طرق التدريس، الأهداف المتوخاة منها ، ومدى تحققها
إن طرق التدريس كثيرة ومتعددة ، ولكل أمة تجاربها في هذا المجال ، كما أن لكل عصر اجتهاداته . وتعتبر الأمة الإسلامية: رائدة في هذا الاتجاه .
ويكفي أن نلقي نظرة على ما أنتجته الأمة الإسلامية- من خلال تجربتها التاريخية تلك- لنرى ذلك الكم الهائل- من العلماء، والباحثين، والدارسين، في شتى فنون العلم والمعرفة- والذي لا يوجد له نظير في أمة من الأمم- بذلك الكيف، وذلك الكم ، وذلك العصر- .
إن الفضل في ذلك الإنجاز التربوي: يعود إلى المنهج القرآني، والمنهج النبوي، والتطبيقات العملية، التي قام بها علماء هذه الأمة ، وأثروا بها التجربة الإسلامية، في هذا الميدان .
وإن المطالع للكتب العلمية التربوية التراثية، يجدها: مستوعبة لكثير من النظريات الحديثة، المترجمة من الثقافة الغربية . ولكن كثيراً من التربويين العرب لم يطلعوا عليها، ولم يستفيدوا منها . واكتفوا بترجمة ما عرفوه من الغربيين ، وهم يظنون أنهم بذلك: أتوا بما لم تأت به الأوائل !!
وإن النجاح الأبرز- في ميدان طرق التدريس- يعتمد على المدرس ، الذي يحسن الاستفادة من كل الطرق التدريسية ، ويوظفها في الوقت المناسب ، والمكان المناسب ، والمستوى المناسب .
وبناءً على هذا فإن المدرس المتمرس: هو الذي لا يعتمد طريقة واحدة، دائماً في تدريسه ، وإنما يراعي في تدريسه: المستوى الذي يدرسه ، والبيئة التي يعمل فيها ، والوسائل التعليمية المتاحة ، وقبل كل ذلك- لابد أن تكون طرق التدريس- في خدمة الهدف الأساسي، من وراء العملية التعليمية .
إن طرق التدريس تختلف باختلاف الهدف :
-فحين يكون الهدف: تخريج جيل من الموظفين، يعملون في المكاتب: ربما كانت طريقة التلقين، والحفظ، هي الأسرع في الوصول، إلى هذا الهدف. وهو الذي يجري عليه العمل، في كثير من دول العالم الثالث .
- وحينما يكون الهدف: هو تخريج باحثين، ومبدعين، ستكون طريقة تنمية المدارك، بإشراك الطلبة، بالعملية التعليمية ، وطريقة التعلم الذاتي:
هي الأجدى، والأنفع، في هذه الحالة . وغالباً ما تُعنى الطرق الحديثة في الغرب، بهذا الجانب .
-وحينما يكون الهدف: هو إعادة صياغة الإنسان - كما هو الشأن في التربية الإسلامية - لتجعل منه خلقاً آخر – كما يريد له الإسلام أن يكون –: فإن المنهج القرآني، والنبوي: هو الذي تكفل بمثل هذه التربية ، وهو بذلك يستوعب كثيراً من الطرق، التي أكدت عليها: الدراسات التربوية، في القديم، والحديث, ويجعلها جزءاً من منهجه:
- فالتلقين، والحفظ: له مكان في هذا المنهج ، بحيث لا يهمَل نهائياً ، وإنما يستعمل في حفظ النصوص القرآنية، والحديثية ، والشعرية ، والتلقين لأداء النص القرآني بتجويده، وقراءاته: أمر لا مفر منه- كما أن طريقة الإنشاد في الشعر- أمر لا غنى عنه. وحفظ هذه النصوص: يساعد الطالب على تحسين نطقه، وتذوق الأساليب البلاغية، والنسج: على منوالها .
وكثيراً ما كانت تعتمد- التربية الإسلامية- هذا الأسلوب في: الفترات الأولى، من عمر الطالب ، حيث تكون ذاكرته: قوية، ومستعدة، لكل ما تسمع ، فتنطبع فيها النصوص: انطباعاً ثابتاً لا ينسى .
والمراحل التالية من عمر الطالب: يمكن أن توظف في الاستفادة، من هذه الذخيرة، التي تم حفظها، في فترة الصغر .
-والسؤال، والجواب:طريقة تعليمية، لها مكان، في المنهج القرآني، والنبوي:
-(يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول...) .
-يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) .
-ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً) .
-أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا دينار له ولا درهم .
قال : ولكن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام ...) .
-حديث جبريل مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم : قال أخبرني عن الإسلام؟ ... والإيمان؟ .... والإحسان؟ ..... ثم يقول النبي : أتدرون من السائل؟ ... ثم يقول : فإن جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) .
-واستخدام الوسائل التعليمية له مكان في هذا المنهج :
-( ... فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه .. قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ... ) .
-وإشراك الطالب في العملية التعليمية له مكان في هذا المنهج :
-(قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى . قال أو لم تؤمن . قال بلى ولكن ليطمئن قلبي . قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على جبل منهن جزءاً . ثم ادعهن يأتينك سعياً) .
-والصحبة العملية طريقة تعليمية لها مكان في هذا المنهج :
-( ... قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً . قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً . قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً .. ) .
-والمشاركة العملية في الصناعة: طريقة تعليمية لنقل التكنولوجيا، والتحرر من سلطان التبعية:
-(قالوا يا ذا القرنين هل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً . قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً . آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً ..)
وهذا غيض من فيض من التوجيهات القرآنية، والنبوية، في طرق التعلم ، ولا يتسع المجال، لأكثر من هذا . فهناك: أساليب كثيرة يشير إليها القرآن:
كأسلوب القصة ، وأسلوب المثل، وأسلوب الحوار ، وأسلوب الجدال، بالتي هي أحسن ... ) وأمثال ذلك كثير .
وبناءً على ما تقدم فإنني: لا ألتزم طريقة واحدة، في التدريس . وربما جمعت بين عدة طرق، في محاضرة واحدة . ومستوى الطلبة، ومدى تفاعلهم معي ، والمادة العلمية، التي أريد الحديث عنها . كل ذلك يفرض عليّ: مراعاة طريقة واحدة، أو طرقا متعددة .
- من الطرق التي أستخدمها :
-المحاضرة وفن التشويق :
وألجأ إلى أسلوب المحاضرة – في الغالب – حينما يكون الطلبة- خالية أذهانهم- وذلك في بدء الفصل الدراسي ، حيث يتم تعريفهم بالمساق، وتوصيفه، من خلال خطة تدريس المساق، التي توزع عليهم . وربما سألتهم- في بداية المحاضرة- عمن سبق له دراسة مثل هذا المساق، أو مساق قريب منه ، له ارتباط به . وذلك تشويقاً لمعرفة ما أريد أن أقوله في المحاضرة .
ثم أتحدث عن كل فقرة، من فقرات المحاضرة، على حدة ، وأنا أرقب انطباعاتهم على ما أقول . وإذا ما رأيت أحدهم: ساهياً عما أقول، أفجؤه بسؤال عما كنت أتحدث عنه، ليعود إلى متابعتي .
وحينما أرى التعب- قد بدا على بعضهم - أعمد إلى طرفة، أو نكتة، لها علاقة بما أقول ، فيعود الطلبة إلى نشاطهم ، وبعد أن أنهي الحديث عن كل فقرة: أتوجه بالسؤال إلى الطلبة : هل كل ما قلته كان واضحاً؟
فإذا أبدى بعضهم استفساراً أجبته عنه ، وإذا لم يبد أحدهم شيئاً، ربما توجهت إلى بعضهم، بالسؤال، عما شرحته، لأتأكد من أن ما قلته، قد وصل .
وهكذا أنتقل من فقرة، إلى فقرة، حتى إذا أشرفت المحاضرة على نهايتها: عرفتهم بالمراجع، التي يمكن لهم أن يعودوا إليها ، وكيف يتعاملون معها ، وربما كلفت بعضهم بواجبات محددة، من مراجع معينة ، على أن يأتوا بها في المحاضرة التالية .
-استخدام التقنية الحديثة :
استخدام التقنية الحديثة- في التدريس- وسيلة هامة من الوسائل، التي تساعد على إيصال المعلومات، إلى الذهن بطريقة سهلة مريحة ، وألجأ إليها غالباً في كتابة النصوص القرآنية، التي أريد شرحها، ليتمكن الطلبة من متابعتها، عن طريق الشفافيات ، أو عن طريق (البور بوينت)، والتي غالباً ما يكلف الطلبة بإعدادها، والمشاركة بعرضها ، وبخاصة حينما يكلفون بتحضير بعض المحاضرات عن طريقها مسبقاً ، غير أن هذه الطريقة تتأكد في بعض المساقات أكثر من بعض. بل ربما تتأكد ضمن المساق الواحد ، بين جزء منه، وجزء آخر .
