عودة التتار
بداية الحكاية
دخلت في الجيش النظامي مجنداً مرغماً؛ لأن الأبواب أغلقت أمامي، فقد خرجت من سوريا بعد التخرج مباشرة، وقبل استلام وثيقة التخرج، حتى أستطيع إتمام دراستي، لأن النظام في سورية أن من تخرج من الجامعة، ولم يكن له ذكر في سجلات الدراسات العليا، فعليه أداء خدمة العلم(؟)، فخرجت إلى ليبيا على امل أن ترسل لي وثيقة التخرج، لأنني سجلت اسمي في سجلات الدراسات العليا، وعندي يقين أنه تسجيل شكلي، فلا يمكن أن أكون ممن يقبل في هذا الأمر، وفعلاً كان ما توقعت، وبذلك بقيت مسافراً ثلاث سنوات على أمل الاستطاعة بالحصول على وثيقة التخرج، ولكن لم أستطع الحصول إلا على كشف للدرجات عن السنوات الجامعية الأربع، وليس فيه ذكر لنتيجة هذه الدرجات بالتخرج، وفعلاً ذهبت إلى القاهرة للتسجيل هناك بناء على كشف الدرجات، وتوجهت إلى جامعت عين شمس، فلما اطلعوا على الكشف، قالوا لا يمكن اعتباره شهادة تخرج، ولكن يمكنك الاستفادة منه أن تسجل عندنا طالباً في كلية الآداب، وتقوم بدراسة المواد التي تدرسها جامعة عين شمس وليست في سجل كشف الدرجات عندك، وبعدها تأخذ شهادة التخرج، وتتابع دراستك عندنا.
وعدت إلى ليبيا خالي الوفاض، فلا بد من الحصول على شهادة التخرج، وإلا فستبقى كما أنت، وهذا الأمر استغرق مني ثلاث سنوات، عزمت بعدها أن اعود إلى دمشق، فلو بقيت فيها لكنت انتهيت من خدمة العلم، واستلمت الشهادة، وفعلاً توجهت إلى دمشق.
بعد بضعة شهور دخلت في خدمة العلم (؟)، وبدأت حياة المعاناة التي يمر بها كل سوري، ولكن لكلٍّ معاناته، فهي ما بين إذلال خفيف خفي، وما بين احتقار واضطهاد لا يعرفه إلا من عاشوا تحت سنابك المغول، أو بين سنابل الكيمياء النازية.
وكانت – وما زالت – الطائفية واضحة فاضحة، إلا أنها تُغلّف برتب عسكرية، أو قيادات حزبية، ولذلك لا يشعر بها الكثيرون ممن يدخلون هذا السلك، والكثيرون اعتادوا على هذه الطائفية قبل انخراطهم في هذا السلك الذي هدفه الاطمئنان على الحالة الطائفية (التي تسمى دولة).
والحياة العسكرية – في أيامنا – كانت تتلوّن بلون القائد في القطعة، فإن حباك الله بالنعمة كنت في ظل قائد من بقايا العهود السابقة الذين ما زالوا يشعرون بالروح العسكرية الوطنية البعيدة عن ألوان الحزبية والطائفية، وإن حباك الله بالاختبار والابتلاء كنت في ظلٍ من الطائفية بغيض، تناله الألوان الملونة بألوان كل الطيوف، والناس في هذا الجيش ما بين هذين الأمرين بعداً واقتراباً.
وكنت في هذا الجيش من النوع الأول، فأنا أقرب إلى ظل قائد من بقايا العهود السابقة الذي يهمه إبراز العسكرة بثوب وطني، ومع ذلك فهناك الضباط الذين هم أدنى منه يتصرفون على حسب المنهج القائم للنظام، ولا يهمهم أمر نظام القائد الأعلى لهم، فلهم مرجعيتهم التي يتلقون منها الأوامر المتبعة، وكنا نحن مع ظل هذا القائد النظيف الذي كان له فضل كبير علينا بدفع الأذى الكثير المشهور القائم في كل القطعات العسكرية، وكنا ننال كثيراً من شظايا هؤلاء المتنفذين.
وقد سارت بنا الأمور مقبولة، وإن لازمها الأمور الآتية:
ألفاظ الكفر من قبل الضباط الذين يقال إنهم يدربوننا على حب الوطن، واحترامه، والحفاظ عليه، وألفاظ الكفر التي يتنعمون بها، يتعلمها منهم كل الأبالسة الظاهرين والمتوارين.
ألفاظ الفجور التي لا يعرفها حتى الفجار والفساق والملاحدة.
المعاملة (الإنسانية) التي لا يحتملها حتى دواب الأرض كلها، ولا ترابه.
وكمثال لنتائج هذه المعاملة أن بعض الضباط الذين استقبلونا في أول استقبال كانت المحاضرة التالية:
أنتم كلكم تحملون الشهادة العليا، فكلكم أنهيتم الدراسة الجامعية، وكلكم حصل على درجة أستاذ، ودرجة أستاذ في الجيش هي أكبر تكريم تقال لحاملها، وهي عندنا لا يعدلها إلا كلمة حمار، ولذلك إذا أردتم التخلص من هذه الرتبة، ما عليكم إلا أن تعودوا لبداية المراحل الدراسية: تلاميذ في المدارس الابتدائية، ويجب أن تعيشوا هنا بهذه المرحلة؛ لأنكم لن تجدوا معاملة إلا على هذا المستوى، فتعاملوا فيما بينكم على هذا الأساس.
