مفتاح "الأندلس" بين "صبورة" و"الفاتيكان" و"كرة القدم" !
هل تعرف من هي "صبورة" ؟
صبورة التي كانت هدفا عظيما للقتل، ولوحقت سنوات طوال وهددت أشد التهديد في إسبانيا، فلم تكن زوجة خليفة ولا أمًا له، ولا هي من أخوات فاطمة الفهرية ولم تؤسس لجامعةالقرويين أول بناء يجمع العلم والمعرفة.
لعلها ليست من عظماء التاريخ أولئك أو حتى منه، ولكنها عظيمة في حاضرنا نحن ! صبورة التي طُعِنت وهي واقفة في وسط مطبخ بيتها عام 1998م ستة وثلاثين طعنة… في جسدها، في الظهر، في البطن، في القلب، في الصدر، في الأكتاف والأطراف بلؤم شديد وبحقد أشد، أندلسية أسلمت وزوجها وقررت بعد أن تمكن الإسلام من قلبها أن تدافع عن نفسهاوحجابها وتدعو الاسبانيات إلى الاسلام، فأسست جمعية النساءفي مدينة برشلونة لما في برشلونة من حرية في القانون، واستقرت وعائلتها في قرية المدور في سفح قلعة المدور التي كانت حصنا منيعا لقرطبة، وقيل كما يقال دائما، شاب مجنون تهجم على امرأة في بيتها قتلها وسجن، وفي طريق محاكمته وكالعادة وقع عن الدرج ومات من فوره وأفلتت (منظمة الرب) مرة أخرى وثالثة ورابعة من أي تحقيق، رغم تهديداتها المباشرة بالقتل، لها ولأسرتها وملاحقتهم المتواصلة.
وهل مرَّ عليك اسم الدكتور"علي الكتاني الأندلسي" الذي عاد ادراجه من المغرب في الثمانينيات ؟ بعد أن صدر ولأول مرة في إسبانيا قانون حرية الأديان عام 1978، ودرَّس الحضارة الإسلامية في جامعة قرطبة ؟
عاد ادراجه يريد أن يبدأ مشروعًا أكاديميًا عظيما لا أكثر ولا أقل !!!
فلملم الجهود لبناء "جامعة ابن رشد" و"مسجد الأندلسيين" في وسط مدينة "قرطبة" القديمة ! وعقد بعض اتفاقيات مع جامعات إسلامية في "ماليزيا" و"الأزهر الشريف" ، ودعمه بعض من أثرياء الخليج على استحياء، فقدموا له مبالغ لشراء البيوت الأندلسية المتراصة لعمل الجامعة حتى دون استكمال دفع أموال ترميمها ! أمام فرصة الترخيص التي سهلها له رئيس بلدية قرطبة في ذلك الحين اليساري (خوليه انجيته) !
*** لكن يد (منظمة الرب) ، الذراع الضاربة للكنيسة الكاثولكية ــ كما قيل ويقال دائمًا في المجتمع القرطبي -، تتدخل مرة أخرى لتجهض كل مشروع إسلامي حتى لو كان أكاديميا أوثقافيا بحثاً ! مرة بسفك الدماء مباشرة باسم المعتدين المجانين ومرة أخرى باختراق المشاريع بمسلمين جدد مُخربين، ويموت الدكتور"علي الكتاني" بمرض غريب ؟؟؟ أثناء الإشراف على المشروع، ويُقتل المشروع معه، وتباع البيوت الأندلسية بأيدي المُخربين، بثمن بخس ، ولا يبقى منه إلا المسجد الصغيرومن حوله بعض الممتلكات التي لم يستطع أن يتصرف أحد أو يتلاعب بها لأنها مما قدمته البلدية زمن (خوليه انجيته)، للمشروع.
***خوليه انجيته***، الرجل الذي اطلق عليه أهل قرطبة اسم (الخليفة الأحمر)، أحمر نسبة لشيوعيته، ولدعمه الواضح للأندلسيين المسلمين وتقديم كافة المساعدات والتراخيص والخدمات لهم ، أليس هو الذي دعم المفكرالاسلامي الفرنسي "روجيه جارودي" في مشروعه الذي أقامه على قنطرة، فيما كان يُعرف في التاريخ ببرج المراقبة ، تعلوه فترى عزًا لا يضاهي عظمته الا هذا الضياع للإسلام في الاندلس ! فأصبح برج المراقبة هذا من أجمل المتاحف التي تصورحياة المسلمين فيعهد خلافتهم للأندلس في مجسمات فنية مذهلة، ولولا(الخليفة الأحمر) هذا لما تحول البرج الى متحف يعبّر عن تاريخ مَجيد.
