كيلو ومرسي وأردوغان وباسيل وأشياء أخرى...

كما أنه ليس هناك حكر على مراجعة  الأفكار والسياسات والماضي بشكل عام، فكذلك من المفترض ألاّ يكون هناك حكر ومصادرة لآراء الآخرين، وألا يكون هناك أيضاً وصاية، أوتلوين العالم كله بلون أحدهم، وهو العالم الذي يتسع للجميع، مناسبة الحديث هو مقال الأستاذ ميشيل كيلو الأخير بحق الرئيس الشهيد محمد مرسي، والذي ذهب أبعد من قصة النقد، فكان الهمز واللمز ممن انتخبه، والإشادة بشكل مباشر وغير مباشر بمرشح الدولة العميقة والاستبداد العسكري أحمد شفيق، فضلاً عن تكرار مصطلحات وتعريفات ظننا أنها من ماضي الاستبداد الطائفي في سوريا وماضي الاستبداد العسكري في العالم العربي كتديين السياسة وتسييس الدين، مصطلحات دفعت الشعوب العربية ثمناً باهظاً على مدى عقد تمثل بأكثر من مليون شهيد ومثلهم جرحى وأضعافهم مشردون، ولا يزال البعض يدير نفايات فكرية استبدادية كبّلت العالم العربي لعقود..

يصمت أحدهم صمت القبور على ما يجري لأكثر من مليوني لاجئ سوري في لبنان حيث جبران باسيل الذي تحوّل بقدرة قادر إلى وزير للداخلية وقائد للشرطة ووزير للعدل بحق لاجئين سوريين فروا بدينهم وحريتهم وصوتوا بأرجلهم يوم غادروا سوريا باكين ضد عصابة طائفية مجرمة، فكان كل هم العنصري النازي وحكومته إعادتهم إلى مسالخ الطائفيين.

مشكلتنا للأسف لم تعد مع الأقلية المستبدة المجرمة وإنما المشكلة مع الأقلية النخبوية المستبدة الذي بدا مع الوقت أنها تفضل الاستبداد على أي خيار للشعوب لا يناسبها ولا يوافق هواها

كان من حق الثورة السورية والسوريين وليس من حق المنتخبين لمرسي والديمقراطية والربيع العربي بشكل عام الإشادة به والترحم عليه، لا النيل منه وهو الذي وقف إلى جانب الثورة السورية، وهو الزعيم الأوحد الذي غطى كتفيه بعلم الثورة السورية وهو يتبختر بين مؤيديه ومناصريه أمام عدسات التلفزة العالمية، حتى ذهب الكثيرون إلى أن الثورة السورية أحد الأسباب التي أطاحت به..

لم تعد تهم ميشيل كيلو ولا أمثاله كل هذه الجرائم الرهيبة، فعلى أجندته أهم من ذلك كله إنه مرسي والإخوان وأردوغان، فكل ما يهمه اليوم مهاجمة رئيس منتخب ومعه أكثر من ثلاثين مليون مصري صوتوا له، ليتخذ من الموت فرصة للنيل من حزب منتخب ورئيس منتخب وملايين انتخبته، بينما لا يهمه ما يجري على أيدي الوزير العنصري جبران باسيل..

تناقضات ميشيل كيلو لا تنتهي ومن يتابع صوتياته على غرف التواصل الاجتماعي يراها جلية فمن مدحه لجبهة النصرة ثم مهاجمتها، إلى حديثه الشهير عن أن حلب لن تسقط، وسقوطها يعني سقوط أردوغان، ثم سقطت، وحين رُوجع بالأمس عن مقولته تلك التي كذبتها الأيام، لكم أن تتخيلوا رده، فقد قال لقد سقطت لأن أردوغان باعها وقبض الثمن، فهل ثمة محلل أو خبير من يقول هذا؟! فكيف لنا أن نعرف، وهل التحليل السياسي رجم بالغيب وقراءة بالكف، أم حقائق ملموسة على الأرض، يذكرني هنا تماماً بما قاله جحا أو الملا نصر الدين كما يطلقون عليه إخواننا الأتراك حين سئل أين منتصف العالم فرد على السائل بقوله هنا وإذا لم تصدق فاذهب وقس وسترى صدق ما أقول..

مشكلتنا للأسف لم تعد مع الأقلية المستبدة المجرمة وإنما المشكلة مع الأقلية النخبوية المستبدة الذي بدا مع الوقت أنها تفضل الاستبداد على أي خيار للشعوب لا يناسبها ولا يوافق هواها، ولذا فقد بدأت تعرض فكرة مواد ما فوق الدستور، وتجرأ آخرون على مهاجمة كل من صوت لمرسي ولم يصوت لشفيق، وكلنا يعلم من هو شفيق وأين رحل ساعة الصفر يوم هزم في الانتخابات، فقد يمم وجهه شطر عاصمة الثورات المضادة دبي، ومع هذا يشيد صاحبنا به وينال من أول رئيس مصري منتخب..

كيلو وأمثاله بمقالاتهم لا يهاجمون الإخوان وإنما يهاجمون خيارات الشعوب، وحين يهاجمون مرسي فإنما يهاجمون كل من دعمه حتى  من الدول الداعمة والمؤيدة للثورات العربية وربيعها، التي اختارت ما اختارته الشعوب وعلى رأسهم تركيا وقطر، ويظهر ذلك بوضوح من خلال نفث الأحقاد والسموم على أردوغان وغيره، بينما الصمت هو عنوان مرحلتهم وهي مرحلة واحدة بالنسبة لهم، ألا ترون لخرسهم تماماً تجاه ما يجري للاجئين السوريين في لبنان على أيدي باسيل ومن قبله حديث البطريرك اللبناني من أن بشار حافظ الأسد حامي حمى الأقليات.

وهنا الرجاء عدم التعليق على كلام البطريرك بأنه كان يسيس الدين أو يدين السياسة، فالمسألة هي تديين الجرائم والكيماوي والبراميل المتفجرة وليس تسيييس التدين الاحتلالي والمليشيات الطائفية التي استُجلبت من كل أصقاع الأرض لذبح السوريين المناهضين للاستبداد، وقبل اختتام المدونة لا بد من تحية  لمواقف الأستاذين سمير جعجع بصفته المسيحية والأستاذ وليد جنبلاط بصفته الدرزية لمواقفهم الثابتة والمشرفة تجاه الثورة السورية وضد الاستبداد الطائفي، ففي سوريا اليوم معسكران لا غير معسكر مع الثورة وداعميها ومسانديها، ومعسكر آخر..


صانع أفلام و صحافي في شبكة الجزيرة 

وسوم: العدد 832