موقف عمومي...!!

يحكى عن العالم الجليل "العز بن عبد السلام" أنه استمع لخطيب الجمعة في القاهرة وهو يتحدث عن الربا، فيما التتار على تخوم مصر، فلما انتهى قال له: لقد ظلمت دينك.

صحيح أن الربا حرّمه الله، والواجب الحض على الإبتعاد عنه، لكن هنالك أولويات في ذلك الوقت تقدمت عليه، وهي شحذ العزائم والحض على الجهاد، فالأمة بعمومها في خطر داهم، وإشغالهم بغير الإستعداد لذلك الهم الغالب، هو ظلم للدين لأنه توجيه لأنظار الأمة الى غير ما هو واجب، وإشغالها بمسائل فقهية عن الجهاد الذي بات فرض عين.

في تلك الأيام كانت خطبة الجمعة هي الخطاب الإعلامي الأساس، أم الآن فوسائل الإعلام كثيرة متنوعة، لذلك فتنطبق عليها مقولة العز بن عبد السلام.

مع تطور وسائل الإعلام والتواصل والتراسل أصبح الإعلام أخطر الأسلحة، ويمكنه البناء إن كان صادقا وذا رسالة هادفة لإحقاق الحقوق وإبطال الباطل، كما يمكنه الهدم إن كان بيد الأشرار والطامعين، لذلك تأسست المحطات الفضائية بدعم وتمويل، وبات من السذاجة توقع المصداقية والحيادية، فلكل قناة داعم مستفيد.

على المستوى العربي ظهرت محطة الجزيرة، وصعدت لتتبوأ القمة بين كافة المحطات العربية، ثم انتقلت الى العالمية لتصبح منافسة قوية لألمع المحطات الدولية.

كان سبب نجاحها تحررها ولأول مرة من عقدة الدعاية الفجة للزعيم، التي هي الطابع العام لكل وسائل الإعلام العربية، فلا يمكن أن يحس المشاهد لها بأنه تابعة لدولة أو لخط سياسي، رغم أن الجميع يعلم أنها قَطرية، إنما انتهجت منهجا ذكيا وهو متابعة هموم ومشكلات عامة الناس في أي قطر عربي، وسلطت الأضواء على مناطق تعرضت لعدوان القوى الكبرى فيما تواطأ الإعلام الغربي على التعتيم عليها، وأبرزت نضالات المقاومة الإسلامية في غزة، في الوقت الذي ساد فيه صمت مريب تفوح منه رائحة العمالة على صعيد الإعلام الرسمي العربي. 

هذا ما جعل التعلق الشعبي بها عارماً ومتابعتها على أوسع نطاق في كل أرجاء الأمة، وهذا هو أيضا ما جرّ عليها حربا شعواء من الأنظمة الديكتاتورية، لأنها كانت تنقل الواقع الذي ينقض ما تشيعه أبواق السلطة، فتمت حملة إعتقالات قام بها نظام السيسي ضد طاقم مراسليها، وأحكاما بحقهم غير مسبوقة بحق صحفيين، مع صمت مريب من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية التي تتشدق بحماية الصحافيين وحرية نقل المعلومة، ولم يحدث ذلك الهيجان الذي كان يصيب الغرب عندما كان يعتقل صحفي معارض في روسيا أو الصين.

بعد زيارة ترامب للسعودية ومطالبته لزعماء الدول الإسلامية بالعمل على (تعديل) الإسلام وفق مواصفات الغرب، تم تشكيل التحالف الرباعي من مصر السيسي وبعض دول الخليج لتنفيذ ذلك، والذي لا يوجد معارض له بين أنظمة سايكس – بيكو العربية، الجهة الوحيدة الباقية المتمسكة بالإسلام هي حماس، ورغم أنها محاصرة بتعاون وثيق من هذه الأنظمة مع العدو الصهيوني، إلا أنها مقلقة لهم لأنها تحظى بتعاطف شعبي كاسح لم تفلح في إضعافه.

لذا كان لابد لنجاح هذا المشروع (العلقمي) من القيام بثلاثة إجراءات ممهدة، وهي أولا: التخلص أولا ممن يمكن أن يفضحه ويؤلب عليه، فلا بد من إسكات هذا الصوت الجريء الوحيد عربيا، فجرى إلغاء ترددات بث (الجزيرة) على القمر العربي، وتم الإيعاز لكل الدول للتضييق على مراسلي هذه المحطة أو طردهم، ثم محاصرة قطر لإرغامها على إغلاق القناة.

والإجراء الثاني محاصرة واعتقال الذين يطالبون بتبني الإسلام كمنهج، واعلانهم كإرهابيين يجوز قتلهم بلا محاكمة.

والثالث الضغط على كل من يدعم حماس وغيرها من الإسلاميين، أو ممن يتبرعون لهم او يتعاطفون معهم، ولما كان الداعمين الوحيدين حاليا لحماس هما قطر وتركيا، فقد تم مناصبتهما العداء وتدبير  محاولات التخلص من قيادتيهما.

بالطبع لن تكون نتيجة كل ذلك سوى الفشل الذريع، إذ أن كل الأنظمة التي ارتضت لنفسها أن تكون حليفة للغرب في حربه الصليبية الأخيرة (الحرب على الإرهاب)، وفشلت في قطع دابر الإسلام، تقامر بمصيرها، فالشعوب لا تنسى وإن سكتت، والأمة لا تغفر وإن ضعفت، والله من ورائهم محيط

وسوم: العدد 830