الأكاذيب التي ظل النظام الجزائري يتذرع بها للاستخفاف بالشعب وتضليله وصرفه عن التفكير في ديمقراطية حقيقية
لقد كان للاحتلال الفرنسي البغيض في الجزائر لمدة مائة وثلاثين عاما دور في خلق شعب ثائر وذي عاطفة جياشة بفعل تحرقه على فقدان أعز ما يملك وهو حريته ووطنه ، وهو ما جعله يثور ضد الاحتلال ، ويكون قدوة للشعوب الثائرة على المحتل في كل بقاع المعمور.
ولقد استغل حكام الجزائر بعد استقلالها عاطفة الشعب الجزائري الجياشة ، وأخذوا يعزفون على أوتارها لا لاستنهاض هممه كي يخطو نحو التقدم والرقي بل ليستخفوا به ويضلوه عن ذلك ، ويصرفوه عن التفكير في ديمقراطية حقيقية ، وكانوا يلهبون مشاعره بالخطب الديماغوجية الرنانة التي تحرك فيه النخوة والشعور بالعزة والكرامة والفخر بسبب ثورته، وليس في ذلك عيب بل هو شيء محمود ومطلوب ،ولكن مع شديد الأسف لم يكن هذا هو هدف من كانوا يسوسونه بل كان هدفهم هو تنويمه وتخديره ليرضى بمديحهم الكاذب كي يستبدوا بالسلطة ، ويستفيدوا من كل أنواع الريع .
ومعلوم أن حكام الجزائر كانوا من قادة الثورة الجزائرية كما يزعمون ،والله وحده يعلم من صدق منهم وهوأعلم بالمدعين، ولهذا تاجروا بهذه الثورة واستغلوها أبشع وأخس استغلال ، فصاروا بمثابة عصابة قاتلت ليس من أجل تحرير الوطن ،ولكن من أجل الاستفادة المادية من حريته . ومعلوم أن الجهاد في دين الإسلام يقع أجره على الله عز وجل ، ولا ينتظر المجاهد الصادق أجرا دنيويا مقابل جهاده إلا أن حكام الجزائر الذين يدعون الجهاد جعلوا منه ذريعة لنهب وسلب مقدرات الأمة الجزائرية بتسلطهم على رقاب أبنائها واستبدادهم بهم ، وحرمانهم من ثرواتهم ومن حرية اختيارهم لنوع الحكم الذي يرضونه والذي ينهض بهم بين أمم الأرض .
ونعود إلى الأكاذيب التي ظل حكام الجزائر الانتهازيون يسوقونها في خطاباتهم الديماغوجية للاستخفاف بشعب الجزائر، وعلى رأس تلك الأكاذيب محاولة استبدال عداء هذا الشعب للمحتل الفرنسي بعداء الإخوة الجيران خصوصا المغاربة وقد قاتل الشعبان في خندق واحد هذا المحتل البغيض . ومن أجل طمس معالم عداء الشعب الجزائري للمحتل الفرنسي الذي دام لأزيد من قرن من الزمان بأسرع وقت ممكن لجأ حكام الجزائر إلى اختلاق خلاف حول الحدود مع المغرب ، وهو خلاف أفضى إلى توتر ومواجهة مسلحة ظل حكام الجزائر يستغلونها لتحريض الشعب الجزائري على شقيقه المغربي كي يتخذ منه عدوا بديلا عن المحتل الفرنسي الذي قتل وعذّب ونفى وسجن ونهب وسلب ... وفعل ما لا يسمح المقام بسرده من جرائم فظيعة لا تنسى أبدا .
ولما كانت عواطف الشعب الجزائري جياشة فقد ركبها حكامه لإيغار صدره على أشقائه المغاربة ، وزينوا له العداوة معه ، وظلوا يغازلون عواطفه ساخرين منه لصرفه عما كانوا يرتكبون في حقه من سلب ونهب واستغلال بشع .
