إيران تتجه لحجب "الانستغرام" للسيطرة على الاحتجاجات
إن طهران لغاية هذه اللحظة لم تحصل على توافق، أو خارطة طريق للخروج من عنق الزجاجة، ولا حل يلوح في الأقق للحدّ من أثر العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني، فالمواقف متفاوتة بين مختلف أجنحة النظام، مع التوافق بين بعض الرموز الإصلاحية والمحافظة على أن الأمور تتجه نحو انهيار الدولة،وإرسال رسائل واضحة إلى المرشد تطالبه بضرورة اتخاذ قرارات حاسمة لانقاذ الموقف قبل فوات الآوان، ما يشير إلى أن الجميع بات يستشعر فعلاً جسامة المشكلة، ولكن هناك سوء تقدير في تقويم تداعياتها، فالأمور متوقفة على حالة الشد والجذب في الصراعات بين الأجنحة السياسية التي بدأت تظهر على العلن، صاحبه تراشق للتهديدات التي كانت موجهة بالأساس إلى شخص الرئيس روحاني المتهم هو وحكومته بسوء إدارة الدولة، وتحميلة مسؤولية ما يحدث.
بموازاة ذلك تستعد السلطات التابعة للمرشد لحجب تطبيق إنستغرام؛ المنصة الرئيسية الوحيدة التي لا تزال متاحة مجانًا.
فقد وافق المجلس الوطني للقضاء السيبراني للنظام على الخطوات الرامية إلى عرقلة الخدمة، بذريعة حماية الأمن القومي الإيراني، ولكنها خطوة تستهدف الحد من قوة الاحتجاجات وجعل إيران بمثابة الجزر المعزولة.
وفي حال نجاح هذا الحظر؛ فإن الرئيس حسن روحاني الذي تعهدّ بعدم حجب خدمة الانستغرام، ستكون هذه خطوة باتجاه التضييق على الحريات العامة في الوقت الذي تعيش فيه البلاد مرحلة فاصلة في تاريخ إيران، تضاف إلى الضغوط التي تستهدف الإطاحة بروحاني من جانب المؤسسات المحسوبة على خامنئي.
فكل ذلك يفيد بأن المأزق الذي تعيشه إيران قد خلق حالة من التخبّط، وهي بمثابة اختبار لضعف الدولة وعجزها عن التكيّف مع المعطيات الجديدة لمواجهة العقوبات وهذا يتطلّب أمرين متوفّرين في رأي المرشد: الأول: الشعار الذي طرحه بأنه: "بالوحدة يمكننا التغلّب على كل الأزمات" وسقوط أحد الافتراضات التي كانت تدعي أن الإيرانيين وطنيون أوفياء إذا ما تعلّق الأمر بخطر خارجي يتهدّد بلدهم، ولكن الاحتجاجات الشعبية في أكثر من 322 منطقة على امتداد الجغرافيا الإيرانية واستمرارها حتى اليوم، وكذلك تراشق الاتهامات بين رموز الحكم سواء بغسيل الأموال، أو بالفساد أو بسوء إدارة البلد، ما كشف أن ثمة هوّة واسعة بين المجتمع وأجنحة النظام نفسه .
فخلال عملية التفاوض بين إيران والغرب، أدرك ساسة إيران على اختلاف مشاربهم أن سبيلاً واحداً يكفل لهم الخلاص من الأزمة التي تعيشها إيران وهو: تكيّف إيران مع مطالب أميركا، والوصول معها إلى تسوية في نهاية المطاف، وفي مقدمتها: وقف هدر الموارد التي تستخدمها دولة الولي الفقيه لتوسيع نفوذها في الخارج، وبخاصة من خلال مداخل الأزمات الإقليمية، ووقف تحدّي المجتمع الدولي من خلال دعم الإرهاب، ووقف دعم وكلائها ومرتزقتها الذين يعيثون خراباً وتدميراً في الإقليم، إلى جانب وقف التوسّع في إنتاج الصواريخ الباليستية التي تهدد الأمن الاقليمي والعالمي.
كانت طهران ولا زالت تفكّر بعقلية «الدولة العظمى الإقليمية»، حيث أعلنت بالأمس عن عزمها على إرسال فرقاطة إلى المحيط الأطلسي في مهمّة ستستمر لغاية خمسة أشهر. فساسة طهران لم يدركوا بعد أن الوقت ليس في صالحهم، وأن هناك شبه توافق أميركي أوروبي بأن ثمة مشكلة تتعلق ببرنامجها الصاروخي وسياساتها الإقليمية ولا بدّ من التفاوض عليها، وهي تستند إلى منطق مفاده: أن ممارسات إيران تتناقض مع روح الاتفاق النووي برمته.
فمن المؤكد أن هناك حاجة ملحة كي تقوم إيران بالتفكير بعقلية مختلفة وواقعية قبل فوات الأوان، لكنها غير متوفّرة في طهران لغاية اللحظة، فالوقائع التاريخية الحديثة تؤكد ذلك، فالفرصة التي أتيحت لها مع إدارة باراك أوباما انتهزتها للانقلاب على الاتفاق النووي، وتأمرت معها تلك الإدارة لتدمير الإقليم، وباتت أحد أدوات الفوضى " غير الخلاقة "، وفعلياً نجحت في القيام بالدور المناط بها على أكمل وجه .
وعندما يقول العالم وليس الغرب: بأن المطلوب من النظام الإيراني التوقّف عن سياساته المدمرة، فهذا يستدعي من ساسة إيران شيئاً من العقلانية، فقبل "إدارة ترامب" كان شعبهم وجيرانهم أول من نصحهم وطالبهم بتغيير سلوكهم، وعدم الاستمرار بسياستهم المشينة، وإلا سيدفعون ثمن ذلك غالياً.
وسوم: العدد 806