وذاك الشاب الاسباني المسيحي الذي هرب من الكنيسة الكاثوليكية يوم كان في العشرينات من عمره كما تذكر الروايات، وأدرك في حياته فيها بؤس إيمانهم وتعرف فيما تعرف عليه عبر التاريخ والكتب على محاكم التفتيش وَرَبَطَ الحاضر بالماضي، وأراد إفشاء السر عمليا، وفضح أكاذيب الإيمان المفتعل، فبقي ثلاثين عامًا في صراع معهم في المحاكم وهو يلملم أدوات التعذيب الأصلية التي استخدمت في تعذيب المسلمين، يريد أن يفتتح متحفًا لفضح مساوئ الكنيسة ــ متمثلاً في محاكم تفتيشها عن دين المرء ــ في فنون التعذيب بأدوات وآلات منها ما وصل قبحه لأن يكون جنسيا يشق النساء شقين، لعل أقل ما يقال فيها بأنها من صنع الشيطان نفسه ! ***ومع انه كسب القضية أجبره القاضي،على عدم ذكر التاريخ مع العرض، فمنع من بيان أن هذه الأدوات استخدمت لرد المسلمين عن دينهم وتعذيبهم، ومُنع من الإشارة بأي وجه الى كلمة إسلام ومسلم***، وفي أحسن ما كتب في المتحف تحت صورة تمثيلية لاعتراف امرأة تعذب، ‘أقسم أنني لم أمتنع عن أكل الخنزير لأنني وجدته مقززًا’.
وهل سمعت عن "هاشم" ذلك الفنان الصوفي المسلم، الذي أذِنت له البلدية زمن (الخليفة) الأحمر برفع الأذان من على منارة مسجد قرطبة ؟ باعتبار أنَّ كثير من مثقفي قرطبة يرون أن المسجد يجب ألا تنطفئ أنواره إلا لمساحة الكاتدرائية التي اقحمت فيه بفظاظة عام 1236م.
مسجد قرطبة الذي كانت كل زواياه منبعا للعلم والمعرفة فلكًا وطبًا وفلسفةً وكيمياء وغدت اليوم تتراص على جوانبه غرف للمقابر، مقابر لعائلات النبلاء والرهبان والقديسين وقواد محاكم التفتيش !
كما غدت أرضيته مقبرة كبيرة لفرسان الحروب الصليبية في القرن الثاني عشر، فترى على أرضيته شواهد القبور المسطحة التي تخصهم، أما وسط المسجد فقد سلط الضوء على الكاتدرائية المزروعة فيه وبقي باقي المسجد غارقًا في ظلام دامس !
أما محراب المسجد البديع فقد احيط بسور ليسجن بداخله. كذلك لمنع المسلمين من الصلاة فيه…
*** في الوقت الذي بات الكثير من الناشطين يعتقدون أنَّ للمسلمين الحق في الصلاة فيه، مثلما أن هذا الحق مكفول للنصارى بالتمام والكمال، كما حاول أن يفعل الدكتور منصور زوج صديقتنا الشهيدة صبورة، الذي كاد أن يكون يومًا قديسًا فأسلم، حيث أقام صلاته في 28-12-2006م خارج سور المسجد بجانب باب العدالة، للفت الانتباه لهذا المنع الجائر، تحت تغطية إعلامية إسبانية فقيرة وعربية معدومة !***
أو أن مثقفي قرطبة يرون على أقل تقدير أن يحول المسجد إلى متحف لا يصلي فيه أحد عدلاً بين الجميع كآيا صوفيا في تركيا.
علا هاشم المنبر وأذن في مايو/آيار عام 2004م، وعلت من بعدها أيدي رهبان الكنيسة الكاثوليكية في الدولة لاستصدار قرار بجعل القساوسة والرهبان كُتَاب عدل يسجلون ما شاؤوا وكيفما شاؤوا ومتى شاؤوا من الممتلكات باسم الكنيسة، حتى ضج الإسبان المسيحيون في قُراهم وبلداتهم من شنيع توسعهم ومن شدة ما الحقوه لأنفسهم من ممتلكات الناس، فطالت أيديهم كل ما يشتهون! وبلغت أوج وقاحتهم أن تملكوا مسجد قرطبة الذي كان قبل استصدارالقرارعام 2006م تابعًا لبلدية قرطبة، وتغير من حينها اسمه إلى ‘كاتدرائية قرطبة’ بعد أن كان ‘كاتدرائية مسجد قرطبة’.
كان هاشم ومنصور يعرفان الطريق جيدًا، ورغم كل المعاناة ومستوى التحدي التي يعلمانها مسبقًا حملا أمتعة العدل والإنصاف في جعبتهم وتحلوا بشجاعة منقطعة النظير، وتوجهوا حين توجهوامع الدكتور زكي بدوي رئيس المركز الإسلامي في لندن ، في مارس/آذار عام 2004مإلى حيث مكمن القرار وسيادته لا إلى دولتهم وحكومة إسبانيا، كلا بل توجهوا إلى: الفاتيكان، دار قرار الكنيسة الكاثولوكية، فالقرار وما ادراك ما القرار يُتخذ حين يُتخذ في روما منذ عهود التاريخ الأولى، حيث يقبع مفتاح الأندلس لمسلمي اليوم لمن لم يعِ درس التاريخ! ودرس الحاضر معًا!
