فكن أنت محتالا لزلته عذرا
أدب وسياسة :
أحِبُّ الفَتى يَنْفِي الفَواحِشَ سَـمْعُهُ كَأَنَّ بِهِ عَنْ كُلِّ فاحِشَـةٍ وَقْرا
سَلِيْمَ دواعي الصَّدْرِ لا باسِطاً أذىً ولا مانِعاً خَيْراً ولا ناطِقاً هُجْرا
إِذا ما أَتَتْ مِنْ صاحِبٍ لكَ زلَّـةٌ فَكُنْ أَنْتَ مُحتالاً لِزَلَّتِهِ عُـذْرا
غِنَى النَّفْسِ ما يَكْفِيكَ عَنْ سَدِّ خَلَّةٍ فَإِنْ زادَ شيئاً عادَ ذاك الغِنى فقْرا
الشاعر : سالم بن وابصة الأسدي إسلامي تابعي كان أميرا على الرقة ..
الأبيات : من مختار أبي تمام في حماسته . وحُق لما اختاره أبو تمام أن يعلو كعبه في خزانة الشعر العربي ..
والأبيات كلها من الحكمة الجميلة الراقية في تربية الفتيان والفتيات . يقول الشاعر الحكيم أحب الفتى أو الفتيان. صما عن الخنا وعن سماع الباطل . صدورهم لا تحمل غلا ولا حقدا ولا كراهية . لا يمنعون الخير والبر . وكما يسدون آذانهم عن الفواحش يصونون ألسنتهم عن النطق بها " ولا قائلا هجرا" . ثم يقدم هذه المقدمة الطويلة للرتبة العالية الكريمة أحبه : كريما مكرما أديبا ظريفا عاقلا ماجدا حرا ويحدد الطريق إلى كل ذلك أن يتفنن الرجل في إيجاد العذر لصاحبه وأخيه وصديقه . لا أن يتمحل في إلصاق الذنب به ، ونسبة الخطأ والخطيئة إليه . ثم يزيدك الشاعر التابعي من خير القرون من الفضائل فضيلة في غنى النفس والزهد بما في أيدي الناس ...وازهد بما في أيدي الناس يحببك الناس . كل الناس تحب خذ وتكره هات ...
هذا حديث الأدب . وجميل أن نحفظ هذه الأبيات وأن نعرض حفظها على من يلينا .. أما حديث السياسة فهو في قوله :
إذا ما أتت من صاحب لك زلة .. فكن أنت محتالا لزلته عذرا
والمثالية العدمية التي ابتلينا بهافي هذا الجيل من الناس هي تقدير البعض أن الصديق لا يخطئ ، ولا ينبغي أن يخطئ ، ولا يجوز الخطأ منه لأنه صديق . وأنه متى أخطأ بحق نفسه أو بحق غيره الصديق انقلب عدوا !! . والزلة هنا هي الخطأ أو الخطيئة .هذا شطر المثالية العدمية التي ابتلينا بها فما عدنا نجد يدا تمسك بيد ، ولا منكبا يلتصق بمنكب . نقف في الصلاة في صف واحد وبين المسلم وأخيه في بعض الأمر بعد المشرقين في المشاعر والرغبات والمواقف والتطلعات ، فأي صف صفنا يا قوم؟! وإزاء المثالية العدمية المثالية الطرفية التي أرهقتنا وشتتنا هي أن جعلنا الرجم حدا لكل الآثام والخطايا والخطيئات صغيرها وكبيرها . وأن أحدنا يأبى أن يسأل أخاه الذي زل أو كاد أو ألم أو قارب : لعلك ..لعلك ..لعلك ..كما سأل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا رضي الله عنه ، وها أنا أترضى على ماعز والغامدية وعلى النعيمان من أصحاب رسول الله وإن رغمت أنوف . ..
وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة غاضبا : من قتل هذه ؟! والإشارة إلى امرأة مقتولة ؟ فقالوا خالد . فقال رسول الله : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد . و ظل خالد هو المجاهد الكبير . وظل السيف الذي سله الله على المشركين ماضيا ...
من زعم أن المجاهد لا يخطئ ، ولا يزل ، ولا يسيء التقدير هو الذي في عقله شيء . وهو من يتربص بعباد الله . وهو من يتتبع عورات الناس ، وهو من يتلمس زلاتهم ذلك الذي يفضحه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة .
كل بني آدم خطاء ، وتصحيح الخطأ وتقويمه والتنبيه عليه والتحذير منه مطلب . والاتكاء عليه للنيل من المجاهدين ، وإحباط عمل العاملين ، والدخول في فرق المخذلين والمثبطين والمشككين سبل نفاق وأخلاق منافقين ..
وإنه حين يشيع في فضاءاتنا هذا القذف الجارح لفصائل من أهل الإسلام ، تتقي الأمة بهم حين يحمى وطيسها ؛ لأنهم زلوا زلة هنا ، أو أساؤوا التقدير هناك ، فهذا عين السفه والمبالغة في الخروج عن الجادة ..
وإن الجرأة على دعاة الإسلام ، والتربص بهم ، والإكثار من اللجاجة في إلحاق الذم بهم بقليل من الحق وكثير من الباطل لهو شأن أهل الريبة والريب الذين إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ..
تأمل أكثر : فكنت أنت محتالا لزلته عذرا . عذر بالحيلة لأن الزلة عابرة والصديق باق .
وقبل أن تلقي برميل خطيئتك تذكر : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب .
اللهم انصر عبادك المجاهدين فوق كل أرض وتحت كل نجم ..
وسوم: العدد 827