معركتنا مع اليهود للأستاذ سيد قطب
معركتنا مع اليهود قديمة، قديمة جداً، منذ وُجد اليهود، لأن المعركة كانت وستبقى بين الحق والباطل، بين الإسلام وباطلهم، بين إسلام إبراهيم ويعقوب، وضلالهم الذي تمثّل في إجرام إخوة يوسف، بحق أبيهم يعقوب، وأخيهم الفتى الجميل الوديع البريء يوسف، وقد لقي منهم أبوهم وأخوهم منهم الألاقي، كما لقي أنبياؤهم وصالحوهم منهم أشدَّ من ذلك، حتى القتل، وقد فسدوا وأفسدوا في الأرض على الزمان، وكل الشعوب التي تسللوا إلى مجتمعاتها، وفي كل العصور، شكوا من اليهود شكاوى مريرة، من غدرهم، وقذارتهم، وانحطاط أخلاقهم، وانعدام القيم الروحية والإنسانية في سلوكهم، ومع من أحسنوا إليهم، ولهذا طاردهم القُسس والرهبان في القدس، وتمنَّوا على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –وهم يُسلِّمونه مفاتيح بيت المقدس – أن يبعد اليهود عن بيت المقدس الطاهر المطهر، خشية عليه من فسادهم وإفسادهم.
ومنذ البعثة النبوية، ناصب اليهودُ نبيَّ الإسلام العداء، كفروا به وبما أُرسل، وزعموا أن دين المشركين (عبادة الأصنام) خيرٌ من الإسلام الذي جاء به محمد، وحرّضوا المشركين عليه.
وبعد الهجرة، اشتدَّ عداؤهم للرسول النبي القائد، ونقضوا العهد الذي عاهدهم في صحيفة المدينة، وكانوا يسخرون من الإسلام والمسلمين ونبيهم (صلى الله عليه وسلم) ويحرّضون المنافقين على المسلمين ويحضّونهم على الابتعاد من النبي الكريم وأصحابه، ويعدونهم أن يكونوا معهم على المسلمين في أي لقاء أو حرب تكون بينهم، ويُمنُّونهم الأماني.
غدروا بالمسلمين، وانحازوا إلى المشركين في أُحد والأحزاب وخيبر وسواها .
حاولوا اغتيال النبي العفيف المسالم في ديارهم، بإلقاء صخرة عليه، وهو جالس عندهم ومعهم مرَّةً، وفي دسّ السُّمّ في الطعام الذي قدّموه إليه في بيت من بيوتهم مرة أخرى.
وامتدَّ عدوانهم على الخلفاء الراشدين، فكان اليهودي عبد الله بن سبأ (ابن السوداء) على رأس المُحرِّضين على قتل الخليفة الراشد ذي النورين، عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، وعلى تأجيج نيران الفتنة بين أمير المؤمنين علي من جهة – وقد انحاز ابن السوداء وأتباعه إليه – وبين أم المؤمنين عائشة الطاهرة المطهرة، والصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان من جهة أخرى، وكان الفريقان المتقاتلان، كلما توصلا إلى اتفاق تضع فيه الحرب أوزارها بينهما، دسُّوا من يفتعل حادثة مشبوهة تثير بينهما الفتنة وتجدّد القتال، وقد باؤوا بقسط عظيم من أسباب تلك الفتنة العمياء.
ثم كانوا هم وراء حركة التشيع التي كانت سياسية، فجعلوا من التشيع ديناً يزداد في كل يوم بُعداً عن الإسلام وعقائده وأخلاقه وقيمه، وحرباً على المسلمين، وعوناً لأعداء العروبة والإسلام، وعبر الزمان، وما زال التعاون السرّي والعلني بين الصهاينة من اليهود، والصليبيين من جهة، وبين الشيعة الصفويين من جهة أخرى، قائماً على قدم وساق.
سخائم الكفر والحقد والغدر والعدوان تملأ قلوبهم السود على العروبة والإسلام، فكانوا مع أيّ عدوّ وعدوان على العروبة والإسلام، ولم يكونوا أوفياء لمن أحسنوا إليهم عبر العصور، بل كانوا غادرين، حتى اليهود الذين هربوا من محاكم التفتيش في إسبانيا، بعد سقوط الأندلس في أيدي الصليبيين ، ولجؤوا إلى الدولة العثمانية التي آوتهم وأحسنت إليهم، وأطعمتهم من جوع، وآمنتهم من خوف، ما لبث أولئك الآبقون أن غدروا بها وتآمروا على سلطانها، وكانوا مع الغرب الحاقد على الإسلام والمسلمين، وما زالوا كذلك، حتى مزّقوها شرَّ ممزق، انتقاماً من سلطانها العظيم عبد الحميد الثاني الذي رفض الرشوة الكبيرة، التي عرضوها عليه، لخزانته الشخصية، ولخزانة الدولة العثمانية التي أنهكتها الديون.. رفض الرشوة، وقال للوفد الراشي الذي طلب من السلطان أن يسمح لليهود بشراء بعض العقارات في فلسطين قال لهم:
"أنا لا أستطيع أن أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة، لأنها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي، وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض، وروّوها بدمائهم، فليحتفظ اليهود بملايينهم"(1).
