جميل السلحوت يحاضر في اليوم السابع عن التراث

clip_image002_369bc.jpg

ديمة جمعة السمان: ألقى الأديب المقدسي جميل السلحوت محاضرة في ندوة اليوم السّابع، فيالمسرح الوطني الفلسطيني في القدس تحت عنوان" مفهوم التّراث ودوره في بلورة الهويّة الوطنيّة"، بعدها فتحت مديرة الندوة ديمة جمعة السمان باب النّقاش حول الموضوع:

وممّا جاء في كلمة السلحوت:

تراثنا الشّعبيّ:

      التّراث الشّعبيّ جزء مهمّ من مكوّنات الهويّة الوطنيّة لأيّ شعب، بل إنّه أحد مكوّنات هذه الهويّة، فمن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له أيضا.

والموروث الشّعبيّ بشقّيه القوليّ والماديّ إرث حضاريّ للشّعب، والتّنكر لهذا الإرث الحضاريّ، هو استجابة مقصودة أو دون قصد لطروحات الأعداء الذين يرون في الشّعب الفلسطينيّ مجرّد تجمّعات سكّانيّة، وهم بهذا ينفون عنه صفة كونه شعب.

يتعرّض التّراث الشّعبيّ الفلسطينيّ إلى السّرقة والتّشويه والضّياع، نتيجة للغزو الصّهيوني لفلسطين، وتشريد ملايين الفلسطينيّين عن أرض وطنهم. فمئات القرى الفلسطينيّة تمّ تدميرها بالكامل، ومحو كلّ أثر لها. وما تبقى جرى تحريفه وتشويهه، فعسقلان أصبحت أشكلون، وبيسان أصبحت بيت شان وبيت محسير أصبحت بيت مائير وهكذا.

وحتّى على مستوى المأكولات الشّعبيّة فإنّ الحمّص والفلافل يقدّم على اعتبار أنّه أكلة شعبيّة عبريّة. أمّا على مستوى الأدب الشّعبيّ فقد تمّ تقديم أغنية " الدّلعونا " بنفس لحنها الشّعبي الفلسطينيّ بعد ترجمة كلماتها إلى العبريّة على أساس أنّها أغنية شعبيّة عبريّة.

وكذلك الثّوب الفلاحيّ الفلسطينيّ المطرّز تمّت سرقته على اعتبار أنه موروث شعبيّ عبريّ.

والآثار الفلسطينيّة تمّت سرقتها وعرضها في المتاحف الإسرائيليّة على اعتبار أنّها آثار العبريّين القدامى. والحكايات الشّعبيّة الفلسطينيّة والعربيّة تمّت ترجمتها واستبدال الأسماء العربيّة فيها بأسماء عبريّة ونسبتها إلى العبريّين.

ونتيجة لتشتّت الفلسطينيّين فإنّ الأغنية الشّعبيّة الفلسطينيّة قد ضاعت في أرض اللجوء، أو تمّ دمجها في الأغاني المحليّة خصوصا في الدّول العربيّة الشّقيقة، وتمّ نسبها إلى هذا القطر أو ذاك. ويجدر التّنويه هنا أن لا خلاف على الثّقافة العربيّة المشتركة، لكنّ ضياع الموروث الشّعبيّ الفلسطينيّ تحديدا يجب عدم المرور عليه مرّ الكرام؛ نظرا لظروف الشّعب الفلسطينيّ الخاصّة، والتي تهدّد وجوده كشعب ساهم في بناء الحضارة العربيّة والإسلاميّة والإنسانيّة.

جمع التّراث وتدوينه

يتساءل كثيرون عن جدوى كتابة وتدوين بعض جوانب تراثنا الشعبيّ القوليّ، فبعضهم يعتبرون ذلك من باب التّسلية، وبعضهم الآخر يستنكر عمليّة التّدوين على اعتبار أنّها تسجّل لمراحل "تخلّف" من حياة شعبنا وأمّتنا، وبعضهم يستنكر مضمون هذا التّراث؛ لأّنّه لم يعد يناسب المرحلة المعاشة، وبعضهم يهاجم الكاتب الذي يقوم بعملية التّدوين معتبرا أنّ المضمون الذي جاء في جزئيّة التّراث المدوّنة يمثّل موقف الكاتب.