****الفاتيكان سحق حضارة أذهلت العالم بناها الإسلام في الأندلس سحقًا، ****ــ فهزيمة قوم لا تعني إبادتهم ونفيهم وسحقهم ــ حضارة كان الأولى أن يتغنى بها العالم المتحضر حتى اللحظة، وكان الأولى أن تُعتبر لأجلها قرطبة عاصمة العلم والثقافة والفن، عاصمة الأخلاق والتسامح وحرية الأديان، يحتفل بها العالم بأسره في كل عام ويدين لها بما وصل إليه، ويرفع القبعة ويحني الرأس! حضارة أوصلت العالم إلى ما وصل إليه من تكنولوجيا وتطور لمن يعرف ما هي قرطبة أو من هي قرطبة!
قرطبة والدة العالم الحقيقي التي أنجبت ما نحن عليه من تكنولوجيا وتقدم وتغول في العلم!كان الأولى الاحتفال بها بدلًا من الاحتفال بسقوط غرناطة في الثاني من كانون الثاني/ يناير من كل عام،كان الأولى أن يقف العالم حزنًا عقيمًا في تلك الذكرى.
السؤال الذي أدهشني طويلاً واستفزني أكثر، وتركني ابحث عنه سنوات بين أروقة الكتب وسطور التاريخ… انتشر الإسلام في دول كثر، وكما انتصر انهزم أيضا، ولكنه لم يُبد يوما أو تُستأصل شأفته كما أبيد في إسبانيا ؟! لِمَ ؟! سؤال أرقني كثيرًا، ما الداعي وما الأسباب؟! وقال المثقفون إن أوروبا صاحبة المسيحية المتجذرة فيها لم تقبل الإسلام وكتب في ذلك حسين مؤنس في كتابه: ‘فجر الإندلس′. وقلت لنفسي ولكن أوروبا المسيحية قبلت الإسلام ثمانية قرون وتزاوج مع أهله وعظم شأنه، فالهزيمة وانكسارالأمم وحضاراتها، تُعرف مقدماته وعوامله وأسبابه، أما الإبادة فجريمة…! ما فعلها الإسلام يوما، والحوادث تشهد، ولكنه اشترى آيا صوفيا كمنتصر وبثمن باهظ ووقِّعت العقود على ذلك، وأبى ابن الخطاب حين تسلم مفاتيح القدس أن يغلب القوم على كنيستهم أو يصلي فيها… أبى أن يتغلب على مكان عبادة رغم شركيته في عقيدته فكيف بنفي البشر وسحقهم؟! وبقي عهد المسلمين على سنته فاشترى عبد الرحمن الداخل مكان مسجد قرطبة وبثمن أكبر بكثير مما يستحق لإرضاء الطرف الآخر، احترامًا وتقديرًا! وبنى من هناك حضارته، فكان جامع قرطبة جامعة العالم المتحضر!
إن ما يهم اليوم هو ما يكفي لخلق استراتيجياتنا الجديدة على الأرض في الواقع والتاريخ، أين نُسلط كاميراتنا وإعلامنا؟ وأين نستثمر أموالنا؟ وكيف ولماذا نضغط باقتصادنا وبترولنا ؟ فلا يأكلنا اعلام باباوات روما خجلاً من أنفسنا بوصفنا بالإرهاب !! لأننا أدركنا حتما حقائق الفاتيكان فلا يشغلوننا بالدفاع عن أنفسنا وهم أولى برد التهم !**** ولأننا ادركنا أن مفتاح الإسلام كله في أوروبا يبدأ من حيث انتهت حضارة عظيمة كالأندلس على أيديهم…**** يد باباوات "روما" لا غير! أو لأننا يجب أن ندرك حتمًا أن مفتاح حضارة جديدة عنوانها الجديد عدالة الإسلام ورحمته بالإنسانية وأبنائها هي مصيرنا المحتوم، وعلينا جميعًا السعي له في عالم يشوي فيه كثير من القديسين في كنيستهم الأم لحم الطفولة ويتاجر بها…
نعم، سنُعيد إحياء قرطبة حتمًا علينا، وسيحتفل العالم كله بها تحت عنوان (قرطبة رمز الحضارة)، لا حضارة العلم وحده بل وحضارة الإنسانية أولاً، ولكن قبل أن نفعل علينا وعلى العالم كله أن يعرف كيف يتعامل مع تلك القابعة في روما، فلا تعاود استغفال أحد!
- المقال قديم بعض الشئ و لكن المعلومات التي به مهمة و لم تتغير حداثتها خاصة في ظل قرار لجنة الخبراء الأخير عن المسجد و رد الكنيسة !
وسوم: العدد 820