كل هذا ليس بالمشكلة أمام بعض من كان معنا، حيث بدأ فعلاً يتعامل مع أصحابه وأنداده على هذا المستوى، حتى أنني مرة قلت لأحدهم، ولا أزال أذكر اسمه: ألا تستحي ان تقوم بهذا الفعل الطفولي، فقال: ألم تسمع قول الضابط إننا تلاميذ، ويجب أن نتعامل كتلاميذ، فشعرت بالتقزز والأسى بطريقة لم أمرّ عليها كل حياتي، فبعد هذا العمر من طلب العلم، والمثول بين أيدي العلماء، والدراسة في المدارس والجامعة، وأخْذ العلم والفضيلة من إِلِّها، يصبح بعضنا بهذا المستوى من الحقارة والغباء والفسولة؟
ومرة بعد أنواع من التعذيب التي لا يحصل عليها أحط أنواع البقر ودواب البعر، تحركت الوطنية في نفس الضابط الذي أوصلنا إلى درجة ما قبل الحيوان – إن وجدت – فقال لنا: لا تعتبروا هذا تعذيباً، بل هو تدريب لتصبحوا مواطنين صالحين، محبين لأوطانكم وقائدكم، فكلنا التزم الصمت، لأننا نعلم نتائج الاعتراض، إلا أن أحدنا تأثر على ما يظهر مما لقينا، حتى غاب عنه العقل والتفكير – على رأينا – فانطلق منفعلاً مضطرباً يقول: يا سيدي، أتعلم لو أنني أمسكت سلاحاً في حرب مع إسرائيل ما أفعل؟ فقال الضابط ماذا تفعل؟ فقال صارخاً: والله لن أطلق إلا طلقة واحدة، فقال الضابط: كيف، فقال صاحبنا: أطلق طلقة واحدة عليك، وأخلّص الوطن منك، وأمضي إلى إسرائيل لاجئاً؛ لأنني متأكد أنني سأكون محترماً فيها أكثر من هذا الذي تسمونه وطناً، وجئتم بنا لتدربونا على الدفاع عنه، فوطن لا يعتبرني بشراً ولا بقراً ليس بوطن.
وانهار الرجل باكياً، وما كان من الضابط إلا أن قال: اذهبوا وارتدوا ثيابكم، لأن تعذيبه كان لنا بعد أن أمرنا أن نخلع كل لباس إلا ما ستر العورة المغلظة، ومن جملة تحفته هذه أنه أثناء تعذيبنا طلب من عساكره جمع ثيابنا في كومة واحدة، وأحذيتنا في كومة أخرى، فأضاع من عمرنا أشهراً، وأحدنا يبحث عن قطعة من ثيابه، أو فردة من حذائه.
هذا من الناحية البدنية المطعمة بالأمور النفسية، وأما الأمور النفسية، فأنت أمام ضابط لا يعرف القراءة، مع أنه حصل على الثانوية العامة على الأقل، ومن المضحك المبكي في هذا الموضوع: أن أحد الضباط كان يعذبنا، وأثناء فترات استراحته من تعذيبنا، بدأ يحدثنا بين الشتم والفجور، ونحن في حالة استلقاء على الأرض دون ثياب، وهو يشتُمُ غباء الكثيرين من مسؤولي هذه المدرسة، فكيف يكتبون على لوحة: (محو الأمية واجب ملح على السلطة والحزب)، قرأها على الطريقة التالية، فجعلنا مع كل آلامنا وقهرنا نقهقه ضاحكين بعد أن قال: ما علاقة محو الأمية بالمِلْح والسَّلَطَة فكيف يكتبون: (مَحْو الأميَّةِ واجبُ مِلْحٍ على السَّلطةِ والحِزْب).
أمثال هذا الضابط المثقف الذي كان يعرف القراءة بالتشكيل، ووضع الحركات على الحروف مواضعها، كان يدربنا لندافع عن هذا الوطن، ويعلمنا كيف نحترم هذا الوطن الذي يقوده أمثال هذا المثقف الفطِن؟ فما بالك بغير المثقف؟.
وأما الناحية الطائفية، فلن أطيل الكلام عليها، فلا زالت ماثلة إلى الآن في بلدنا، وكان يشعر بهذه الطائفية حتى غير المسلمين، فقد كان من مدربينا ضابط نصراني من بلدة محردة، وكان حين يريد تعذيبنا يقول لواحد منا اسمه (مالك): يا مالك اخرج من الصف، ثم يعطي أوامره بخلع الملابس والتعذيب، وكثيراً ما كان يخرجنا لنأخذ الدروس النظرية في الهواء الطلق، فيختار مكاناً يُجلسنا فيه تحت أشعة الشمس، ويجلس هو في الظل، وينادي على مالك ليجلسه بجانبه في الظل، لأنه من أول يوم سأل كل واحد منا: من أي بلد، ومالكٌ هذا كان من بلدة القرداحة، ولذلك نال هذه الحظوة عند هذا النصراني، ونال التفرقة الطائفية.
وكان الذي يجعلنا نزداد شعوراً بالطائفية أننا كنا نلاحظ أن الضابط الكبير غير الطائفي، والذي بوابه أو خادمه عسكري نصيري، يخاف من بوابه، ولهذا البواب الحظوة لدى من يزور الضابط.
وكانت الصلوات ممنوعة، والمصلون يصلون خفية، إن لم تنلهم خيفة، فيؤجلونها، أو يتركونها إلى ما بعد العسكرية.
وضابط الأمن مهما انخفضت رتبته عن قائد الموقع أو الثكنة فهو الرتبة الحقيقية العليا في القطعة.
