سفانة بنت حاتم الطائي

لما جيء بسبايا بني طيئ إلى المدينة المنورة  وأدخل السبي على النبي

(صلى الله عليه وآله وسلم)،  دخلت مع  السبايا سفانة بنت حاتم  الطائي  وكانت أمرأة عيطاء لعساء ، عيناء

- و العيطاء : الطويلة المعتدلة بين النساء  ، 

واللعساء : جميلة الفم والشفتين ، و العيناء : واسعة العينين -

فعجب الحاضرون من حسنها وجمالها ،فلما تكلمت  نسوا حسنها وجمالها ، وذلك لعذوبة منطقها !

فقالت :

يامحمد ..هلك الوالد ،وغاب الوافد ، فأن رأيت أن تخلي  عني ولا تشمت بي الأعداء من قبائل العرب ،فأني أبنةُ سيد قومه، وأن أبي كان يُحب مكارم الأخلاق،وكان يُطعم الجائع ،ويفكُ العاني ويكسو العاري ، وما أتاهُ طالب حاجة  إلا ورّدهُ  بها معززاً مكرّماً ..

فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

من والدك و من وافدك ؟ 

قالت: والدي حاتم بن عبدالله الطائي ، ووافدي أخي عدي  بن حاتم

[وكان عدي قد فرّ الى الشام بعد هزيمة قبائل بني طي  أمام المسلمين في  السنة التاسعة من الهجرة  ،  ثم تنصّر هناك وإلتجأ إلى ملك الروم ، فقال  صلى الله عليه وسلم:

فأنت أبنة حاتم الطائي ؟

قالت:بلى..

فقال صلى الله عليه وسلم :

يا سفانة ..هذه الصفات التي ذكرتيها إنما هي صفات المؤمنين ، ثم قال لأصحابه :  أطلقوها كرامة لأبيها  لأنه كان يحب مكارم الأخلاق!!

فقالت:

أنا ومن معي من قومي من السبايا والأسرى ؟

:فقال صلى الله عليه وسلم:

أطلقوا من معها كرامة لها ولأبيها ، ثم قال صلى الله عليه وسلم :

[أرحموا ثلاثاً ، وحق لهم أن

يُرحموا :

عزيزاً ذلّ من بعد عزّهِ،

وغنياً افتقر من بعد غناه ، وعالماً ضاع ما بين جُهّال ]

فلما رأت  سفانة هذا الخلق الكريم الذي لايصدر إلا من قلبٍ كبير ينبض بالرحمة والمسؤولية ،

قالت وهي مطمئنة : 

أشهد أن لاإله إلا الله.....وأشهد أن محمداً رسول الله،  وأسلم معها بقية السبي  من قومها ، وأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ماغنمه المسلمون من بني طيئ  إلى سفانه،  ولما تجهزوا للرحيل  قالت سفانة : يارسول الله إن بقية رجالنا وأهلنا صعدوا إلى صياصي الجبال خوفاً من المسلمين  فهل ذهبت معنا  وأعطيتهم الأمان  حتى ينزلوا  ويسلموا على يديك فأنه الشرف ؟ فقال

(صلى الله عليه وآله وسلم):

سأبعث معكم رجلاً من أهل بيتي دعوته كدعوتي يحمل إليهم أماني ،فقالت من هو يارسول الله ؟

قال: علي بن أبي طالب..

ثم أمر النبي أن يجهزوا لها هودجاً مبّطناً  تجلس فيه معززة  مكرمة  وسيرها مع السبايا من قومها ومعهم علي عليه السلام  حتى وصلوا إلى منازل بني طي في (جبل أجأ)

ونادى الإمام علي  بأمان رسول الله بأعلى صوته حتى سمعه كل من في الجبل،فنزلت رجال طي وفرسانها جماعات وفرادى إلى الوادي فلما وقعت أبصارهم على نسائهم وأبنائهم وأموالهم  وقد عادت إليهم بكوا جميعا  وألتفوا حول الإمام  وهم يرددون الشهادتين ،فلم يمض ذلك اليوم إلا ودخلت كل قبيلة بني طي في الإسلام ، ثم بعثت سفانة الى أخيها عدي تخبره عن عفو رسول الله 

صلى الله عليه وسلم وكرمه وأخلاقه ،وحثـّتهُ على القدوم إلى المدينة المنورة ومقابلة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم

والإعتذار منه والدخول في الإسلام ،فتجهز عدي من ساعته وقصد المدينة ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأسلم على يديه  الشريفتين  ،ثم عاد الى قومه معززاً مكرماًً وصار بعد ذلك من خيار المسلمين ..

هكذا نرى كيف أن هذا الخلق النبوي قد جعل من الناس العصاة بشر

طائعين مسلمين ،وكيف أن  هذه الوقفة النبوية الكريمة قد أعادت للناس الثقة بأنفسهم وأعطتهم الدافع القوي من أجل الإنخراط في أجواء المجتمع الإنساني من جديد  ...وكيف رأينا بأن الإنسان عندما يجد عزته وكرامته تعطى له ، ولاتسلب منه ولايُغمط حقه أو تُصادر  حقوقه أو تُنتهك حريته ، فأنه يتحول إلى إنسان صالح  نافع في المجتمع الذي ينتمي إليه، ويصبح تفكيره دائماً في دائرة الخير والبناء و الإصلاح ، ولايدع نوازع الشر والتمرد تتسلط على عقله وتفكيره ،  وهذا كله جاء نتيجة الموقف الكريم  والخطوات المسؤولة التي اتخذتها القيادة الصالحة التي تستشعر المسؤولية في كل مواقعها الإنسانية النبيلة..  

هذا هو الإسلام الحقيقي ومن تخلق بعكس ذلك فهو ليس من الإسلام في شئ ...

ولا يجوز لنا ان نأخذه نموذجا او مقياسا للإسلام والمسلمين  مهما كان اسمه او مظهره  ....

وسوم: العدد 838