بين جدران قلب..
بين جدران قلب..
سحر المصري
طرابلس - لبنان
[email protected]
قابعةٌ في عمق غرفةٍ تتلفّتُ يمنة ويسرى.. هل من سبيلٍ فتهرب؟! تكاد الجدران تطبق على صدرها لتحطم الضلوع.. فتبدأ بتحطيم الأحلام وزعزعة النبضات!
في زوايا هذا البيت كان ثمّة أمل.. بأن الآتي لا بد أجمل! قبل أن تستسلم لطرقات الحزن المتتالية على باب الأمنيات! فغزا ذلك اللئيم الأماكن والفراغات.. ليملأ كل مساحة كانت يوماً خضراء.. فاكتنفها الوجل!
دائمُ الانشغال.. يترنّح بين عملٍ هنا واستحقاق هناك.. يحاول صفَّ عبارات حبّ تبلُّ ريقها.. فينجح مرّةً.. ويخفق مرّات! فما تتوخّاه من هذه العلاقة هو أكثر بكثير من مجرّد كلمات..
هي: مخنوقةٌ أنا.. هل نستطيع الخروج الليلة "لأتنفّس"؟!
هو: لديّ مواعيد هذا المساء.. هل يمكن أن نؤجّلها إلى يوم آخر لا أكون فيه مشغولاً؟!
هي: وهل يمضي يومٌ لا تكون فيه مشغولاً حتى النخاع؟! وكم مرة تواعدنا فأخلفت لأنّ كل شيء لا يمكن أن يؤجَّل إلا أنا! عليّ أن أستوعب وأضحّي وأكابر! وهذا يعطيني انطباعاً أن كل شيء هو أهم مني!
هو: تعلمين جيداً أنني مرتبط بعمل لا ينتهي بنهاية الدوام.. ما يعني أنه يتوجّب عليّ أن أتابع كل حين.. ولا أقوم بكل ذلك لنفسي فقط! وإلا فكيف سأنفق على هذا البيت لتعيشوا في المستوى ذاته؟!
هي: نعم.. أعلم أنك تعمل من أجلنا وستؤجر بإذن ربي جل وعلا.. ولكن لأهلك عليك حق! بتّ أتوق أن نخرج معاً كأي زوجين.. نتحاور في مواضيع شتّى حتى لو لم تكن ذات أهمية.. نحتسي القهوة معاً.. ننظر في عيون بعضنا لنخترق الجُدُر ونتوغلَ حتى الشغاف! أنت حبّي البعيد.. وأنا المحبوسة بين جدران قلبك بقيود نسجْتَها بيديك!
هو: وكأنني لا أتكلم معك.. ولا أعطيك ما ترغبين.. ولا أهتم بك.. كوني منصفة! لم يتبق إلا أن تقولي أنني لا أحبك وأنني فقط أبيع الكلام حروفاً بالمزاد!
متعِبةٌ هي الهواجس التي تجتاح كلا القلبين.. ومضلِّلةٌ هي تلك الأقكارُ التي يقرؤها كل واحد حين ينظر من زاويته.. دون أن يفهمَها الآخر لأنه لا يرى إلا ما يريد رؤيته.. وقد يكون كلا الزوجين على حق في الموضوع عينه وما يترتّب عليهما هو أن يتحاورا ليتفهّم الواحدُ وجهة نظر الآخر بهدوء وحب!
فالمرأة تعمِّم حتى يُخيَّل للسامع أنها "لم ترَ خيراً منه قط"! وما تريد قولَه هي ليس ذاك! وإنما غاية مطلبها أنها تريد القرب منه أكثر.. وأن تشعر بنَفَسِه على زجاج قلبها لترتاح وتستبشر.. ولِم كل ذلك؟! لأنها تحبه! وتحتاجه! وربما تعشقه!
وهي حين تشتكي إنما تريد "الدنوَّ" منه.. وليس النقد ولا الاستهزاء!
والرجل حين ينشغل ويعطي بعض وقتٍ لزوجته يهيَّؤ إليه أنه –ربما- يفي بحقها عليه.. ويحتسب وقت العلاقة الخاصة من وقتها كأن لا حظ له فيها على أساس أنه يقوم بهذه العلاقة من أجلها فقط!! ويعتبر أن كلامه "العادي" معها في شؤون العمل والبيت هذا منتهى ما بينهما.. والأمر ليس ذاك بالنسبة للمرأة! فهي تريد وقتاً تختلي فيه بحبيبها ليتكلما عن بعضهما.. مشاعرهما.. همومهما.. وربما عن لا شيء يهم! فقط هي جلسة ولو قصيرة قد لا تتعدّى النصف ساعة في اليوم لتتعانق روحاهما وينجلي الران! تحتاج هذا الوقت لتدرك أنها ذات أهمية في حياته.. وأنه متلهّف لها ولشذى حديثها.. في أي شأن تكلّما! بعيداً عن صخب الحياة! فقط هو.. وهي! ولا حجّة لرجل في انشغاله.. فمهما تكن المهمات فلن يكون منشغلاً أكثر من الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه إذ كان قائدَ الأمّة!! ولم يشغله ذلك عن أن يكون زوجاً شغوفاً مداعباً مهتماً يقف لأمنا عائشة حتى تشاهد لعب الحبشة في المسجد!
على الزوجين أن يقرآ بعضهما بشكل أفضل.. وأن يتبادلا الأدوار ويديرا الطاولة ليعلم كل واحد كيف يفكر الآخر.. وعليهما أن يعلما ماذا يريد الآخر ليقدِّمه له بقلب مُحِب فيتقبَّله الآخر بقبولٍ حسن.. فليس العطاء هو المهم بحد ذاته.. بل لا بد من مراعاة كيفية العطاء وماهية هذا العطاء وهل هو ما يرغبه الطرف الآخر؟! فقد يعطي الزوج الكلمة وتكون الزوجة بحاجة للبسمة أو للنزهة مثلاً..
فلنتفهّم الآخر.. ولنتيقن من لغة الحب التي يريدها.. حتى لا تصادف الإطراءات قلباً عاشقاً فترتدّ على أعقابها!
الحب فلسفة.. وهو يحتاج إلى حوار ورعاية واحتواء.. يحتاج إلى أفعال وليس فقط أقوال.. فحتى الإيمان لا يصحّ بمجرد قول اللسان.. وإنما يحتاج إلى ما وقر في القلب وصدّقه العمل وبنيّة خالصة.. فكذلك الحب يحتاج إلى ريّ وأن يشعر المرء بارتواء.. ليكون سكناً! وحتى لا يبقى الزوج –أو الزوجة- حبيس جدران القلب.. فلا يشعر بفضاء العشق الرحب!
فطوبى لزوجٍ وعى.. وزوجةٍ رَعَت!