ومع أن أحوالنا نوعاً ما تعتبر مقبولة بسبب الضابط القائد، فإن أحوالنا بلغت من القهر والإرهاب مبلغاً لا يطاق بعد أحداث مدرسة المدفعية عام 1979م، فكانت أياماً رهيبة لا ندري متى يكون دورنا في الاعتقال، ففي كل يوم نسمع عن معتقلين بين الضباط وصف والضباط والجنود غير النصيريين، وكانت عبارة عن موجات، فالاعتقالات بالجملة، والذي خرج لم يعد، ولن يعود، فكنا كمرتقب دخوله النار الموقدة في كل اتجاه، ولا مفر له من ذلك، ولم نسمع في تلك الأيام عن اعتقال ضابط نصيري أو نصراني أو درزي، إنما الاعتقالات كانت تشمل السنة فقط، ودون مقدمات أو أسباب.
في ظل هذه الحياة الرهيبة أحسست بمعاني هذه المسرحية، وبدأت أفكارها تتضخم في عقلي وتفكيري، فبدأت الكتابة فيها في أيامي الأخيرة من خدمة العلم (؟)، ولكن لم أتمها لسفري خارج البلد.
وسافرت ولم أحمل كل ما لدي من كتابات إلا بعضاً منها، ومنها هذه المسرحية، حيث بقيت مسوّدة دون مراجعة، فهي على كتابتها الأولى، وبقيت إلى الآن.
وبعد إقامتي في البلد الذي سافرت إليه، تعرفت على بعض أصدقاء لي جمع بيننا الغربة، وبعد مدة علمت أنهم يقيمون أمسية شعرية كل أسبوع مرة، ودعاني صاحب المنزل ♫ إلى حضور الأمسية لِما علم من اهتماماتي الأدبية، ولبيت الدعوة، وصرت من روّاد هذه الأمسية الدائمين.
وبما أنني لا بضاعة لي في الشعر، كنت أحضر مدعياً أنني لي شدوٌ بالنقد الأدبي قليل، فقبلوا حضوري، وتحملوا آرائي جزاهم الله خيراً، ولكن...
بعد مدة من الزمان، انتفض أحدهم وقال: وانت، أمالك شعر أبداً، وهل من الممكن أن مثلك يهتم بالأدب والشعر ونقده، وما كتب شيئاً منه؟ فقلت: حتى لا أكون كاذباً لي محاولات، ولكنها لا تعجبني، ولذلك احتفظ بها لنفسي، وعلى كل حال محاولتي بقيت في بلدي، ولم أحملها معي.
فقال أحدهم: هل من المعقول أنك لا تملك شيئاً مما كتبت؟
فتذكرت هذا الجزء من المسرحية، فذكرته أمامهم، وبعد أخذ وردّ أصروا – جزاهم الله خيراً – على أن أسمعهم ما كتبت.
وفعلاً عندما عدت في الأسبوع الذي بعده إلى حضور الأمسية، وقد تأبطت دفتري القديم، الذي مازال بمنظره المهترئ، وما عليه من أمور كثيرة، ومنها هذه المسرحية، وبناء على طلبهم بدأت بقراءة ما كتبت.
أثناء قراءتي شعرت أن الوجوم سادهم جميعاً، بل تسربلهم إلى حد المفاجأة القاهرة الناشزة، وبدأ كثيرون يُشعرونني بالامتعاض والنظرة الشذراء البغيضة عند الإنسان.
ولكن عندما انتهيت، وكأن عش زنابير (دبابير) انطلق نحوي يلسعني ويعنّفني، ما هذه النظرة التي تخرج عن حد الخيال إلى منطقة الأوهام الخرقاء الغريبة، ماذا تظن الشعب الذي أنت منه، هل من المعقول أن يناله ما تتفوه به في هذه المسرحية، انت خرجت من حدود التصور الإنساني، إلى حدود الخرافة والأساطير، فهذا أمر لا تقبله العقول ولا الأفكار، فقلت لهم بصوت هادئ: وأنا ما زلت عند هذه الأفكار والأحوال، ومازلت متاكداً أنها ستحدث، وينالنا ما توقعته أو أكثر، ولا أفرض عليكم رؤيتي، ولكنكم لن تستطيعوا خلع هذه الصورة التي رسمتها في هذه المسرحية، وإن غداً لناظره قريب، ولكن يرى الناس كلهم الآن ما يحصل في بلدي، وأن الصورة التي توقعتها إن لم تكن دقيقة، فهي أقرب للحقيقة من كل ما تصوره غيري – هكذا أرى -.
كلمة لا بد منها
تعريف ببعض المصطلحات والأسماء الواردة في المسرحية
ابن الحنفية: محمد بن علي بن أبي طالب من غير أولاد فاطمة ل، وكان إماماً، فارساً، من كبار التابعين.
ابن السوداء: هو عبد الله بن سبأ اليهودي، أمه سوداء من اليمن.
ابن الصباح: الحسن بن الصباح من زعماء الباطنية، وهو الذي شكل فرقاً قامت باغتيال كبار أهل السنة كالوزير العباسي نظام الملك.
ابن القداح: ميمون بن القداح من كبار الباطنيين، يقال إنه من نسل يهود، وهو الذي أسس لقيام دولة العبيديين (الذين أطلق عليهم في بعض كتب التاريخ خطأ بالفاطميين).
ابن سبأ: عبد الله بن سبأ اليهودي، تظاهر بالإسلام، وأول من نادى بوصاية علي بن أبي طالب، ثم ألوهيته، وألّب على عثمان بن عفان t، وألّف تلامذة من جماهير الغوغاء وشذاذ الآفاق الذين حاصروا عثمانَ t حتى قتلوه شهيداً.