ففي مساق إعجاز القرآن مثلاً- تتأكد أكثر- أثناء الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن ، حيث يمكن أن تعرض نماذج منه، على شاشة الجهاز، من خلال استعمال الفلوبي، أو السيدي . وبذلك تشترك الصورة، والكلمة، في إيصال المعلومات، إلى الطلبة .
-التعلم الذاتي :
تعتبر طريقة التعلم الذاتي: من الطرق المفيدة جداً، في عملية التعلم ، لأنها تجعل الطالب: يأخذ زمام المبادرة بيده ، حينما يشعر أن بإمكانه أن يزيد من علمه، ومعرفته، عن طريق جهده الخاص، من خلال التوجيهات، التي يستفيدها من مدرسه . وبذلك يعتمد على نفسه ، ولا يلجأ إلى المدرس، إلا حينما يواجه صعوبة لا يستطيع التغلب عليها.
وهكذا تصبح وظيفة المدرس: إعطاء المفاتيح للطلبة ، والدلالة على المراجع ، وطرق الاستفادة منها ، وبذلك تنمو مداركهم ، ويبدأون الارتقاء في سلم المعرفة، والعلم. ويشعرون بالثقة في أنفسهم، وقدراتهم .
إن هذه الطريقة: من الطرق الأساسية، التي أعتمد عليها، في التدريس .
-ربط القضايا العلمية بالواقع العملي :
-لكي تتم الاستفادة- من التعليم استفادة جادة-: لابد من محاولة الربط دائماً، بين المعلومات النظرية، التي يتلقاها الطالب، وبين الواقع العملي، الذي يعيشه ، ليرى أن هذا العلم الذي يتعلمه: لابد له من أن يوظفه، ويستفيد منه في عالم الواقع.
- ويمكن للمدرس أن يوجه الأسئلة: إلى الطلبة، عن فائدة العلوم، التي يتلقونها من الناحية العملية، ويطلب إليهم: أن يذكروا: نماذج، وأمثلة: لما يمكن أن يكون توظيفاً، للمعلومات النظرية.
-كما يمكن أن تطرح مفردات المساق- على أنها تشكل مشكلة قائمة- تحتاج إلى حل، وأن على الطلبة: أن يستشعروا أهميتها ، وأن يرجعوا في حلها، إلى المصادر التي يمكن أن تفيدهم في ذلك . ومن ثم: يدار حوار حولها في المحاضرات ، بحيث يشعر الطالب: أنه يخطو خطوة في حلها .
-كذلك يمكن أن يشير المدرس: إلى بعض الشبهات- التي تثار حول بعض القضايا، المتعلقة، بمفردات المساق - ويطلب إلى الطلبة: أن يشاركوا في بيان الطريقة، التي يرد بها على هذه الشبهات . وبذلك يتعلم الطالب: كيف يواجه مثل هذه المواقف- فيما لو عرضت له مستقبلاً- وبذلك يشعر أنه قادر على ربط مفردات المساق، بواقع الحياة .
-كذلك لابد للمدرس- من أن يلفت نظر الطلبة- إلى أن يوظفوا: ما تعلموه في الدراسات الإنسانية، والاجتماعية عموماً، في فهم القرآن، والدفاع عن مفهوماته، ومقرراته. وهكذا يشارك الطالب: في العملية التعليمية ، ويتقوى على التعلم الذاتي.
-ابتكار طرق التدريس :
طرق التدريس: ليست محصورة، في عدد معين . و قديماً قيل: لكل شيخ طريقة . وهذا الكلام له وجه صحيح ، ذلك أن الطرق التدريسية – على كثرتها – حينما ينزل بها المدرس إلى الساحة العملية: لا يستطيع أن يأخذها حرفياً ، بل لابد له من المواءمة بينها وبين واقع الطلبة، الذين يدرِّسهم . ومن هنا تلجئ الحاجةُ: المدرسَ إلى التصرف، والابتكار، ليستطيع أن يقدم ما عنده، على وجه مقبول .