ومن أكاذيبهم أيضا محاولة صرفه عن هويته الإسلامية حيث طوحوا به في متاهات الإيدولوجيا الروسية ،وظلوا يمنونه بما ستجلبه له من رخاء وتطور وتقدم ،وقضوا عقودا يتغنون بالثورة الزراعية التي لم توفر لهذا الشعب حتى رغيف الخبز . وبتبني حكام الجزائر للإيديولوجيا الروسية زادوا من قدح نار عداء الشعب الجزائري للشعب المغربي الشقيق ، وأوهموه أن المغرب بلد تابع للإمبريالية المعادية للروس ، وورطوه في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل ، وهو صراع بين معسكر الشرق والغرب، وما كان بينهما من حرب باردة يجعلونها ساخنة متى شاءوا في أقطار الشعوب الفقيرة لتسويق أسلحتهم المهلكة للحرث والنسل ، والمدمرة للبلاد والعباد .وازداد تحريض هؤلاء الحكام شعب الجزائر على شقيقه المغربي، فاختلقوا جمهورية وهمية فوق التراب الجزائري ، وفتحوا معتقلا كبيرا في تندوف سجنوا فيه رعايا مغاربة ساقوهم بالقوة إليه ، وجعلوا منهم شعبا سموه صحراويا يطالب بوطن فوق تراب مغربي يشهد التاريخ أنه ترابه منذ أمد بعيد وقبل أن يحتله المحتل الإسباني ويرحل عنه . ووجد حكام الجزائر ضالتهم في مشكل الصحراء ، وحرصوا على جعله معضلة لا حل لها لأنهم كانوا يتاجرون به كما تاجروا بالثورة الجزائرية من قبل ، وذلك للاستخفاف بالشعب الجزائري وللمزيد من تخديره وتضليله وصرفه عما هو أهم من الارتزاق بصراع مع المغرب لا طائل من ورائه ، فازداد هذا الشعب حقدا على شقيقه المغربي ، وجعله عدوه اللدود .
ومن أكاذيب حكام الجزائر استغلال غلق الحدود مع المغرب بعد استفزازه لتصدير العنف إليه خلال ما سموه العشرية الدموية ، وهي مؤامرة مكشوفة دبرت لإجهاض أول تجربة ديمقراطية جادة في الجزائر والتي جرت رياحها بما لا يشتهي حكام الجزائر ، فسارعوا إلى الانقلاب العسكري عليها ، واتخذوا منها ذريعة لإغلاق الحدود مع المغرب ، واستغلوا هذا الإغلاق للضحك على ذقون الجزائريين وإيهامهم أنهم يعيشون في بحبوحة من العيش ، وأن جيرانهم المغاربة يموتون جوعا ، ويعانون الفقر المدقع .
ومرت الأيام على حبل الكذب القصير ، فاكتشف الشعب الجزائري أنه كان ضحية استخفاف حكامه الانتهازيين به ، وثار مرة أخرى بعد ثورته الأولى لما أجهزوا على تجربته الديمقراطية الأولى ، وهو اليوم يرفع سقف مطالبه ولا يقبل بأقل من رحيل هؤلاء الحكام جميعا دون استثناء بل ومقاضاتهم واسترداد ما نهبوه من خيرات ، وما هربوه من مدخرات خزّنوها في خزائن الدول الغربية .
ونأمل أن ينجح حراك الشعب الجزائري الشقيق ، وأن يحقق الله عز وجل مبتغاه فيتخلص من العصابة التي حكمته لعقود مستخفة به ، ومستغلة عواطفه الجياشة تجاه وطنه للتمويه على استبدادها وسطوها على مقدراته . ونحذر هذا الشعب المسلم من أن يلدغ مرة أخرى من نفس الجحر، وتنطلي مرة أخرى عليه حيل سابقة تبين وتأكد تهافتها ، ولا يصح إلا الصحيح كما يقال .
وسوم: العدد 822