ابن سينا: من أعظم الفلاسفة والأطباء الذين ظهروا في تاريخ الإسلام، ويُتهم بأنه من الملاحدة.
أبو لؤلؤة: هو فيروز المجوسي؛ قاتل عمر بن الخطاب t.
أبو هرٍّ: الصحابي الجليل أبو هريرةt .
أثواب الروم: يقصد بالروم هنا الأوربيون في العصر الحديث.
إخوان الصفا: من الفلاسفة الذين يقدسهم الدروز والإسماعيليون، ولهم رسائل في الفلسفة، ذكروا فيها آراءهم وعقائدهم، ويُنسبون إلى الإلحاد.
أرسطو: أعظم فلاسفة اليونان، ويقال له: المعلم الأول.
الأفشين: من قواد الدولة العباسية الكبار، وتبين بعد ذلك أنه مجوسي، وانشق عن الخلافة العباسية، وحاربه العباسيون حتى قضوا على دولته.
أفلاطون: من أعظم فلاسفة الإغريق (اليونان).
ألموت: قلعة حصينة قرب مدينة قزوين بإيران، استولى عليها الحسن بن الصباح الملقب بشيخ الجبل، من أمنع حصون الإسماعيلية، ومنها انطلق باغتيالاته لأهل السنة، ومن أعظم من اغتاله ابن الصباح نظام الملك السلجوقي.
التتار (التتر): جِيلٌ بأَقاصِي بلادِ المَشْرِقِ، فِي جبالِ طغماجَ من حُدودِ الصِّين، يُتاخِمون التُّرْكَ، ويُجاوِرُونهم، وَبينهمْ وَبَين بلادِ الإِسلامِ، الَّتِي هِيَ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ مَا يَزِيدُ على مَسِيرةِ سِتَّةِ أَشهرٍ، وهنا تعني الدول الباطنية التي تقوم بأسماء متعددة بعيدة عن المصطلح الأصلي، قد تقوم بأسماء سياسية، أو قومية، أو دينية طائفية، وهدفها القضاء على الإسلام كدين، وعقيدة، وأمة، وليس كدولة فقط.
تيمور: هو تيمورلنك القائد المغولي من أحفاد هولاكو، وممن ادّعى أنه من المسلمين، وقتل الكثيرين من المسلمين، وأزال عدداً من دولهم، وأفسد كل البلاد التي دخلها.
الجنابي: أبو سعيد الجنابي وابنه سعيد اللذين أقاما دولة القرامطة في شرق الجزيرة العربية، وغزوا مكة المكرمة، وسرقوا الحجر الأسود إلى منطقة الإحساء، وبقي فيها اثنين وعشرين سنة، حتى أعاده الموفق بالله العباسي في القرن الثالث الهجري.
جنكيز خان (الجنكيز): هو قائد المغول الأول، وراسم أحوال دولتهم، وواضع لهم القواعد والعقائد في كتابه المسمى بـ(الياسق(.
الحسن بن الصباح: من كبار الباطنيين، وصديق عمر الخيام، ونظام الملك، وأول من أسس فرق الاغتيالات، وأول من اغتالت فرقه وقتلت صديقه الوزير العباسي العظيم نظام الملك.
حمدان القرمطي: هو زعيم القرامطة الذين نسبت إليهم الدولة التي قامت شرق الجزيرة، وسرقت الحجر الأسود.
دولة الخان: الدُّول التي يقيمها الباطنيون عبر التاريخ وإلى الآن.
سمعان: رمز لأسماء اليهود.
صغير الآلهة إسماعيل: هو الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق رحمهم الله جميعاً، وهو الذي نُسبت إليه طائفة الإسماعيلية.
صلاح الدين: (الأيوبي) الذي لاحق الباطنيين والحشاشين، وفاتح بيت المقدس.
طعنوا علياً: يعتقد بعض فرق الشيعة أن الذي قتل علياً بن أبي طالب له فضلٌ في نقل عليٍّ من الصفة البشرية إلى الصفة اللاهوتية (الإلهية)؛ لأنه كان الإله متجسداً في صورة إنسانية، فهم يقدسونه.
طواويس: يرى عبدة الشيطان أن إبليس كان طاووس الملائكة، ولذلك يقدسون الطاووس، ويرمزون به إلى إبليس.
الطوسي: نصير الدين الطوسي؛ من كبار كُتاب وفلاسفة الشيعة (الرافضة)، كان مستشاراً لهولاكو، وأشار عليه بقتل الخليفة العباسي وأهله.
عبد الرحمن: هو عبد الرحمن بن ملجم المرادي، قاتل علي بن أبي طالب.
عمر الخيام: من علماء الشيعة الباطنيين، ومشهور بعلم الفلك والرياضيات والفلسفة، كان صديقاً للوزير نظام الملك.
الفارابي: من فلاسفة المسلمين، ويقال له: المعلم الثاني، كما أن أرسطو كان المعلم الأول، ويتهمه بعض المسلمين بالإلحاد.
فيروز: (أبو لؤلؤة) المجوسي: قاتل عمر بن الخطاب t.
قطز: الملك المظفر قطز، الذي قضى على الامتداد المغولي في العالم الإسلامي في معركة عين جالوت في القرن السابع الهجري.
قُمّ: (وبعضهم يلفظها: خُمّ): مدينة فارسية، يقال إنها مدينة مقدسة عند الرافضة.
المازيار: أحد القواد العباسيين الفُرس، الذين ظهر أنهم من المجوس، وخرجوا على الخلافة، مثله في ذلك مثل بابك الخرمي، والأفشين،
وقضى عليهم أخيراً المعتصم بالله الخليفة العباسي.
