أعوْدٌ إلى عَالَمِ الحُصونِ والأبْوابِ المُؤصَدةِ ..؟! -4

د. حامد بن أحمد الرفاعي

حقاً ..إنَّه لَمِنَ الغرابة بمكانٍ بل لَمِنَ الظلم والجور .. أنْ يَستخدمَ المؤرخون عِبارةَ (غَزوْةٌ) بمعنى حَمْلَةٍ عَسْكريَّةٍ يصفون بها عملاً دفاعيَّاً قام به رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون.. دفاعاً عن أنفسهم ومجتمعهم ..؟! كان هذا وهم ينسبون غزوة بدر الحملة العسكريَّةُ التي شنتها قريش بقيادة أبي جهلٍ حشدت لها كُلَّ ما تملك من السلاح والمقاتلين ..تريد قتال المسلمين وإذلالهم والقضاء عليهم .. وأعلن أبو جهل يومها بكل عنجهيَّة عبارته الحاقدة: والله لن نعود حتى نبلغ بدراً (مكان قرب المدينة المنورة) فنعقد الاحتفالات ونشرب الخمر وتغني لنا القيان ونقهر محمداً ومن معه ..ولتسمع بنا العرب وتعرف قوتنا وهيبتنا فلا يجرؤ أحدٌ من بعد على النيل من هيبتنا.. أجل صنَّف المؤرخون بغباء أو ربَّما بمكرٍ تلك المعركة الظالمة على أنَّها- بزعمهم -  من مفاخر المسلمين  ويدرجونها في عداد مغازي رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  ، بل ويسمونها باعتزاز: غزوة بدر الكبرى.. ويتكرر مثل هذا الظلم والجور والغباء من المؤرخين .. فصنفوا حملات عسكريَّة عدوانيَّةٍ أخرى شنَّها أعداء المسلمين عليهم مثل : غزوة هوازن (يوم حنين) مكانٌ: بين الطائف ومكة المكرمة ،وغزوة أحد (قرب جبل أحد من أطراف يثرب) شنتها قريش، وغزوة الأحزاب التي شنَّها تَحالفٌ ظالمٌ حاقدٌ من مُشركي قريش وغطفان وباقي الأعراب يساندهم من داخل المدينة اليهود والمنافقون والمشركون ..أرادوا به القضاء على باكورة دولة الإسلام يومئذ .. أجل كُلُّ هذه الملاحم الدفاعيّةِ التي قام بها المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدون بها البغي والعدوان عنهم وعن أمنهم وسيادة وجودهم ..يَقْدِمُ كتَّابُ السير عن غفلة وغباء  أو ربَّما بمكرٍ فينسبوا هذه الحملات العدوانيَّة الحاقدة إلى أفعال المسلمين ورسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم ، ويذكرونها بفخر واعتزاز حسب زعمهم ..نعم هي بكُلَّ تأكيد موضع فخر واعتزاز من حيث أنَّها بطولات المسلمين وتضحياتهم الكبرى في الدفاع عن أنفسهم .. وثباتهم المعجز في صد عدوان المعتدين عليهم وقهر غاياتهم الظالمة الجائرة .. إلا أنَّها تبقى وصمةُ عارٍ وشنارٍ تشهدُ على الغزوات العسكريَّة الحاقدة .. التي أراد بها البغاة من كُلِّ مِلَّةٍ وقوم النيل من الإسلام والمسلمين ..يتبع بعون الله تعالى

وسوم: العدد 807