ودفع السلطان ضريبة هذا الموقف الإيماني الشجاع، المستعلي على ذهب اليهود ووعودهم الخسيسة وكانت الضريبة أو ثمن هذا الموقف، خلعه عن عرشه. والذين خلعوه، هم يهود الدونمة أنفسهم الذين لجؤوا إلى الدولة العثمانية، وتظاهروا بالإسلام، ثم عملوا على إنهاك الدولة وتفكيكها، متآمرين مع أعدائها الإنكليز والروس والفرنسيين وسواهم.
واستمر اليهود في مؤامراتهم حتى تمكنوا من فلسطين، بتعاون مع الشرق الشيوعي، والغرب الرأسمالي، وكلاهما عدوٌ لدود للعروبة والإسلام.
وما زال مكرهم بالأمة عظيماً، وما زال كيدهم للعروبة والإسلام على حِدَّته وشدّته، في مصر أسقطوا عبر انقلاب يوليو 1952م كل ما تعتز به مصر العربية المسلمة من قيم الحرية والعدالة والإيمان والشرف والكرامة، فقد تآمروا مع السفاح الذي أعانوه على سرقتها، ومعهم نفر من العملاء المدنيين والعسكريين الذين صنعوهم على أعينهم، وربّوهم في حظائرهم، وكانوا أعدى أعداء الشعب، وخاصة رجالاته المجاهدين الأبرار الأطهار، كصاحب هذا الكتاب، وإخوانه الذين سبقوه في ميادين الشرف والجهاد: محمد فرغلي، وعبد القادر عودة، ويوسف طلعت، ومحمود عبد اللطيف، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير وآلاف مؤلفة من المجاهدين الميامين في سائر الميادين، أولئك الذين غدر بهم السفاح الخاسر لأنهم خاضوا الحرب في فلسطين، وأوقعوا باليهود، كما قاتلوا في القناة وغيرها من أجل تحرير مصر من الاستعمار البريطاني الخبيث.
غدر الانقلابي السفاح بمن أعانوه على انقلاب 23 يوليو، وما بالى – كشأن اليهود، وهو منهم أو من تربيتهم – بالعهود التي قطعها لأولئك، ولسيد الذي كان بمثابة الأستاذ والمرشد له وللضباط (الأحرار) المشاركين في الانقلاب، بل ضحّى بهم، ثم بالأستاذ المعلم الثائر سيد قطب وإخوانه محمد هواش وعبد الفتاح إسماعيل، مستعيناً في هذا بالإنكليز، وبنفوذ اليهود في أمريكا وروسيا الشيوعية، وبالصفويين الذين تزوج السفاح بنتاً من بناتهم، هي تحية كاظم (أم خالد ما غيرها) وكان مهرها لنجاح انقلاب 23 يوليو، التمكين له في مصر، وزعامة العرب، عبر الآلة الإعلامية القذرة التي رفعته في عيون الصغار ومعهم من كانوا يحسبونهم كباراً من السياسيين والإعلاميين والاقتصاديين و(العلماء) والكتّاب..
تذكروهم يا سادة.. إنهم الصادات الثلاثة: الصليبيون، والصهاينة، والصفويون.. كانوا جميعاً على الخط، مشاركين من وراء جُدُر، كما يقاتل اليهود.
ثم كان العدوان الثلاثي على مصر، وحرب الساعات الست في الخامس من حزيران 1967م، وحرب السادات التحريكية ومعاهدة كامب ديفيد، وما تلاها من أحداث كانت أصابع الصادات الثلاثة واضحة فيها.