ولهذا ولأسباب أخرى كان لا بد من الوقوف وقفة عابرة ومختصرة مع التّراث، لأنّ التفصيل في ذلك يحتاج الى مجلدات.

وفي البداية دعونا نتساءل عن مفهوم التّراث الشعبيّ، وللإجابة على هذا السّؤال يجب أن نعود إلى الأصل اللغويّ لكلمة تراث، فهي مشتقّة من الفعل ورث يرث، وهو ما ورثه الأبناء عن الآباء والأجداد، واقتران التّراث بالشّعب ومصطلح التّراث الشّعبيّ يعني ما ورثناه من حكمة الآباء والأجداد، مع التّأكيد على أنّ كلّ حضارتنا السّابقة لجيلنا هي إرث الآباء والأجداد، فالدّين ورثناه عن أبائنا وأجدادنا، فكمسلمين مثلا فإنّ الوحي نزل على الرّسول محمّد صلوات الله وسلامه عليه، واكتمل الدّين الاسلإميّ في عهد النّبوّة، ونحن ورثنا هذا الدّين أبا عن جدّ وجيلا بعد جيل، وكذلك الحال بالنّسبة للدّيانات الأخرى، والكعبة المشّرفة والمسجد النّبويّ الشّريف والمسجد الاقصى وغيرها، وكذلك كنائس القيامة في القدس والمهد في بيت لحم والعذراء في النّاصرة وغيرها هي ما ورثناه عن أبائنا وأجدادنا.

والأدب الرسميّ الفصيح بدءا من الشّعر الجاهليّ والمعلقات السّبعة مرورا بشعر صدر الدّولة الاسلاميّة والعصور اللاحقة إلى الجيل السّابق لنا، يضاف إليه عيون أمّهات الكتب في مختلف المجالات، كلّها ممّا ورثناه عن الأباء والأجداد ومبدعوها معروفون بالإسم .

وما يهمّنا هو التّراث الشّعبيّ وهو مجهول القائل، بل هو ابداع شعبيّ جماعيّ، أو ربّما أبدعه شخص بعينه فاستساغه الشّعب وردّده دون ذكر قائله، وقد أطلق الباحثون الغربيّون على الأدب الشّعبيّ "علم الفلكلور".

 ينقسم التّراث الشّعبيّ إلى قسمين هما:

          التّراث العمليّ: وهو ما يتعلق بالحضارة العمليّة المادّيّة الموروثة مثل الأبنية والمدن والقرى والحصون، والأزياء الشعبيّة، وأدوات المطبخ، أدوات الزّراعة، والآلات الموسيقيّة ......الخ.

التراث القولي: وهو الأقوال الموروثة مثل الأمثال، الحكايات، الأغاني ...الخ

التّراث جزء من الهوية الوطنيّة:

والتّراث في مجمله هو حضارة الآباء والأجداد، ولا يمكن لشعب أن ينتج حضارة إذا لم يعرف الاستقرار، وأمّتنا العربيّة أورثت العالم أجمع حضارة كانت الرّائدة في مختلف المجالات، بل تربّعت على عرش الحضارة العالميّة دون منازع حتى القرن الرّابع عشر الميلادي، أي بداية نشوب الصّراعات داخل أقاليم الدّولة.