ماني: أحد آلهة المجوس، وكان الزنادقة يُمتحنون بلعنه وشتمه في العصر العباسي.
محيي الدين بن العلقمي: من كبار الرافضة وعلمائهم، وكان وزيراً للخليفة العباسي المستعصم بالله، وكان الخليفة يثق به لما تميز به من سعة العلم، وساعد هولاكو على دخول بغداد، وهو ممن أشار على هولاكو بقتل صديقه الخليفة العباسي.
المختار: (ابن عبيد الثقفي)، خرج على الدولة الأموية ثأراً للحسين بن علي بن أبي طالب ب، ثم نادى بإمامة المعصوم محمد بن الحنفية، وادعى أنه إمام غائب في جبال رضوى في الطائف وسيرجع، ثم تألّه (نادى بألوهية نفسه)، وقتل قوماً كثيراً من الشيعة الذين أعانوه في خروجه، حتى قضى عليه الأمويون.
مزدك: أحد آلهة المجوس الذين كانوا يؤمنون بشيوعية الأموال والنساء.
مصاحف عثمان: عثمان هنا هو الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان t الذي نسخ المصحف، ووزعه على الأمصار ليجتمع عليه المسلمون، ولا يختلفوا على كتاب الله.
المغول: قوم فتحوا الأرض في القرن السادس والسابع الهجريين، وعاثوا فيها دماراً وخراباً، وإفناء للحرث والنسل.
منازل مروٍ: مرو مدينة في بلاد فارس.
مولاك الحسين: الحسين هنا هو الحسين بن علي بن أبي طالب ب.
نصير الدين: هو نضير الدين الطوسي تقدم التعريف به.
هولاكو: حفيد جنكيز خان، وهو الذي أزال دولة الخلافة العباسية من بغداد، وأفسد البلاد، وقتل العباد.
عودة التتار مشهد
يدخل المسرح كوكبة من جنود أربعة ينشدون:
نحن نسل التتر جئنا بعد غياب عدنا نحمل في الـ ـجعبة كل خراب نحن الناس.. أنتم حجر أنتم تحت الأرجل منّا نحن دان الباطل قبل الـ ـحقّ لنا من عزمتنا نحن نسل التتر جئنا بعدغياب عدنا نحمل في الـ ـجعبة كل خراب
القائد: قف..
يقف الجنود.
القائد: كل في موضعه...
(يأخذ الجنود كلٌّ موضعَه حسب الأسماء).
يتابع القائد: والباقي كل في زاوية..
وليأخذ كل دوره..
في يده بندقته...
نحو الأهداف يصوّب..
(يشير القائد بيده نحو الجمهور):
هذا الجمهور عدو..
فالتتر لا حق لهمُ من صحبة..
فصداقة هذا الجمهور غباء..
وصداقة هذا الجمهور مذلة..
نحو الأهداف تشير بنادقكم..
لا تَدَعوا أحداً في القاعة:
يحمل اسم محمدْ
أو أحمد، أو نعمان
أو سعد، وصهيب.. عمار
كل الأسماء لنا أعداء
لا تدعوا أحداً ينجو
فثياب الكل ملطخة بدماء التتر
* * *
إن طعنوا علياً في جسده
فالرب تعالى في ذاك اليوم من رمضان
لكن! قتلوا مئاتٍ من آل الجنكيز
* * *
كل الجمهور لنا صياد
صادونا -أحفادَ هولاكو وتيمور -
فالكل لنا أعداء
أشخاصاً أو أسماء
لا تدعوا أحداً ينجو
(يصوّب الجنود أسلحتهم نحو الجمهور.. ولكن القائد يصيح):
القائد: انتظروا...
لا.. لا تضعوا السيف بغير مواضعه
لا بد لنا من قلبٍ موتورٍ
لا يوتَر قلبُ التتري بغير صلاة حربية
نتوجه نحو الرب القائم بين ذبابة سيفين
يوجّه نصل السيفين إلى قلب الأم الحانية على طفل سني
أو نحو صدور مشايخ ركّع
يمدون أياديهم نحو سماء وهمية
ينادون بنصر بنادق أشبالٍ ضد التتر
* * *
لا بد لنا من قلب موتور
نحو الأهداف تشير بنادقكم
أما الأسماع إلى صوتي فتنتبه
وتردد أفواهكم تراتيل صلاتي:
(يردد الجميع ما يقول بصوت عال):
إلهَ الحقد نناديك
إلهَ البغض نناجيك
إلهَ البطش نحييك
إلهَ الموت.. إلهَ التتر
إلهَ الذل إله البشر
إلهَ الغضب.. إلهَ الشرر
إلهَ النار.. إلهَ القَذَر
(وحده يناجي):
يا كلَّ الآلهة الموتورة بين ثنايا الأرض وتحت القمر
يا كل الآلهة الفاجرة القائمة بين ثنايا العهر الفاتك بالفِكَرِ
نناديكِ كأنثى، فكل الآلهة الأنثى تحمل بين ترائبها فوح الحرب العطر
نقدِّس كل إناث الآلهة كي تعطي سواعدنا قوةَ فتكٍ بالبشر
يا جنكيز.. يا تيمور .. ويا هولاكو
يا آلهة التتر بعد ابن الصبَّاح
يا أولاد القدَّاح
أنتم يا أولاد سعيد وأبيه ابن الجنّابي
كونوا لنا عوناً في هذا المكر...
(يسمع من خلف المسرح صوت جهوري يقول):
مَن هذا الواقف فوق قبور الآلهة الراقدة بين ثنايا البرزخ؟
ويناجي، وينادي آلهةً تركت فوق تلال الأرض أقذر ذكرى
مَن هذا ينادي، يجأر في طلب التتر!!
