خلط القيَم المعنوية : معضلةُ مجتمعات ، أم معضلةُ عقول !
إنها معضلة مستمرّة ، عبر الزمان والمكان ؛ لأن ضابطها الأساسي ، هو الفكر، وهو مادّة عائمة غامضة ، بحاجة إلى ضوابط ؛ لاسيّما ، عند إعمال الفكر، في تحديد قضايا مختلفة ، ومختلَف حولَها ، بين المجتمعات ، في الدول المختلفة ، بل ، بين المجتمعات ، داخل الدولة الواحدة ، بل ، أحياناً ، بين الأفراد ، في المجتمع الواحد !
على سبيل المثال :
خلط النفاق ، بالمسايرة والمجاملة !
ما أكثر مانرى ، في مجتمعاتنا العربية المسلمة ، مَن ينافق ، نفاقاً واضحاً ، باسم المسايرة ، أو المجاملة .. في أمور، لاتحتمل المسايرة ، ولا المجاملة ؛ قد تكون عقَدية ، أو خُلقية ، أو نحوذلك ! بينما ، قد يُتهم ، بالنفاق ، أناس يسايرون غيرَهم ، أو يجاملونهم ، في مسائل عادية بسيطة ! وقد تكون المجاملة فيها ، مستحبّة ، أو مندوبة ، وتُشيع أنواعاً ، من المحبّة والإلفة ، بين الناس !
خلط الكِبْر، بالأنَفة ، وعزّة النفس !
الأنفة وعزّة النفس ، صفتان متقاربتان ، في المعنى ، وفي التطبيق ! وهما صفتان نفسيتان، والأنَفة – بمعنى : الترفّع عن الرذائل والسفاسف – نابعةٌ ، من عزّة النفس !
وكثيراً ماتلتبس الأمور، على بعض الناس ؛ فيحسبون الأنفة ، أو الترفّع ، كِبْراً ! كما أن بعض الناس يحملون ، في صدورهم ، كِبْراً ، يسمّونه : أنَفة ، أو عزّة نفس ! والفرق كبير، بين عزّة النفس ، التي تدعو صاحبها ، إلى أن يأنف الرذائل والسفاسف ، ويترفّع عنها .. وبين الكِبْر، وهو خلق مذموم ، بل هو: من أخبث الصفات ؛ فرسول الله ، يقول : لا يدخل الجنّة ، من كان في قلبه ، مثقالُ ذرّة من كبْر! وقد وصَف الكبّر، بأنه : بَطَرُ الحقّ ، وغَمْطُ الناس !
وقد اختلط ، في أذهان الناس ، كثير من الصفات الحميدة ، بصفات ذميمة ، تبدو ، في ظاهرها ، أنها مثلها ، أو أنها ، هي ! بيد أن الفرق ، كثيراً مايكون كبيراً ، ويكون البون شاسعاً ، بين هذين النوعين ، من الصفات !
وممّا راج ، لدى بعض الناس :
خلط التهوّر ، وهو صفة ذميمة .. بالشجاعة ، وهي صفة حميدة !
خلط الإسراف ، الذي هو عادة سيّئة مذمومة .. بالكرَم ، الذي هو عادة حسنة حميدة !
خلط الجبن ، الذي هو صفة ذميمة .. بالحكمة ، التي هي صفة حميدة ، بل هي : من أرقى الصفات الحميدة ! وقد وصفها ربّنا ، عزّ وجلّ ، بأنها منحة ، من عنده ، فقال ، سبحانه : (يؤتي الحكمةَ مَن يشاء ومَن يُؤتى الحكمةَ فقد أوتيَ خيراً كثيراً ..) .
خلط البخل ، وهو صفة سيّئة مذمومة ، تدمّر صاحبها ، وأهل بيته .. بحسن التدبير، الذي هو صفة حسنة ، مطلوبة لكلّ إنسان عاقل ؛ لاسيّما مَن يتولّى أمورَ الآخرين ، من : أسرة ، وقبيلة ، وحزب ، ودولة !
وسوم: العدد 807