وبناءً على هذا قد يلجأ المدرس أحياناً لضرب المثل، والتشبيه- ليقرب المادة العلمية، إلى مستوى الطلبة - ذلك أن التمثيل: يجعل البعيد قريباً ، ويوضح الصورة المطلوبة ، أو أنه يمكن أن يستشهد بقصة، توضح المسألة المعروضة ، أو غير ذلك من الطرق، والوسائل التي لا حصر لها .
واذكر مرة أن طالباً سألني : هل هذه الصلاة- التي نصليها- هي نفس الصلاة: التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قلت له : نعم .
قال : وهل تستطيع: أن تثبت لي ذلك بالدليل؟
قلت : نعم . قال : كيف؟
قلت له : في أي يوم نحن الآن؟ قال : في يوم السبت . قلت له : وهل تستطيع أن تثبت لي ذلك؟ قال : لو سألت كل الناس: لقالوا لك : يوم السبت .
قلت له : ولو سألت كل المسلمين، عن الصلاة: لقالوا لك: إن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يصلي كذلك . فأقر بصحة ذلك، وفرح به .
ولو أنني ذهبت أتحدث له عن التواتر- الذي يتحدث عنه العلماء، في ذلك- لما أمكن أن يستوعب ذلك . ومن هنا كان المثال المضروب: هو نوع من التواتر العملي، الذي توارثه الناس، خلال التاريخ .
-القراءات النصية والتعامل مع كتب التراث :
وهو أمر في غاية الأهمية- بالنسبة لطلبتنا – ذلك: أن طلبتنا يعانون من ضعف كبير، في اللغة العربية، وعلومها . ومن ثم يصعب عليهم: قراءة النصوص التراثية، وفهمها ، لأن ذخيرتهم من النصوص القرآنية، والحديثية، والشعرية، قليلة جداً . ومن ثم: فهم يقرؤون النصوص – في كثير من الأحيان – على غير وجهها ، ويفهمونها، على غير معناها . ويظهر لنا ذلك جلياً- حينما يحضرون المحاضرة على (البور بوينت)- حيث يصورون البحث كما هو . ويبدؤون بالقراءة ، فيلفظون الكلمات: على غير وجهها ، ويفهمونها- على غير دلالاتها - فنضطر إلى تصحيح ذلك، وبيانه .
وكثيراً ما يضيق صدر الطلبة، بهذا التصحيح، لأنه يظهر ضعفهم أمام بعضهم . ومن هنا كانت القراءات النصية- في العملية التعليمية- عملية مهمة، ولكن لا يمكن أن يطبق ذلك: في كل محاضرة ، وفي كل مساق .
وهناك بعض المساقات- فيها مجال أرحب لمثل هذه القراءات- كحلقة البحث ، والمساق التكاملي - الذي يعرف بالكتب، والمصادر - ويطلب إلى الطلبة: التعامل المباشر معها .- ومع ذلك: فما لا يدرك كله، لا يترك جله -.
وعلى المدرس: أن يسدد، ويقارب- حسب الطاقة، والإمكان-.ولا شك أن الاعتماد على التصوير، والإنترنت، والوسائل التعليمية الحديثة - على سرعتها وفائدتها – يمكن أن تترك أثراً سلبياً ، لأنها لا تتيح للطالب: فرصة التعامل المباشر، مع النص- قراءة، وكتابة - وقد ظهر ذلك جلياً- في مستوى الطلبة- بعد اعتمادهم الكلي، على هذه الوسائل .
تكليف الطلاب ببحوث تطبيقية :
لاشك أن البحوث التطبيقية: يمكن أن تفيد الطلبة حيث تتيح لهم: فرصة الرجوع إلى المصادر، والتعامل معها . وهذا أمر مقرر من الناحية النظرية، لا غبار عليه. ولكن حينما نعود إلى الواقع- الذي سبق الحديث عنه- من ضعف العربية، وعلومها، فإنه يشكل عقبة أمام الطلبة، لا يستطيعون أن يجدوا لها حلاً .
ومن ثم يلجأ كثير منهم إلى مكاتب الطباعة، التي يشترون منها البحوث جاهزة، ويقدمونها للأساتذة- على أنها بحوث من عملهم - أو ربما يلجؤون إلى الإنترنت، فيأخذونها جاهزة، مطبوعة . وربما لا يكلفون أنفسهم: قراءتها، وفهمها .