يا هذا! ما موضعك من قلعة ألموت؟
أو من ساحل أرض الشام
ما وقتك من زمن القرمط حمدان
أين طواويس الفيروز، هل ضاعت في جامع ذاك التتري
بأصفهان؟؟
أحد الجنود:
ها قد جاء جواب صلاتك يا روثُ
جندي آخر:
أكمل حبل مناجاتك.
جندي ثالث:
هذي القوة تسري في جسدي من زمن التيمور
جندي رابع:
هولاكو يتمطى بين ثنايا أضلاعي
القائد)يشير إلى الجنود: (
صه..
)ثم يتوجه ببصره نحو السماء يناجي):
يا هذا الصوت المتغلغل في أعماق الأعماق.
من أين تنادي، فأنا أناجيك.
صوت من الخارج:
من أنت! فأنا أخشى حتى غبار صلاح الدين
وكذا أخشى صوت مماليك الأيوبيين
فمظفرهم قطزٌ ما زال يقعقع في جيش المصريين
يخرق كل الآذان التترية
ويقع مغول التاريخ كعصف مأكول
(ينتبه لنفسه، فيصرخ بحماقة):
من أنت..! تتري أنت ! أم أنت من الأكراد أو العدنانيين؟
أم أنت من الأتراك وبقايا الإسلام..
من أنت؟؟ أخبرني!
القائد:
أنا من أولاد الصباح
بل نحن من أولاد القداح
جئنا نصلي للآلهة الشريرة في هذا الكون
فكما صليتم في عصر الجنّاب..
وأقمتم حكم الباطل تحت لواء قرامطة
جئنا نحن نطلب عوناً أو مدداً
(من الخارج):
أهلاً بحشاشة أفلاذ التتر
سنعود إذن.. فانتظروا
مشهد
(يدخل المسرح كوكبة من قدامى التتر طوال الأجسام.. ينشدون):
نحن التتر.. نحن التتر
بالتدمير لو نشتهر
بالسحق وبالإهلاك هوىً نحياه وبه ننجبر من أنتم في هذا الكون أنصيريون فهم تتر؟
الجنود:
نحن من نسل التتر جئنا بعد غياب عدنا نحمل في الـ ـجعبة كل خراب
(يضحك تتري قديم ويقول):
فئران جاءت بعد غياب تلبس من أثواب الروم
تتشقق من ضيق عنها الأثواب!
قاماتُ عساكرها
أصغر من كل قِراب
هذا - والعلويِّ القابعِ بين ثنايا العهر - سخرية هذي الأرباب
أين تطاول قامات ابن الصبّاح
وعرض مناكب جنكيز والتيمور
بل أين النصل القاتل
ينذر من شاربك يا ابن الجنّاب
أين عيون الحقد الفائرة أو الجاحظة في سكّين إله القتل
تلك السكّين انطلقت من بين أصابع ربّ التتر
فتعهدت اللبَّ من قلب نظام الملك
أين أبو لؤلؤة يقضي بالحق
فيرى عدلاً قتل ابن الخطاب
أين أصالة عبد الرحمن
وما عندك عبد الرحمن؟
اسمٌ أُطلق سخريةً لابن الحقد أو العهر
هل ابن الملجم إلا ربٌ رضع الحق أمام الناس
رفع الجسد الفاني من ابن أبي طالب
وأضاء إلى الناس دروب الحق بأن علياً ذاتُ الله الغالب
فعسى من أنت تكون؟
يا فأري في هذا العصر؟!
القائد (نحو الجنود):
هذا الجمهور الماثل بين أياديكم
يدعو، ويصلي، ويناجي كي تعفوا عنه
فأبيدوه
لا يُقبل عذرٌ من مؤمنْ
لا يقبل عذر من رجل سماه أقاربه أحمد
لا يقبل عذر من زوج تدعى (رملة)، أو (خنساء)، أو حتى (عائشةَ)
لا يقبل عذر من بنت تُدعى (شيماء)، أو (أسماء)، أو حتى (أم حكيم)
لا يقبل عذر ممن صلّى صلاةً نحو القبلة
لا يقبل عذر من رجل صام أبوه رمضان
لا يقبل عذر من ولد كان له جدٌّ يحمل عكازاً، وله لحية
لا يقبل عذر من بنت إحدى جدات أقاربها تدعى (خولة)
لا يقبل عذر من طفل يَعرف اسمَ (أبي هرٍّ)
لا يقبل عذر من أولاد وبنات (نساء محمد)
لا يقبل عذر من أيٍّ كان يخالط أولاد (أبي بكر)، أو (عمرا)
* * *
فأبيدوه
وأبيدوا من نزلت من عينيه عليه عبرة
هذا فرمان السلطة عند التتر.
التتري:
مهلاً، يا فأري.. من أمرك؟
ما هذا الهول تمسح فيه صورة ضعفك
هذا كلامك؟ أم من فرمانات إلهك!
أتريد بأن تخبرني بأنك من تترٍ
أم تبغي....
القائد:
بل أرجو أن تسمعني أنت..
