التَمايزُ العَقديُّ.. وَ المُشتركُ العُمرانيُّ
منْ إشكالاتِنا وإشكالاتِ غيرنا في الأداء الحضاريِّ ..إشكاليةُ الاضطرابِ بينَ فقهِ التمايُزِ العقديِّ والثقافيِّ للأممِ ..وبينَ فقهِ المُشتركِ العُمرانيِّ والتكامُلِ الحضاريِّ بين المجتمعات.. وَهذِه مَسألةٌ فيها تَفصيلٌ تَناولتُه في كتابي (شركاءٌ لا أوصياءٌ) أوجِز ماجاُه فيه بِما يلي: الأمةُ الإسلاميِّةُ مِثلَ غَيرِها مِنَ الأمَمِ.. لَها عَقيدتُها الدينيِّةِ وثقافتُها الخاصةِ بها في إطارِ التعدديِّةِ والتكامليَّة الثقافيِّةِ البشريِّةِ.. ومِنَ الاعتقادِ في الإسلامِ أنَّ حياةَ الإنسانِ كُلُها في عبادةِ لِقُولِه تَعالى:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". والعبادةُ في الإسلامِ نَوعان:
· عِبادةُ روحيِّةٌ . وعِبادةٌ عِمرانيِّةٌ.
وهما عبادتان تتكاملان في غاياتهما وفي أدائهما .. العبادةُ الروحيِّةُ مَهمتها: إعدادُ إنسانٍ جادٍ مُستقيمٍ لِقولِه تعالى: "منْ لمْ تنههُ صَلاتُه عنِ الفَحشاءِ والمُنكرِ لمْ يَزدد مِنَ اللهِ إلا بُعداً". وذلكَ ليكونَ الإنسانُ مُؤهلاً للنهوضِ بأمانةِ مسؤوليات العبادةِ العِمرانيِّةِ.. وليتحمّلَ بجدارة مسؤولياتِ مهمة الاستخلافِ في الأرضِ وعمارتها.. وَهي مَهمةٌ وتكليفٌ ربَّانيٌّ جامعٌ للإنسانيِّةٌ.. وأدَاءُ هذا التَكّليف الربَّانيٌّ لَه ثوابُه في الآخرةِ.. ولَه جَزاؤه ومنافِعُه في الدُنيا.. وَالنَّاسُ يُؤجرون عَلَى ذلكَ حَسبَ نياتِهم واعتقادِهم وهُم في ذلكَ نَوعان:
نوعٌ ربطَ دُنياه بآخرتِه فينالُ ثوابَ الآخرةِ مَقروناً بمنافعِ الدُنيا. وأخرٌ فصلَ دُنياه عنْ آخرتِه فينالُ منافعَ الدُنيا كاملةً أما آخرته فأمرها لله.
وعلَى أساسٍ منْ هَذا الفهمِ.. تَنتفي بتقديري إشكاليةُ التمايُزِ العقديِّ لأي أمةٍ.. في سياقِ تأكيدِ المُشتركِ العِمرانيِّ بينَ النَّاسِ جميعاً.. مِثلَما تَنتَفي مفاهيمُ التناقُضِ الوهميِّ عندَ البعضِ بينَ التمايُزِ العقديِّ وبينَ التعايًشِ العمراني.. بل يتأكدُ التعاونُ والتنافسُ بين الأمم للنهوضِ بمسؤولياتِ مهمةِ الاستخلاف في الأرض ..ولإنجاز أمانةِ المُشتركِ العمرانيِّ لبناءِ الحياةِ
وسوم: العدد 807