قاد البوشان(2) حرباً صليبية في العراق، وبوش وبان كيمون وبوتين وأوباما وسواهم قلقون على الأقليات في سورية والعراق، وبوتين لا يوافق أن يحكم سورية السوريون المسلمون السنة، خوفاً على الأقليات أن يصيروا في خبر كان، أو يطيروا مع بنات نعش.. ولهذا شنّ بوتين روسيا الصليبية حرباً مقدسة صليبية على سورية فاحتلها, وفتك بنسائها وأطفالها ورجالها وثوارها ومدنييها... فتك بحضارتها كلها.. بالتعاون مع إسرائيل وأمريكا, والغرب وإيران والميليشيات الطائفيية, وكل ذلك من أجل أصحاب العيون الزرق في جبال النصيرية.. ولا عجب، فهم (بوتين وشركاه) من أصحاب القلوب الرقيقة، يخافون على (العلويين) الذين كانوا – قبل أن يأتي الصفوي الأب والصفوي الابن – يعيشون مع سائر مكوّنات الشعب السوري، دون أن يمَسُّوا بأذى، وكانت دوائر الدولة السورية كلها مفتوحة لهم ولغيرهم، قبل أن يخلق الجدّ الخمسون لبوتين وأوباما وملالي إيران..
ورحم الله الأستاذ المفكر الكبير محبُّ الدين الخطيب الذي كان يحذّرنا من اليهود والمجوس، ويقول:
فتّشوا عمن كان وراء الكوارث المادية والثقافية والبشرية التي نزلت بالعرب والمسلمين، عبر التاريخ, فسوف ترون اليهود، أو المجوس (الفرس) أو كليهما، وراءها.
وقبل الأستاذ محبّ الدين قال الله في كتابه العزيز: (لتجدنَّ أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) (المائدة: 82)، وهل المشركون هنا غير الصفويين الذين جاؤوا بأرباب غير ربنا، وبقرآن لا علاقة له بقرآننا، وشّككوا بقرآننا، وكذبوا القرآن الذي برّأ أمنا عائشة، وكَفَّروا الصحابة الكرام، وعلى رأسهم الشيخان الجليلان: خليفة رسول الله أبو بكر الصديق قائد هذه الأمة، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أعدل مَنْ حَكمَ، وكان عمر شهيداً بأيديهم المجرمة، على يد المجرم أبي لؤلؤة المجوسي الذي يحج الصفويون إلى مزاره في إيران... وقتلوا الخليفة الراشديّ الثالث عثمان بن عفان، ولم يكونوا بعيدين عن قتل الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب وأولاده الحسن والحسين وحَفَدته، رضي الله عنهم وأرضاهم.
حذرنا الله ورسوله والسائرون على هُداه، من اليهود، كما حذَّرنا سيد قطب صاحب هذا الكتاب الرائع.
وقد كنت – أيها السيد القطب – ضحية كبيرة من ضحايا اليهود والذين أشركوا، أولئك الذين عرفوك حقَّ المعرفة.. عرفوك مجاهداً تصول في شتى الميادين الفكرية والأدبية والعقدية والثقافية والسياسية. وفطنوا إلى عمق ما تدعو إليه من ثورة على دول الاستكبار العالمي، وعلى ربيبتهم (إسرائيل).
سمعوك وقرؤوك، وأحسّوا أنك فاضحهم، وفاضح مخططاتهم الخبيثة في شراء الإناث والذكور، أعني الذكور وليس الرجال الرجال، ممن يتسمّون بأسماء المسلمين، وليسوا من الإسلام في شيء.. اشترتهم اللوبيات الصهيونية، والدوائر الاستعمارية، ومنها دوائر الاستشراق، وشركات الإعلام، و(علماء) الشياطين، ومن إليهم، ليسوّقوا أفكارهم، ويردّوا عليك وعلى أفكارك التي لا تصبّ في مستنقعاتهم الفكرية، والدعوية، والتاريخية، والسياسية.
لم تعجبهم أفكارك التي تفضح مخططاتهم وأحابيلهم.. إنهم يزعمون أنّ حربهم معنا سياسية، أو اقتصادية مثلاً. وأنت تصرّ على أنها حرب عقدية، ولهذا لن يسمحوا بقيام دولة إسلامية مهما كان حجمها، مهما كانت صغيرة، ولو في جزيرة منعزلة عن العالم.
وقد رأيناهم يفعلونها بعد سايكس – بيكو، وحتى اليوم.. فقد أجهضوا قيامها في الجزائر على أيدي الجنرالات الذين ربتهم فرنسا، وأحبطوها في تونس، وفي مصر على أيدي صنائعهم في الدوائر (السيادية) – السيادية قال – والآن يفعلونها في سورية الحضارة.. فقد سلطوا عليها الأوباش القادمين من إيران الصفوية، وذيولها في العراق ولبنان واليمن وأفغانستان وباكستان، باسم الطائفية التي يدافع عنها بوتين.. لم يبق من يدافع عن الإنسان، والإنسان آخر ما يخطر ببال بوتين وأعوانه، وإلا.. ما اشمأزَّ الناسُ من أسراب المومسات الروسيات يملأن الآفاق، من دبي إلى روما، وما شهدنا إلا بما رأينا.. رأيناهن يملأن شوارع روما، يشعلن النيران في الليالي الشديدة البرودة، وهنّ عاريات تماماً، ورأيناهنّ في شوارع دبي وفنادقها وفي أوكار الدعارة فيها، وحدثنا الناس عنهن في سائر الدول الأوروبية الأخرى.. وقد شكت راقصات مصر من مزاحمتهن في الكباريهات والأوكار وبيوت الدعارة، ومن رخصهنّ.