التتري:
خذ حذرك مني.. لستُ كجنكيزٍ أو هولاكو
القائد (يضحك):
إن التتر وكلَّ الأفّاقين
من قرمط، أو أولاد الرب عليٍّ
أو حتى من نسل صغير الآلهة (إسماعيل)
قد بُعثوا من رقدتهم
عرفوا أن الحق هو الحقد
عرفوا أن ببغداد وأنهرها ما زال بقية (آل العباس)
عرفوا أن دمشق تموج بأولاد (صلاح الدين)
عرفوا أن بـ(مكة)، أو (يثرب) ما زال يُنادَى باسم الله تعالى
عرفوا أن شعوباً ما زالت تجثو نحو (الكعبة) ضارعة
ونسوا حق إله التتر
ها نحن وقد جئنا
لنعيد إلى الكون بعض أمانينا
اللون الأحمر مات بعهد (صلاح الدين)
فبعهد الملك المظفر (قطزٍ) ديست كرامتنا
وأتى بنو الإسلام إلى الناس بذلّتنا
فبماذا يكون الردُّ؟
أنجادلهم!
وبماذا نجادلهم؟!
الفلسفة؟ ماتت
إخوانٌ لصفا دثروا، وما بُعثوا
و(ابن سينا) مات واندثرا
و(الفارابي) .. ضاع بين (أرسطو)، و(أفلاطون)
لم يبق علينا إلا الحقد أو الغدر
بل كان الردّ:
الحقد.. ويسبقه الغدر
وصفات أخرى بالنفس أصيلة
أنتم ربَّيتم فيها كلَّ عزائمنا
وحقنتم فيها دمنا
التتري:
مهلاً.. لم أفهم عنكم بعدُ رغائبكم
هل قامت فيكم دولة!
هل بُحتم أسرار شريعتنا؟
هل ما زلتم تحتفلون بأعياد الملّة؟
بين سراديب العتمة.. أم تحت ضياء الشمس
فضياء الشمس عدوّ شريعتنا
وشعاع الشمس يفسد كل الأغذية
فالحقد ينام.. وينمو بين ثنايا ظلمة قلبٍ أسود
والغدر يعيش ويثمر بين تلافيف دماغٍ أفحم
القائد:
ما زلتَ تظن بأبنائك شراً يا أبت
هل تقدر عينان تعوّدتا سُدف الظلمة منذ قرون
أن تحتمل شعاع النور فوق سبع لفافات من ظلمة
إن عيون التتر
قد تحتمل ضوء الشمس
لكن..
لا بد للون الشمس من تجديد
الضوء الأبيض.. والنور الساطع من شيم الإسلام
والضوء الأسود.. والنور الأحمر مصبوغ بدماء أو أشلاء
عجنته سنون من قهر أو إذلال للبشر
طحنته فعال من تحقير.. أو إسفافٍ بحقوق الخلق
هذا الضوء الأسود في قلب التتري القابع فوق مئات الأجساد
هذا الحقد الأزرق ينهش من جثث الأولاد
يسحق تلك العظمات البلّورية في أذرع أطفال وبنات
يمتص دماء حمراً تجري بين خلايا الولدان المولودة من لحظات
ويكوّر قبضته نحو حوامل يصرخن حياة لجنين ينحطّ خوفاً من (جنكيز)
هذا اللون القاتم في الأعماق
يلوّن شمس الأرض
فيضيء الدربَ أما عيون التتر
التتري:
ما زالت نفسي تشعر سوء إدارتكم
أنتم أطفالٌ أمساخٌ لا تدري ما التتر
القائد:
سترى يا أبت بأن التتري العصري بفكرته
أشد صواباً من حضرتكم
التتري:
الزم حداً وضعته الآلهة الشريرة
لا تضرب سيفاً شُحذ بعهد (صلاح الدين) بأرض الصين
من أنت سوى فأر مسكين؟!
القائد:
يا أبت، ما أنا إلا بعض صنائعك
وورثت كثيراً من ألوان خلائقك
التتري:
أتريد بأن تقنعني أنك من تتر القرن العشرين
وأنك تفعل ما لم يفعله (الطوسي)، أو (الأفشين)!
القائد:
هذا هو الحقّ.. إله التتر
فانظر ماذا نفعل في هذي الأيام الطاهرة بطهر بغايا الأرض
التتري (ساخراً):
أتعرف ماذا كنا نفعل بالأعداء!
القائد:
عفواً أبت إذْ قلت لحضرتكم:
فغباء في أكثر ما ضيعتم من أوقات
كانت ألزم في إحراق مصاحف (عثمان)
لكن ضاعت في تمزيق شعوب تسكن إيران
ماذا جنيتم من سحق منازل مروٍ
والتنكيل بأهل خراسان
كيف تدوسون (قُماَ)
وتهدم أرماح التتر معبدنا في أرض الفرس (أصبهان)
حتى في كاظمة لم تدعوا نائحة تبكي وتنوح
أما فتّقت (كربلاء) لكم جروحاً
التتري:
يا طفلي، يا مسكين
أتظن بنا شراً، فتتهم عقائدنا، ومآثرنا
كيف لا نبكي مولاك (حسين)
أسمعت بذاك الثقفي المشهور
باسم المختار؟
ما ذا فعل بعد فناء بقايا أعداء البيت النبوي
من قتل ذاك الرجلُ العلويُّ؟
جاء بآل البيت صفاً صفاً
وبنى من كل الأعضاء
من كل نوع من أعضاء هذا البيت النبوي رفًا رفّاً
هذي نهايات هذا الدين
فآل البيتِ ستارُ
لـ(مزدك)، أو (ماني)، أو حتى (المزيار)
أفهمت يا طفلي المسكين؟؟
القائد:
ما زال خيط غباء يلفلف هذا الرأس
وغباء أنتج هذا المختار
لو سكت دون قرار
وأبقى (ابن الحنفية)، أو أي سفيه من آل البيت شعار
لغلب جميع الكفار:
أمويين، زبيريين
وعلا فوق الناس يقتل كل الأصناف
من آل البيت، أو أهل السنة
لكن دين الخبء لمّا أفشاه الجند
وأظهره المختار
فضاع، وضاع المختار
التتري (مهتماً):
يا هذا الفأر القذر
بدأ الجسد الضاوي في جنبيك
يكبر في نظري
فمن بين ثنايا هذا الرأس المتقوقع في صغر
ركام الحكمة يغلي في القدر
لكن أين نتائج أعمالك
نحن التتر لا نعرف غيباً
القائد:
من أين البدء:
من التعذيب؟؟
من تقتيل أو تشريد؟؟
التتري:
رويدك يا طفلي
أتريد بأن تعرف شيئاً من أعمال التتر
انظر خبري:
هولاكو يصل قلعة (ألموت(
بين ثنايا القلعة يكمن (طوسي) أسموه (نصير الدين)
فـ(نصير الدين))طُلب منه تغيير الاسم
اسمٌ رجعي لا يقبله التتر
هولاكو يصرخ فوق العرش وينادي (نصير الدين):
مشهد
(صوت جهوري جداً من خارج القاعة):
ما هذا الدين المنتصر؟؟؟
أين غبيٌ يُدعى بـ(نصير الدين)؟
صوت نصير الدين:
دينك يا مولاي
يا مولاي، نبوءة (عمر الخيام)
أيام (الحسن بن الصبّاح)
قالت: إن الدين الحق يحتاج إلى نصير الدين
هولاكو:
أدينٌ حقٌ بعد التتر
الطوسي:
إلهي.. هذا الدين هو (جنكيزٌ)، أو (هولاكو)
هولاكو:
ما كُتبِ الفقه هذي؟
تكتبها وتوقعها باسم الآيات، وروح الله؟!
