"اتحاد الشعوب العربية " بين أمل النجاح وعقبات الإحباط
في حدث مناف لحالة التشرذم والتحارب العربي_ العربي ؛ انعقد في اسطنبول ، في مطلع الأسبوع الحالي ، مؤتمر " عرب المستقبل .. من أمة رعايا إلى أمة مواطنين " ، وأصدر في ختامه " نداء إلى الأمة " دعا فيه إلى تشكيل " اتحاد الشعوب العربية الحرة " . المؤتمر نظمه " المجلس العربي " برئاسة المنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق ، وحضره عدد من النشطاء والإعلاميين العرب ، منهم أيمن نور رئيس حزب " غد الثورة " المصري المعارض . ومن حديث المرزوقي في ختام المؤتمر يستبين اليأس من النظام العربي الرسمي الذي وصفه بالإفلاس ، والذي أقامت دوله وحدات واتحادات لم تعش طويلا ، ولم تغير شيئا نحو الأصلح في مجرى الأحداث في العالم العربي ، فليكن التوجه الآن إلى الشعوب مباشرة ، وستكون " المواطنية " الأساس الذي ستقوم عليه العلاقات في مجتمعات اتحاد الشعوب الجديد ، وسينظر إلى " التعددية العرقية والدينية والفكرية والسياسية " باعتبارها " مصدر ثراء وقوة " ، وفي هذا تطمين للأقليات المتنوعة التي تعيش في المجتمعات العربية . ويعرف بيان المؤتمر الشعوب العربية بأنها " الشعوب التي تتكلم اللغة العربية والتي تشكل الثقافة العربية الإسلامية المكون الأساسي لشخصيتها "، وهذا تعريف سليم حضاري ، فالعروبة ليست دما فحسب ، وإنما هي لغة وثقافة وحضارة وعيش مشترك وتطلعات مستقبلية نحو الأحسن والأكرم لكل من ينتمون إليها . واستهداف المؤتمر لنقل العرب من أمة رعايا إلى أمة مواطنين يحوي ردا فكريا وسياسيا على من أساؤوا جاهلين وعامدين معا مفهوم الراعي والرعية في الإسلام ، فجعلوا الحاكم سيدا مطلقا معصوما ، وجعلوا الشعب عبدا تابعا راغما ، وللسيد أن يفعل بالعبد ما يريد مهما شذت إرادته وساءت ، وللعبد أن يخضع محروما حتى من شرعية التألم والشكوى ، فهوت الشعوب العربية إلى حضيض الضعف والاستباحة لإنسانيتها وكرامتها وأوطانها تحت وطأة ظلم هؤلاء " الرعاة " الفاسدين الطغاة المستعينين على قهرها بالغرب وإسرائيل . وعن آلية تنفيذ مشروع اتحاد الشعوب العربية المأمول يوضح البيان أن " الاتحاد المنشود على الأمد المتوسط هو جملة المؤسسات السياسية المشتركة التي تدير الفضاء المشترك ل 400 مليون عربي ، لهم فيه حق التنقل ، وحق العمل ، وحق الملكية ، وحق الإقامة ، وحق المشاركة في انتخابات المؤسسات العربية المشتركة ، وعلى رأسها برلمان عربي منتخب بصفة مباشرة من الشعوب "
. ما يطمح إليه هذا المشروع العروبي أمل يصبو إليه أكثر المواطنين العرب الذين يحزنهم ويغضبهم أن يروا أمتهم في هذه الدونية من الضعف والشقاء ، متحيرة مشلولة إزاء خطر وغطرسة دولة صغيرة ، هي إسرائيل ، وأن يروها مباحة مستباحة لأعتى وأظلم قوة عدوانية عرفها التاريخ هي أميركا ، وأن يروا دولا ومجتمعات عربية تتقطع وتتهدم ويقتل أبناؤها ، ويعيشون في خوف وتشرد لا يزولان ولا يقلان . إنما الأسئلة كثيرة عن القدرة على إنجاز هذا الأمل ، فالأعداء الذين حاربوا مشاريع الوحدة العربية سابقا سيحاربون هذا المشروع ، وهم نفس الأعداء ، أعداء في الداخل العربي ، وفي الخارج الإقليمي والدولي . والشكل الجديد للتوحد العربي أخطر على هؤلاء الأعداء من الشكل القديم له . إنه يقصد إلى الشعوب مباشرة ، يقصد إلى الداخل ، ويحرك هذا الداخل لمواجهة الفساد والاستبداد الرسمي المتجذر في مفاصل المجتمع وعروقه ، وهذا القصد سيهيج كل شياطين الفساد والاستبداد الرسمي العربي ، ويدفعها إلى أشد الالتصاق والالتحام مع أعداء المشروع الخارجيين ، الغرب وإسرائيل . والمفارقة التاريخية أن يلتئم هذا المؤتمر العروبي في تركيا التي ظهر الفكر القومي العروبي السياسي في آخر القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين ردة فعل على صعود القومية الطورانية التي تجسدت في توجه جماعة " الاتحاد والترقي " التركية ، وهنا يتعزز التساؤل : ما موقف تركيا جوهريا ومستقبليا من أمة عربية متحدة تعدادها الحالي 400 مليون نفس ؟ ! وما موقف إيران ؟! أسئلة كثيرة يفجرها هذا المشروع الطموح ، لكنه مشروع يرحب به كثيرون من العرب الذين يحبون أمتهم ، ويحبون أن يكون لها كيان واحد عزيز منيع تحت الشمس ، لا تؤذي أحدا ، ولا يجترىء أحد على إيذائها .
وسوم: العدد 816