أعوْدٌ إلى عَالَمِ الحُصونِ والأبْوابِ المُؤصَدةِ ..؟! -5
حقاً ..لقد جاء مصطلح الفتح والفتوحات في منهج الإسلام ليتحول بالمجتمعات البشريَّة والكيانات الدوليَّة .. من ثقافة الخوف والانغلاق والاحتماء بالحصون والقلاع ..إلى ثقافة الأمن والاطمئنان والانفتاح والتواصل والتعايش.. وليتحول بالثقافة البشريَّة من التقاطع والتجافي ..إلى التعارف والتفاهم والتعاون والتنافس في بناء الحياة .. وحملت ثقافة الفتح والفتوحات للنَّاس قواعد دين ربِّ النّاسِ للنّاسِ لتنظيم علاقات مجتمعاتهم وتضبط معايير التعامل بينها .. حيث شَرَّع الله تعالى قاعدة (دار السلام ) كما في قوله جلَّ جلاله :"وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ" فجعل سبحانه الأمنَ والسلامَ أساس العلاقة بين المجتمعات .. وجعل الحب وبذل الخير للآخر من مكارم أخلاق النَّاس في التعامل فيما بينهم فقال خاتم الأنبياء والرسل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم : " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " ويعلق ابن رجب الحنبلي فيقول:(الأخوة في النص هي الأخوة الإنسانيَّة على الإطلاق). وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر :" أَحَبُّ النَّاسِ إلى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ". ونظم الله تباركت أسماؤه قواعد التعامل والتواصل بين النَّاس.. فشرع لأهم قواعد االتواصل بين المجتمعات والكيانات الدوليَّة بقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا (وفي قراء أخرى حتى تستأذنوا) وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ " ويؤكد سبحانه مسألة الاستئذان فيقول: " فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ". وهذا ما يُعبَّرُ عنه اليوم في نظم العلاقات الدولية.. بنظام الدخول والعبور بين أبناء المجتمعات.. والمشهور بمبدأ (تأشيرة الدخول). وبذلك أقام الإسلام نظاماً حضارياً للعلاقات البشريَّةِ ..يحمي به أمن المجتمعات وسيادتها من فوض التنقل العشوائي فيما بينها ..وليُحصِّينها من شرور عصابات الفساد والإفساد والتسلل والإقامة غير المشروعة على أراضيها .. وبذلك انتقل الإسلام بالبشرية من حالة التحصن من الشرور والفساد والإفساد بالسدود والجدران .. إلى أخلاقيَّة الاحتماء بقواعد سلامة الأذهان واستقامة الوجدان.. وفي بناء سلوكيات بني الإنسان وضبط علاقاتهم بالتراضي والحب والسلام. أجل لقد جاءت ثقافة الفتح في الإسلام لتُحطِّمَ القيود السدود وتَهدمَ قلاع التقاطع بين المجتمعات.. ولتبني جسورَ التعارف والتفاهم والتنافس بينها .. وذلك من أجل بناء تعايش بشريٍّ عادل وآمنٍ.
وسوم: العدد 807