ليس للضباع أمان
لقد كانت واشنطن على مدى سنوات عدة تراوغ مراوغة الثعلب وتنهش نهش الضباع وتمكر وتتآمر على الشعب السوري وعلى حليفتها تركيا، وتظهر ما لا تبطن في حقيقة الأمر، فقد كانت بالظاهر تعلن؛ وعلى الدوام أنها حليفة للشعب السوري، وقد اجتمع على سورية كل ذئاب الأرض من أصفرها وأحمرها وأسودها وأبيضها، تريد استئصال الشام وشعبها من الوجود والانتماء، دون أن يتحرك لواشنطن جارحة، حتى عندما ارتكب كيماوي الشام مجزرة بحق السوريين راح فيها المئات بغاز الخردل، وسمعنا جعجعة من واشنطن أن السلاح الكيماوي خط أحمر، ممنوع على دمشق استعماله، وتمخضت الجعجعة عن تكفل مجرم الحرب بوتين بتسليم ما لدا سورية من مواد كيماوية لقاء السكوت عما ارتكبه من مذبحة بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وهذا ما حصل بالفعل.
وراوغت واشنطن مع حليفتها تركيا رواغ الثعلب لسنوات بشأن المقترح التركي بإقامة منطقة آمنة على الحدود التركية السورية، منتهزة ما يمر بتركيا من أحداث تعصف بشأنها الداخلي من مؤامرة الانقلاب والتنظيم الموازي والضغوط الاقتصادية، وصبرت تركيا على مضض من معاملة حليفها الاستراتيجي؛ حتى إذا ما تجاوزت هذه المحن بصبر وشجاعة، وقد وجدت عدوها اللدود الوحدات الكردية التابعة لـ (ب ي د) قد أصبح يشكل خطراً حقيقياً على أمنها وسلامة حدودها، وقد حمته واشنطن وقدمت له أحدث ما في ترسانتها العسكرية مما أنتجته آلة الحرب الأمريكية، عندها قرر أردوغان المضي في خطته للقضاء على هذا السرطان الذي يهدد أمن بلاده.
وفي كلمة لأردوغان خلال مؤتمر السفراء الأتراك الأحد عشر المنعقد بالعاصمة أنقرة، شدد فيها على حق استخدام بلاده القوة للدفاع عن مصالحها القومية.
وقال أردوغان: “إن خطواتنا بخصوص شرق الفرات ستدخل مرحلة مختلفة قريباً".
وأضاف الرئيس التركي: “سنستخدم القوة إذا ما تطلب الأمر الدفاع عن مصالحنا القومية".
ولفت أردوغان إلى أن تركيا تنتظر قيام واشنطن بخطوة إيجابية تثبت التحالف الحقيقي بين البلدين.
وعلى أثر التهديدات التي أطلقها أردوغان سارعت الوحدات الكردية التابعة لـ (ب ي د) على إزالة أعلامها من أغلب المدن والبلدات على الحدود السورية التركية، وذلك بعد توعد القوات التركية بشن عمـلية عسكرية قريبة.
واشنطن سمعت ما قاله الرئيس التركي في كلمته أمام سفرائه، وأخذت كلامه على محمل الجد، وسارعت إلى إجراء مباحثات مع المسئولين الأتراك استمرت لثلاثة أيام، أُعلن في ختامها عن توصل البلدين لاتفاق يقضي بإنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا خلال أقرب وقت، لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شمالي سورية وإزالة الهواجس التركية.
وكشفت وزارة الدفاع التركية، في بيان نشرته الأناضول ورصده موقع الوسيلة يوم الأربعاء 7 آب الحالي، عن استكمال المباحثات مع المسؤولين العسكريين الأمريكيين حول المنطقة الآمنة المخطط إنشاؤها شمال سورية.
وأشارت وزارة الدفاع التركية إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق لتنفيذ التدابير التي ستتخذ في المرحلة الأولى من أجل إزالة الهواجس التركية، في أقرب وقت.
ويقضي الاتفاق بحسب بيان الوزارة، بإنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا خلال أقرب وقت لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا.
واتفقت تركيا مع الجانب الأمريكي على جعل المنطقة الآمنة ممر سلام، وفق الوزارة.
وشدد الجانبان التركي والأمريكي على ضرورة اتخاذ كل التدابير الإضافية لضمان عودة السوريين إلى بلادهم.
من جانبها قالت السفارة الأمريكية في تركيا، إن الوفدين العسكريين التركي والأمريكي توصلا لاتفاق حول المنطقة الآمنة شمالي سورية (دون تحديد عمق هذه المنطقة)، وذلك خلال المفاوضات بينهما في العاصمة التركية أنقرة.
وأوضح بيان السفارة الأمريكية أنه “تم الاتفاق على التنفيذ السريع للتدابير الأولية التي تعالج المخاوف الأمنية لتركيا في الشمال السوري".
أخيراً نتمنى على تركيا أن تكون حذرة من هذا الحليف المنافق والغدار فليس للضباع أمان، وأن تتعامل معه بكل فطنة وانتباه، وأن لا تترك له فرصة للتفلّت من اتفاقياته أو الالتفاف عليها، وأن تلاحقه لتنفيذ الاتفاق بأسرع وقت ممكن، وأن تستغل وضعه الداخلي الذي يهدد بعدم إعادة انتخاب رئيسه ترمب، وأن تستغل انشغاله خارجياً بملفات ساخنة كثيرة، وفي مقدمتها المواجهة مع إيران، والعلاقة السيئة بينه وبين شركائه في حلف الناتو، والتهديدات الصينية والروسية التي يتعرض لها.
وسوم: العدد 837