ولما وجدت أن الأمر بهذه الصورة ، وأن مثل هذا العمل: لا يفيد الطالب
- عموماً- ، آثرت أن أكلف أكثر الطلبة: بتلخيص بحوث محددة، في موضوع المساق ، ذلك أن تلخيصها: يدفعهم إلى قراءتها، وكتابتها . ومن خلال هذه القراءة، والكتابة: يمكن أن يحصلوا بعض الفوائد . وتتمة لهذا : نخصص محاضرة، أو أكثر- في نهاية الفصل الدراسي- لمناقشة هذه الملخصات ، ونتأكد من أن الطالب: هو الذي قام بها، ولم يكتبها له أحد، بالأجرة، أو التصدُّق .
وبناءً على هذه المناقشة، وطبيعة العمل- الذي قام به- نقرر له: درجة البحث. أما الطلبة الذين يسمح لهم مستواهم العلمي بكتابة بحث حقيقي – وهم قلة – فنعطيهم: فرصة لكتابة البحث ، ويخضع أيضاً للمناقشة، في نهاية الفصل: للتأكد من أنه هو صاحب البحث، وأن ما جاء فيه: مفهوم لديه .
طرق أخرى :
-من الطرق الأخرى- التي لا يمكن إغفالها-: اعتماد الموضوعية، في العرض، بحيث تتيح للطالب التعرف على الرأي، والرأي الآخر. الأمر الذي يوسع آفاق الطالب ويجعله قادراً على رؤية جوانب الحقيقة، من زوايا متعددة . كما أنه يتيح له فرصة المقارنة، والموازنة . وبذلك ينشأ في تفكيره وسلوكه، بعيداً عن التعصب الأعمى للرأي . وهو أمر ينبغي أن يؤكد دائماً -خلال العملية التعليمية- ليصبح سلوكاً يومياً ، وممارسات طبيعية.
والقرآن الكريم يحث على ذلك ويحض عليه:
"ولا تبخسوا الناس أشياءهم". "وزنوا بالقسطاس المستقيم" .
-من الطرق الأخرى- التي ينبغي مراعاتها في العملية التعليمية-: الربط بين الأصالة، والمعاصرة. بمعنى أن ما يدرسه الطالب من معلومات تتصل بالتراث، لابد أن يشعر الطالب بإمكانية تحقيقها في الحياة المعاصرة .
فعلى المدرس أن يؤكد هذه الحقيقة، في أذهان طلابه، من خلال ذكره لنماذج سابقة ، كيف يمكن تطبيق ذلك في العصر الحاضر ، لكي يستقر في ذهن الطالب: عدم استحالة- تطبيق المفهومات الإسلامية، التراثية في العصر الحاضر- ذلك أن الأمر مرتبط بقيم الإسلام الخالدة، التي يمكن تطبيقها، في كل زمان، ومكان .
-وغني عن البيان: أن طريقة المناقشات، الصفية- أثناء المحاضرة- هي من الطرق المتبعة ، والتي تضفي على العملية التعليمية: جواً، حيوياً تتلاقح فيه الأفكار ، وتنمو من خلاله مهارات الطلية ، في الحوار، والمناقشة ، مما يتيح لهم تنظيم أفكارهم ، واستخدام الأدلة، والحجج، الداعية، لما يرون أنه حق .
وبهذا تحقق هذه الطريقة فاعلية حقيقية في العملية التعليمية .
-كذلك- للزيارات الميدانية- مكان في العملية التعليمية: سواء أكانت هذه الزيارة للمكتبة، أو لمراكز علمية، وثقافية أخرى، حيث تتيح للطالب: الاطلاع على معلومات، من خلال الزيارة، لا يمكن أن يسد مسدها: المعلومات النظرية. علماً بأن هناك بعض المساقات: تحتاج إلى مثل هذه الزيارات، أكثر من غيرها. فمثلاً مساق "حلقة البحث"، أو ما يسمى :ـ "المساق التكاملي": هو أحوج المساقات إلى مثل هذه الزيارات ، وقد اعتمدنا هذه الطريقة في تدريس هذه المساقات- من خلال اعتبار المكتبة: هي الفصل الذي يدرس فيه هذا المساق - حيث تتم الممارسة العملية، في التعرف على الكتب، والمراجع ، وقراءة نصوص منها، وبيان كيفية فهمها، وتوظيفها .
