدارة المسافات فن يجب علينا تفهمه واتقانه.. كن على مسافة مناسبة تسمح لك ولهم بالتنفس.. لا تقترب كثيرًا فتملَّكَ الناس، ولا تبتعد عنهم كثيرًا فينْسَوْكَ وتبرد عواطفهم تجاهك. وتذكر دوما أن ضبط المسافات من أكبر سنن هذا الكون ودلائل عظمته.. وأن سير الكواكب الدقيق مرتبط باحترام المسافات.. فلو اقتربت الشمس منا ميلاً واحداً فقط لاحترقت الارض، ولو ابتعدت عنا ميلاً لتجمد كل ما حولنا.
وسوم: العدد 805