الجواهري بين عظمة الشعر ومدح الطاغية

د.جعفر خليف

محمد مهدي الجواهري شاعر عظيم استحق عن جدارة لقب "شاعر العرب الأكبر" ، عاش آخر حياته في دمشق ومدح طاغية الشام حافظ أسد بما لم يحلم به أي زعيم في العصر الحديث ،وكتب فيه قصيدته الفريدة (دمشق جبهة المجد) وهي قصيدة بهيّة لا يملّ المرء مطالعتها واكتشاف كنوزها، وفيها بيتان عجيبان ما زلت أجد فيهما الدهشة ذاتها التي أصابتني يوم قرأتهما أول مرة وكثيراً ما أرددهما مقارناً بين عظمة المدح وقذارة الممدوح:

يا حافظ العهدِ ، يا طلّاعَ ألويةٍ *** تناهبت حلباتِ العزِّ مُستَبَقا

لك القوافي وما وشّت مطارفُها *** تُهدى وما استنّ مُهديها وما اعتَلَقا

هذان بيتان يجدر أن يخاطَبَ بهما القادة الأبطال والفاتحون العظماء ، ولا أدري أي "ألويةٍ" حملها حافظ أسد عبر تاريخه الدموي غير ألوية الغدر والخيانة وأي "حلباتٍ" وقف فيها هذا المجرم غير حلبات العار والهزيمة.

وكذلك مدحه الجواهري في قصيدته الشهيرة التي كتبها رداً على محاولة الاغتيال التي تعرض لها الأسد المجرم :

سلاماً أيّها الأسدُ *** سلمتَ ويسلم البلدُ

وتسلمُ أمّةٌ فخرت *** بأنكَ فخرُ من تلدُ

بل هو شر من ولدت أمّة المجرمين وجماعة المارقين

وقد لحّن هذه القصيدة موسيقار سوري فكان التلاميذ في المدارس يحفَّظون هذه القصيدة ويغنونها بتوجيهات عليا من أجهزة الإعلام والتعليم في سوريا ، وهكذا أصبح أبناء ضحايا الأسد يجبرون على ترديد القصيدة التي تمجّد قاتل آبائهم.

هكذا أنهى حياته في كنف طاغية من الطغاة "شاعرُ العرب الأكبر" الذي قال يوماً:

"باقٍ وأعمار الطغاةِ قصارُ"