ونحن كفلسطينيين وكجزء من الأمّتين العربيّة والإسلاميّة، ورغم المؤامرات التي حيكت ضدّ بلادنا، وكثرة الغزوات التي تعرضنا لها عبر التّاريخ، إلا أنّنا ساهمنا مساهمة ملحوظة في بناء الحضارة الانسانيّة، والمراقب المحايد لفلسطين التّاريخيّة، سيجد أنّها أشبه ما تكون بمتحف كبير يحوي في جنباته كنوزا حضاريّة، بناها الآباء والأجداد عبر التّاريخ، وهذه الحضارة هي جزء رئيسيّ من مكوّنات الهويّة الوطنيّة الممتدّة تاريخيّا، وإذا كان الآخر ينبش باطن الأرض بحثا عن شيء ولو ضئيل؛ ليثبت وجوده التّاريخي في هذه البلاد، فإنّ مئات المدن والقرى والمساجد والكنائس، والزّوايا والتّكايا والقصور والحصون والكهوف وآلاف المنحوتات والرّسومات تقف شامخة أمام البعيد والقريب وشاهدة بأن هذه الدّيار تأبى أن تكون إلا فلسطينيّة عربيّة.

ولا يخفى على أحد أنّ تراثنا الشّعبيّ يتعرّض لعمليات طمس وتشويه وسرقة، ويحاول الآخر أن ينسبه إليه بعد أن يجرّدنا منه في محاولة لإثبات وجوده ونفي وجودنا، وهناك عشرات الأمثلة على ذلك، وقد جاءت هذه المحاولات المعادية مصاحبة لنكبة الشّعب الفلسطينيّ وتشريد ملايين الفلسطينيين في أصقاع الأرض، وعدم وجود دولة وطنيّة ترعى شؤون الفلسطينيين، فإنّ ضياع التّراث الفلسطينيّ أصبح مسألة جديّة، ومن هنا تنبع أهمية جمع التّراث الفلسطينيّ ووضع الجانب العمليّ منه في متاحف، وتدوين القوليّ واخضاعه للبحث والدّراسة ونشره.

الموقف من التّراث

قد يتساءل البعض من باب الرّدّة الثّقافية، أو الانسلاخ عن الجذور، أو من باب الجهل في جدوى جمع أشياء تراثيّة عفا عليها الزّمن وضرورة الحفاظ عليها؟ مثل ماذا نستفيد من"الطابون" ومن "الصّاج" اذا وضعناهما في متحف، ونفس الشّيء المحراث البلديّ وغيره؟ وأنا أقول أنّ "الطّابون" و "الصّاج" -الذي كان يُعدّ عليه الخبز- اللذين استعملتهما أمّهاتنا وجدّاتنا، يحقّ لنا أن نفخر بهما، لأنّ غيرنا لم يكن يعرف الخبز في تلك المرحلة، وهذا لا يتناقض مع استعمال زوجتي وابنتي للفرن الكهربائيّ مثلا في هذه المرحلة، واستعمالنا للمحراث البلديّ لحراثة أراضينا على الحمير والبغال والبقر هو موضع فخر لنا، سابقا والآن ولاحقا، فبلادنا فلسطين جبليّة، أجزاء كبيرة منها لا يمكن استعمال الآلات الزراعيّة الحديثة فيها لوعورتها، وبما أنّ شعبنا شعب مزارع فإنّه لا يترك أرضه الجبليّة دون استغلال، ولا سبيل أمامه لحراثتها إلا بهذه الطرق، وقد سجّل الكثير من السّائحين إلى هذه البلاد إعجابهم بقدرة الإنسان الفلسطينيّ على استغلال أرضه الجبليّة، وتحويلها إلى حدائق غنّاء رغم وعورتها، وهذا بالطّبع لا ينفي استعمال الألات الحديثة في السّهول.

أمّا بالنّسبة للتّراث الشّعبي القوليّ، فإنّنا مطالبون أيضا بجمع وتدوين هذا التّراث بما له وما عليه، بايجابيّاته وسلبيّاته، وما قد يعتبره البعض سلبيّا في عصرنا هذا لم يكن كذلك في عصره.

