متى تتناسب أوزان العقول ، طَرداً ، مع أوزان أصحابها: سياساً ، واجتماعياً ، واقتصادياً !؟
أهذا سؤال ، أم حلم ، أم أمنية ، أم طموح ؟
ربّما كان ذلك ، كلَّه !
أمّا كونه سؤالاً ، فهو واضح ! وواضح ، أيضاً ، أنه يتعلّق بالمستقبل ! وواضح أن جوابه ، من خلال النظر، إلى حياة البشر، والمجتمعات البشرية ، هو: الله أعلم !
وأمّا كونه حلماً ، أو أمنية ، أو طموحاً ، فنابع : أوّلاً ، من حقّ كلّ إنسان ، أن يحلم ! وثانياً ، من الحاجة الماسّة ، إلى تحقيقه ، على مستوى المجتمعات البشرية ، عامّة ، في كلّ زمان ومكان ! فهو كان ، ومايزال ، وسيظلّ ، حاجة إنسانية عامّة ، تطمح المجتمعات الإنسانية ، قاطبة ، إلى تحقيقها !
لكن لا بدّ ، من توضيح نقطة هامّة ، هي : أن العقول ، المطلوب تناسبها ، مع أوزان أصحابها ، يجب أن تكون محمّلة بالخبرات ، الملائمة للمهمّات ! أيْ : مصحوبة بالعقول المكتسبة ! وإنْ عُدم المكتسَب ، في ظرف ما ، فالموهوب لايمكن الاستغناء عنه ، في أيّ ظرف ، انطلاقاً، من سائر البدَهيات، التي تعارف عليها البشر، والتي عبّر عنها ، ببساطة ، الشاعر الجاهلي الشابّ ، طرفة بن العبد ، في قوله :
والحكمة قد توجد، عند الشابّ ، كما يمكن أن توجد ، عند الكهل ، وعند الشيخ !
والعقل الموهوب ، قد يوجَد ، عند الشابّ ، وعند الكهل ، وعند الشيخ !
أمّا الخبرة ؛ فالأصل أن يكون مقدارها ، عند الكهل ، وعند الشيخ ، أكبر ممّا هو عند الشابّ ؛ وذلك بحكم التجارب ، التي يمرّ بها الإنسان ، عبر الزمن ! والحالاتُ النادرة ، لا يقاس عليها !
ولعلّ النماذج السلبية والإيجابية ، توضح المقصود ، ممّا نرمي إليه ! ونَقصر الكلام ، على ماهو عند البشر العاديين ، من الحكمة ، أو العقل ، أو الخبرة .. دون الأنبياء ، الذين يُوحى إليهم ! وبعضُهم أوتيَ الحُكمَ صَبياً، وبعضهم أوتيَ الحكمة وفصلَ الخطاب !
ونكتفي بنموذج واحد ، عن كل حالة ، من الإيجاب والسلب ، في القديم والحديث ؛ لتبيان ، مايمكن أن يفعله العقل الحصيف ، من خير، في حياة الناس ، وما يمكن أن ينشره العقل الأحمق ، أو المشوّه ، من شرّ!
نموذج إيجابي قديم : إرسال النبيّ ، حذيفة بن اليمان ، لاستقصاء خبر قريش ، بعد إخفاقها في معركة الخندق ؛ إذ بادر حذيفة ، إلى سؤال مَن على يمينه ، ومَن على شماله ؛ كيلا يسأله أحد، عن اسمه أو شخصه، وذلك ؛ بعد طلب أبي سفيان ، من جيشه ، أن يتعرّف كلّ منهم ، على مَن يجاوره ، يميناً وشمالاً !
نموذج سلبي حديث : تصرُّف الجنرال ، عاطف نجيب ، رئيس مخابرات درعا ، في سورية ، مع أهالي المدينة، حين زاروه ، يطلبون منه ، الإفراج عن أطفالهم ، الذين كتبوا على الجدران ، كلاماً مستفزّاً ، بحقّ نظام الحكم ؛ إذ أسمعهم نجيب ، كلاماً يمسّ كراماتهم ! فهبّ الرجال ، في درعا ، وأشعلوا ثورة ، امتدّ لهيبها ، إلى سورية، كلّها ! وكان بإمكانه ، وأدُ الفتنة ، في مهدها، بالإفراج عن الأطفال ، أو بكلام ليّن، يسمعه للأهالي ، فيه وعد، بالإفراج عن أبنائهم !
وسبحان القائل : ومَن يؤتَ الحكمة فقد أوتيَ خيراً كثيراً !
وسوم: العدد 822