كما أننا قمنا برحلات علمية- للطلاب المسجلين، في هذه المساقات-: إلى "مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث" للتعرف على مكتبته، والاطلاع على المخطوطات فيه، وبيان العناية التي تبذل لحفظها ، ومحاولة رؤية جانب هام، من جوانب التراث الحضاري، لهذه الأمة، المتمثل في هذه الكنوز، من المخطوطات التي تحتاج إلى عناية، ورعاية، وحسن تحقيق، وإخراج .
كذلك قمنا- برحلات علمية مع الطلبة- إلى المجمع الثقافي في أبوظبي. واطلع الطلبة على مكتبته، ومخطوطاته، والجهود المبذولة لخدمة التراث، من خلاله .
فمثل هذه الرحلات لا تنسى، وتترك انطباعاً حسناً: لدى الطلبة ، كذلك قمنا بزيارة لكلية الدراسات الإسلامية، والعربية في دبي ، حيث التقى طالباتنا بطالباتهم، وجرت بينهن: محاورات، ومحادثات ، وتبادل لوجهات النظر .
تنوع المساقات حسب طبيعة التخصص :
لما كان اختصاصي: هو "التفسير وعلوم القرآن": فقد تعددت المساقات التي درّستها بين "تفسير تحليلي"، و"تفسير موضوعي" ، و"إعجاز القرآن"، و"علوم القرآن"، و"مناهج المفسرين" و"تفسير آيات الأحكام"، و"أساليب القرآن" و"حلقة بحث" ، وفي بعض الأحيان: "الفكر الإسلامي"، و"فقه السيرة النبوية" .
و كل مساق من هذه المساقات: يختلف عن غيره، في طريقة تدريسه .
بل ربما يختلف تدريس المساق نفسه: بين الفينة، والفينة . وربما أمكن الجمع بين عدة طرق، في مساق و احد .
فمساق "فقه السيرة" مثلاً: يحتاج إلى عناية خاصة، بتعريف الأماكن، التي جرت فيها أحداث السيرة . بل لابد في تحديد هذه الأحداث، من استعمال الأطالس والخرائط، التي توضح الأماكن، التي جرت فيها الأحداث . وهكذا فلكل مساق خصوصية، في طريقة عرضه، وتدريسه.
من كل ما سبق يمكن لي القول: بأنني أجمع بين الطرق السابقة، ما أمكن. ذلك أنني أستشعر- في كل محاضرة أقوم بها- في أي مساق من المساقات:
أن هؤلاء الطلبة: أمانة في عنقي ، وأنني إذا قصرت إزاءهم، فالمسؤولية كبيرة: أمام الله . وهذا الاستشعار: هو الذي يحدد لي الطريقة التي أسلكها ، لأنني المعني بتحقيق الهدف التربوي، الذي يسعى إلى بناء الإنسان المسلم، وإعادة صياغته من جديد، ليستأنف نشاطه ومهمته الحضارية، في فهم رسالته، وحملها إلى الناس من جديد .
إن هذا الاستشعار ، وهذا الحماس في حمل هذه الرسالة : هو الذي يجعل الطلبة يصيخون أسماعهم: لما أقول . وأشعر- وأنا أتحدث معهم-: أنهم يفهمون ما أقول ، ويتجاوبون مع ما أطرحه عليهم . وبالتالي: فلم أشعر- في يوم من الأيام، أو في محاضرة من المحاضرات- بملل، أو سأم . كذلك: لم أر مللاً، أ و:سأماً على وجوه طلبتي . وفي غالب الأحيان: أنسى نفسي، وأنسى الوقت. والطلبة هم الذين يخبرونني بانتهاء وقت المحاضرة . وفي كثير من الأحيان: يفجأنا المدرس التالي، بطرق الباب. إشعاراً، بانتهاء الوقت .
إن هذا الأسلوب والطرق التي انتهجها: قد آتت أكلها ، وحققت الأهداف المرجوة منها . ومن ثم، فإن الطلبة: يفهمون تماماً: ما يسمعونه من المحاضرات ، وقلما يأتيني طالب في الساعات المكتبية، يستفسر عن قضية غمضت عليه، أثناء المحاضرة - باستثناء بعض الطلبة- الذين ربما غابوا عن المحاضرة، فيسألون عما غمض عليهم .
ثم إن القدوة الحسنة: عامل مهم في تحقيق الهدف، الذي أشرت إليه. ومن ثم فالمفترض في المدرس: أن يكون سلوكه منسجماً، مع ما يدعو إليه . فبذلك يكون اسوة حسنة لطلبته .
وسوم: العدد 825