ويجدر التّنويه هنا أنّ تراثنا الشّعبيّ تراث طبقيّ، فكلّ طبقة اجتماعيّة أفرزت تراثها من أغان وحكايات وأمثال ونوادر وعادات وتقاليد .......الخ. ومن السّذاجة بمكان أن يرى البعض أنّ من يدوّن جانبا من جوانب التّراث، ويقوم بنشره إنّما يعبر عن نفسه، فمثلا الأغنية الشعبيّة الغزليّة التي قالها أحد الأعراب والتي يصف فيها حبيبته بقوله:

بوزك يلمع مثل بوز البسطار وحبّك في قلبي مثل دبيك البغال

لا يمكن ان نصف ناقلها بأنّه قائلها، وكذلك الحال بالنّسبة للحكايات الشّعبيّة التي تحمل مضمونا سلبيّا من المرأة مثلا، وكما قالوا ناقل الكفر ليس بكافر ..وهكذا.

بداية الإهتمام بالتّراث:

يرى بعض الباحثين أنّ الاهتمام بالتّراث الشّعبيّ بدأ في أوروبّا في القرن التّاسع عشر، وأنّ العرب شرعوا بالاهتمام بتراثهم الشّعبيّ بعد الحرب الكونيّة الثّانية، بعد نشوء الدّول الإقليميّة، وأنّهم قلّدوا الأوروبيّين بذلك أو تأثّروا بهم، وبهذا فإنّهم تأخّروا عن الأوروبّيين بما يزيد على قرن من الزّمن، وهذا الكلام مخالف للحقيقة، فمن يعود إلى كتاب "الحيوان للجاحظ" 159 هـ-255 هـ" سيجد فيه بابا من مئات الصّفحات تحت عنوان "أدب العامّة" ويقصد به الأدب الشّعبيّ. كما أنّ العرب كتبوا السّير الشّعبيّة في العصر العبّاسيّ مثل: سيرة عنترة، سيرة معن بن زائدة، سيرو الزّير سالم، سيرة أبو زيد الهلالي وغيرها. كما تمّت ترجمة "ألف ليلة وليلة" إلى العربيّة تحت عنوان "أسمار الليالي للعرب ممّا يتضمّن الفكاهة ويورث الطرب". وقد احتوت ألف ليلة وليلة على حكايات عربيّة خالصة مثل: "علاء الدين والمصباح السّحري"، و"علي بابا والأربعون لصا"، و"رحلات السّندباد البحري السبع". يضاف إلى ذلك أنّ العرب توارثوا الرّوايات الشّفويّة لآلاف الحكايات والأمثال الشعبيّة. مع التّأكيد على وجود كتب دوّنت الأمثال الشعبيّة منها:

" أمثال العرب لمؤلفه المفضل الضّبّيّ 168 هجرية" و" مَجْمَعُ الأَمْثَالِ هو كتاب من تأليف أبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني". و"الدّرة الفاخرة في الأمثال السّائرة لأبي عبد الله حمزة بن الحسن الأصفهاني 351 هجرية". وغيرها.

وفي فلسطين لا بدّ من التّنويه للدّور البارز الذي قامت ولا تزال تقوم به جمعيّة إنعاش الأسرة في مدينة البيرة؛ للحفاظ على موروثنا الشّعبيّ، والتي أصدرت مجلة التّراث والمجتمع الذي صدر منها عشرات الأعداد حتى الآن، وكذلك مؤسّسة دار الطّفل العربيّ في القدس التي أسّست متحفا يحوي في جنباته كنوزا تراثيّة. ومركز حسن مصطفى في بتّير، ومها السّقا التي اهتمّت بالزّي الشّعبيّ النّسويّ.

وهناك أفراد اهتمّوا بالتّراث وأصدروا كتبا في التّراث منهم: الدّكتور عبداللطيف البرغوثي، الدّكتور شريف كناعنة، الدّكتور عمر السّاريسي، الدّكتور نمر سرحان، الدّكتور شكري عرّاف، الدّكتور رشدي الأشهب، علي الخليلي، نبيل علقم، عبدالعزيز أبو هدبا، وليد ربيع، موسى حافظ، توفيق زيّاد، راجح السّلفيتي، جميل السّلحوت وآخرون. 

وسوم: العدد 835