وثيقة الاستقلال جزء من تاريخ مقاومة الشعب المغربي والمطالبة بإلغاء إحياء ذكراها خط أحمر

يسيء البعض فهم  سيادة أجواء حرية التعبير في بلادنا ، فيطلقون العنان لأهوائهم وآرائهم ، ويبيحون لأنفسهم  حق التجاسر على الأمة من خلال المساس ببعض ما يرمز إلى ثوابتها بدوافع إيديولوجية أو سياسوية أوحزبوية أوطائفية ضيقة آفاق أصحابها.

ومما نشر في بعض المواقع على الشبكة العنكبوتية مقال يطالب صاحبه بإلغاء إحياء ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال ليحل محلها إحياء ما يسمى بالتقويم الأمازيغي. وذريعته في ذلك أن هذه الوثيقة هي وثيقة حزبية ، وأنها ليست محل إجماع الشعب المغربي ،إلى جانب الطعن في مصداقيتها ، وفي  مصداقية الموقعين عليها ... إلى غير ذلك مما جاء في ذلك المقال .

ومن المعلوم أنه لا يحق لأحد مهما كان في هذا الوطن أن يزايد على غيره في المواطنة  أو الوطنية ، وفي حب الوطن ، وبناء على ذلك ليس من حق من طالب بشطب ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال أن يشكك في وطنية من وقعوا عليها ، وأن يجعلها قربانا لتحقيق حلمه الطائفي والعرقي الذي لا يقبل به الشعب المغربي المتنوع الأعراق والألسنة والثقافة والتي تنصهر جميعها  في بوتقة الانتماء الوطني المتجاوز لكل نزعة طائفية أوعرقية . والذي شكك في مصداقية  وثيقة الاستقلال ، وهو طعن  صريح في وطنية من وقعوها إنما يزايد بشكل مكشوف عليهم في الوطنية، بل يزايد على عموم الشعب المغربي  في ذلك أيضا ،لأن ما جاء في تلك الوثيقة كان معبرا عن حلم جميع المغاربة ، ولم يكن أمرا خاصا بحزب معين . ومعلوم أن الشعب المغربي في فترة الاحتلال الفرنسي البغيض لم تكن الحزبية تفرق بين أبنائه  فيما يخص قضية الاستقلال . ومهما كان توجه الذين قدموا وثيقة الاستقلال ، فإن عموم الشعب  كان  مجمعا على فكرة المطالبة بالاستقلال بغض الطرف عن  توجه من صدرت عنهم تلك المطالبة،أو الكيفية التي صدرت بها، لأنها كانت تعبر عن رغبته في الحرية  والاستقلال ، وهو ما جعله يختار كل أساليب المقاومة  المتاحة ، وبلغة الشرع  اختار كل أشكال الجهاد الممكنة ، وكان تقديم تلك الوثيقة شكلا من أشكال الجهاد التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حين  خطب ذات يوم  فيها صحابته وقال من ضمن ما قاله لهم : " ألا لا يمنعنّ رجلا مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه ، ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر "  ومن أكثر جورا زمن الاحتلال الفرنسي من المحتل الفرنسي  البغيض الجائر ؟ ومن أفضل جهادا يومئذ باعتبار هذا الحديث الشريف ممن تكلموا  بالحق ، وطالبوه بالاستقلال ؟

ومعلوم أن المطالبة بالاستقلال يومئذ كانت ثابتا من ثوابت الأمة كما هو الشأن اليوم بالنسبة لثابت الوحدة الترابية . وإذا كان لا يحق لأحد أن يطالب بإلغاء إحياء ذكرى المسيرة الخضراء أو ذكرى استرجاع أقاليمنا الصحراوية ، فإنه لا يحق له أن يطالب بإلغاء إحياء ذكرى استقلال الوطن أو ما ارتبط  بذلك من أحداث كحدث تقديم وثيقة الاستقلال .

ولن يرضى الشعب المغربي أبدا  المساس بتاريخ مقاومته أو جهاده عن طريق إلغاء إحياء  مناسبة حدث  يرمز إليه ، وتعويضها بتأريخ طائفي هو في غنى عنه مع وجود تأريخ مرتبط بدينه الرسمي المنصوص عليه في دستوره الذي ارتضاه وصوت عليه ، ومع وجود تأريخ تجمع عليه  كل شعوب العالم .

ومن سوء أدب المطالبين بإلغاء إحياء مناسبة تقديم وثيقة الاستقلال مع منابر الجمعة انتقاد خطبائها  لتناولهم هذه الحدث في خطبهم، فهل كان هؤلاء ينتظرون منهم أن يتناولوا فيها عوضا عنه  تأريخهم الطائفي ؟وهم الذين لا يتورعون عن اعتبار الفتح الإسلامي للمغرب مجرد احتلال عربي يجب أن يزول  ويزول معه كل ما يمت إليه بصلة من لغة ومن دين ، كما أنهم لا يخفون رغبتهم في جعل جزء من الوطن العربي في الشمال الإفريقي  وطنا للطائفية الأمازيغية  كما هو الشأن بالنسبة للطائفية الكردية في منطقة الشرق الأوسط التي تريد خلق وطن طائفي يبتلع عدة دول فيها.

إنه لا مكان في هذا الوطن للنعرات والدعوات الطائفية التي تهدف إلى بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد ، من خلال التجاسر على ثوابته . ولدعاة تلك النعرات عبرة فيما حدث في دول الشرق الأوسط التي دمرتها الطائفية وأهلكت البلاد والعباد والحرث والنسل  .

ولا مبرر لاختلاق مظلمة طائفية وهمية من أجل تحقيق حلم عرقي لأنه، لا أحد في هذا الوطن يتنكر للسان الأمازيغي ، أو يطالب بإقصائه كما يفهم من مقولات بعض من ينصبون أنفسهم أوصياء عليه دون غيرهم ممن يتحدثون به أو ينصبون أنفسهم  ناطقين رسميين باسمه ، وهؤلاء يسيئون إلى الهوية الأمازيغية من حيث يشعرون أو لا يشعرون باختلاقهم مظلمة طائفية وهمية لا وجود لها على أرض الواقع  ، ولم توجد  أبدا عبر تاريخ هذا الوطن ، ذلك أن المغاربة قد طووا صفحة العصبية القبلية  يوم أكرمهم الله عز وجل بدين الإسلام ، فصاروا بنعمة الله إخوانا يفخرون ويعتزون بهويتهم الإسلامية دون غيرها من الهويات العرقية  ، ويعتبرون اختلاف ألسنتهم آية من آيات ربهم عز وجل  كما أخبر بذلك القرآن الكريم .

وأخيرا نقول إنه من واجب الدولة المغربية أن تتابع دعاة المساس بثوابتها مستغلين ما ينعمون به من أجواء حرية التعبير من قبيل مطالبتهم بإلغاء ما يرمز إلى استقلالها كتقديم وثيقة الاستقلال التي تعتبر خطا أحمر ، وتقاضيهم على غرار مقاضاة من يستهدفون الوحدة الترابية ، أو يتعمدون المساس بثابت من ثوابت هذا الوطن ، وهذا الشعب.

وسوم: العدد 807