جمعني غداء في بيت الأستاذ عدنان سعد الدين – رحمه الله - في بغداد عام 1986م بكل من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (أبي عمار) والأستاذ محمود عباس (أبي مازن) على غداء، وكان الأستاذ عباس قادماً من موسكو، كان يرأس لجنة الصداقة الفلسطينية السوفياتية.. سألته:
- ألا يعرف الروس أن حافظ أسد صنيعة أمريكية؟
فأجاب:
- سألتهم هذا السؤال، وأجابوا أنهم يعرفون هذا، ولكنهم مضطرون للتعامل معه، من أجل موطئ قدم لهم في الشرق الأوسط، بعد أن طرد السادات خبراءهم.. ثم مكَّن لهم عضروط الجبل الذي حدثني عنه أحد أعضاء القيادة القومية لحزب البعث في دمشق، قال:
يا ما جلس هذا الحاقد الأهبل بشار وهو صبي على هذا الفخذ، (وضرب بكفه على فخذه)، وقال متابعاً:
- ما رأيت ولداً صغيراً أهبل، يحمل في قلبه هذا الكمّ الهائل من الحقد، وفي رأسه الصغير من الهبل والغباء..
هذا الغبي هو الأهبل الحقود، وأبوه من قبل، مكّنا لليهود، وسلّم حافظ الجولان لليهود، وقد سمعت ممن سمع الرئيس الفرنسي الأسبق ديغول يقول لضيفه رئيس وزراء سورية آنئذ الدكتور يوسف زعين:
- أنتم بعتم الجولان لإسرائيل، ونحن – الفرنسيين – كنا الوسطاء.
وأقول: وها هو ذلك (الرئيس) الأبله الحاقد، يبيع سورية كلها لإيران، ويمكّن للروس في طرطوس والساحل السوري، بل من كل سوريا، يقتل الأطفال والنساء والمدنيين وفي تنسيقٍ معلن بين بوتين الأخرق وإسرائيل، ويجري بوتين المناورات في بحر اللاذقية – كما يقولون عندنا – ويشارك خبراؤه وعسكريوه في قتال الشعب السوري الحر، ولم يأخذ الدرس من أفغانستان، ولكنه سوف يرى ويسمع عن التخمة التي ستصيب جوارح الطير، والضباع والذئاب والثعالب وحتى الكلاب، من جثث المقاتلين الروس، وميليشيات الحرس الثوري الإيراني، والمرتزقة الذين يؤتى بهم من البلدان التي لا احترام للإنسان فيها.. وأمريكا و(العالم الحر) الذين شنوا حملة عسكرية ضخمة على العراق في تسعينيات القرن الماضي، أما سورية الحضارة وشعبها الحر الأصيل في عروبته وإسلامه وقيمه الإنسانية، فلم تر أمريكا وشركاؤها ما نزل وينزل بها من اجتياح واحتلال وظلم وتقتيل وتدمير وتهجير للملايين، كل ذلك لأن مظاهرات عارمة قام بها الشعب السوري، منادياً بالحرية والديمقراطية، وهم دعاة الديمقراطية ورعاتها كما يزعمون، يرونها تداس ببساطير الغزاة ولا يحركون ساكناً.. لماذا؟ إكراماً لإسرائيل، ومصالح إسرائيل، وأمن إسرائيل..
ولذلك قتلوك يا سيدي إكراماً لإسرائيل ومصالح إسرائيل وأمن إسرائيل.
ولهذا وسواه تستمر المعركة بين الإسلام واليهود، والإسلام والرأسمالية، كما هي بين الإسلام وفلول الشيوعية التي هَوَتْ وسوف تزداد هويّاً في عهد بوتين البئيس التعيس، كما أن شباب روسيا (الشيوعية الرأسمالية) سوف يقبرون بمقابر جماعية واسعة على أيدي السوريين الأحرار... وإن غداً لناظره قريب.
***
(1) الدولة العثمانية: عوامل النهوض والسقوط – د. علي محمد الصلابي: 481.
(2) جورج بوش وابنه جورج دبليو بوش
وسوم: العدد 828