دفاعا عن المرأة
معمر حبار
في جلسة دامت ساعتين من الزمن مع أحد علماء المنطقة وفقهاءها، تطرقا لمجموعة من النقاط التي تجمع التلميذ بشيخه، وكان موضوع المرأة ختام مسك، باعتبار العالم الفقيه أعلمه أنه سيتطرق في درس الجمعة لهذا الموضوع. حينها تدخل التلميذ مبديا رأيه ، لعلّ شيخه يعتمد على وجهة نظره في درسه القادم، فقال له من الأفضل والأحسن التطرق لعيّنات من النّساء، شهد لها التاريخ بالمواقف الخالدة، والآراء الصائبة، منها:
دبلوماسية بلقيس: سيّدتنا بلقيس عليها السلام، استشارت قادتها، ولم تنفرد بالرأي. وجعلت من الهدية وسيلة لمعرفة قدرة واستعداد صاحب الكتاب، الذي وصفته بحكمتها بأنه كتاب كريم، وهي التي لم تره، ولا تعرف عنه شيئا.
وحين سئلت عن عرشها، لم تؤكد، لأن التأكيد يمثل إهانة وضعفا. ولم تنفي لأن الكذب لايليق بالملوك. فأجابت إجابة سميت بدبلوماسية بلقيس، قائلة: كأنه هو. واستطاعت بهذا الجواب، أن تحافظ على هيبتها ومكانتها.
ولم تنبهر بما رأت في قصر سيّدنا سليمان عليه السلام، ولم تستسلم ولم ترفع الراية البيضاء، بل بقيت شديدة قوية، وأعلنت أمام الملأ والجند، أنها أسلمت مع سيّدنا سليمان، ولم تسلم لسليمان عليه السلام. فكانت قوية صلبة، صادقة مع شعبها، تستشير أهل الرأي الصائب فيهم، وتدافع عن خيرات المجتمع.
وفاء وإخلاص سيّدتنا خديجة: سيّدتنا خديجة ، رضي الله عنها وأرضاها، التي آزرت الزوج والأب والنبي، بكل ماأوتيت من صبر ووفاء وصدق وإخلاص، وفي أحلك الظروف وأصعبها، حين تنكّر له قومه وبنو عشيرته، وأساؤوا الأدب مع نبيهم، تراها تواسيه بعطفها وحنانها، وتثَبِّته على القول الثابت، بأن الله لن يخزيك، ويدفع عنك كل مكروه، وبأنه عزيز على ربه، ناصرك ولو بعد حين.
سيّدتنا أسماء الحامل وجبل الثور: وسيّدتنا أسماء بنت أبي بكر، تحمل الغداء إلى جبل الثور، وهي في الشهر الثامن من الحمل، وتصعد كل تلك المسافة ولتلك الأيام، وهي محملة بالأثقال، ناهيك عن القتل الذي يتربصها، والعذاب الذي ينتظرها، لو شعر بها أبى جهل وصحبه. ورغم كل تلك الخطوب التي لايطيق حملها الرجال، أدت المهمة الصعبة التي كلّفت بها على أحسن وجه، ودون خسائر تذكر.
شجرة الدر التي قادت الرجال باسم الميت: وشجرة الدر، التي توفى زوجها والجيش يقاتل العدو، فأخفت خبر وفاته عن الناس والجند، واستمرت في تقديم الأوامر والنصائح لقادة الجند، باسم القائد الميت، وكأنه على قيد الحياة. فانتصر الجيش بحكمتها البالغة، وصلابتها في مثل هذه المواقف، التي لايقدر عليها بعض الرجال.
وللمرء أن يتخيل، لو تسرّب خبر وفاة الملك، لانهار الجيش واستسلمت المدينة في دقائق، واستباح العدو خيراتها ونساءها. فكان النصر لشجرة الدر، وللمرأة التي قادت الرجال، باسم قائد ميت.
أسئلة وأسئلة: وبعد أن سرد هذه الأمثلة النيّرة الساطعة، قال للعالم الفقيه، بنبرة صوت حادة ..
بأيّ حقّ تُمنعُ المرأة من المساجد؟. وبأيّ حق تُمنعُ المرأة من إلقاء الدروس والمحاضرات في المساجد؟. فالدرس في المساجد وفي غيرها وكذا الفتوى، ليست حكرا على الرجال دون النساء. ولا يوجد في شرعنا، أن المرأة تفتي للنساء فقط، كما جاء في إحدى الإعلانات، لإحدى الجمعيات، وإلا بأيّ حقّ يسمح الرجل لنفسه، أن يفتي للرجال وفي دقائق النساء؟.
وبتاريخ جمادى الثانية 1432 هـ، الموافق لـ: ماي 2011، أقامت إحدى الكليات معرضا للكتاب، وعلى هامش المعرض ألقيت 3 محاضرات، فأجبرت الطالبات على الجلوس في الخلف، ومنعن بالقوة من الجلوس في الصفوف الأولى.
منذ 15 سنة، قال أحد الأساتذة، أنه أعدّ دراسة، حول دور المجتهدات في تعليم المجتهدين من الرجال، فوجد عبر الزمن، أن العلماء المجتهدين من أمثال الإمام الشافعي وغيرهم، تخرجوا على أيدي نساء، ونالوا الإجازة على أيديهم، بل سعوا إليهم لينالوا العلم والإجازة.
ومنذ 10 سنوات، راسلني الأستاذ الزميل، نواف نواف من المملكة السعودية، وهو الآن قاضي بالمملكة، أن أحد الأساتذة، لم تستطع الذاكرة حفظ إسمه، ألف موسوعة في النساء العالمات من 32 مجلد.
وهناك أمثلة رائعة نادرة، يجدها القارئ في كتاب: "موسوعة أشهر النساء في التاريخ العربي، منذ فجر الإسلام حتى عصر المماليك"، للأستاذ: عبد الحميد ديوان، لدار كتابنا للنشر، لبنان، الطبعة الثانية، 2008، من 299 صفحة.