الطوسي:
(نصير الدين) كلام يشمل كل الأديان
كتب الفقه كلام يشمل فقه الناس المنصوص عليهم في الحضرة
حضرة مولانا الخان
والآيات وروح الله تُكمل أوراق الفقه
ليصير الخان إلهاً في كل الأرجاء
فـ(نصير الدين) ضياء للتتر في فتح البلدان
هولاكو:
ما ذا تقدر فعله في الـ(ألموت)
الطوسي: في (الألموت) لا أفعل شيئاً
قد ذلّت تحت الأقدام التترية
لكن أفعل في (بغداد)
هولاكو:
بغداد، ماذا في بغداد؟!
الطوسي:
كل الخير يا مولاي
ذلَّت (بغداد) يا مولاي مذ ذلَّ الحكام لأولاد بويه
ذلَّلناها قبل التتر بمئات الأعوام
فالناس يا مولاي يحبون آل البيت
وبهذا اللغم نفجّر كل الأنحاء
هولاكو:
لكن ما زال خليفتهم يتربع عرش السلطان الأكبر
الطوسي:
خليفتهم في بطشتنا دون الخنصر
هولاكو:
من أين الأمل الواسع يا طوسي؟
الطوسي:
هذي الأمة تحمل بين جناحيها
قوّة قرآن ذلّ لكه كسرى، وانهار القيصر
لكن حمّلها إله الحقد (ابنُ سبأ) في جرثومة قوّتها
بذرة طيش وغباء
ينميها بعض الجهلاء ممن يُدعَون: العلماء
ما بين الفينة والفينة
ندعوهم لطعام دسم بالسمّ
هولاكو:
مذا في هذا الجمع بين النور والظلمة
الطوسي:
لا شيء سوى التقريب
بين مذاهب أهل الملة
فالكل يجمّعهم إسلام
هذا ما كان يناديه:
(المختار)، و(سمعان)، (وابن السوداء)
هولاكو:
ماذا أعطى هذا الأمر؟
الطوسي:
بذرة طيش وغباء
آتت كل الأثمار
فخليفة هذي الأمة
استوزر من نسل (ابن السوداء)
فوزير السلطان – الآن – يا مولاي
خادمك المخلص (محيي الدين)
هولاكو:
(ابن العلقم) يا (طوسي)؟
الطوسي:
هذا هو الحق يا مولاي
التتري:
هاتوا محيي الدين
مشهد
موسيقى عسكرية يدخل أثناءها (محيي الدين بن العلقمي) وزير الخليفة العباسي (المستعصم بالله)
الوزير (ينفض عن جسده الغبار):
من نادى في سدف الليل القاتم في الأعماق؟
هل هو هولاكو إله الدنيا
ويريد هلاك البغداديين؟
أم ان (نصير الدين) يسطر في الفقه كتباً
يبحث عن عونٍ كي يرضى الخان؟
هنا توقف القلم عند نهايات عام 1400 بعد الهجرة النبوية، وقد كان إتمام الفكرة أن الحكم القائم الآن، سيثبت للجنكيز وهولاكو أن ما قام به كان أكثر صواباً، وأشد فتكاً وحرباً ودماراً للأمة، فكل ما قام به التتر من قتل وإفناء للدولة والحضارة، إلا أنهم – على رأي التتريين الجدد- لم يهتموا كثيراً بقتل الدين من جذوره باستعمال رجال وارثين لابن العلقمي والطوسي، ورجال قادة أسماؤهم أسماء أهل الإسلام، ولكنهم أحذية لدهاقين الخان، وموظفين كماسحين لأحذية الفاعلين في السلطة، فعاثوا في الأمة إفناء وخراباً، فلا أرضاً أبقواً، ولا عباداً أمهلوا أو أهملوا، ولا ديناً حقاً بين الناس تركواً، بل جاؤوا برؤوس جهال منافقين نشروا العلم الذي يريدون، والفقه الذي يطلبون، لينشئوا أجيالاً أقرب للشياطين منها للبشر، ولكن: يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وسوم: العدد 837