وقفة مع كلمة فضيلة العلامة السيد مصطفى بنحمزة في تعاطي الشعر والمديح النبوي
وقفة مع كلمة فضيلة العلامة السيد مصطفى بنحمزة في تعاطي الشعر والمديح النبوي خلال الدورة الأولى للأيام التكوينية لفائدة الشباب المادح بمدينة وجدة
نظمت بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة يومي 29 و30 غشت 2019 الدورة الأولى للأيام التكوينية لفائدة الشباب المادح تحت شعار : "من أجل شباب متقن لفن المديح والسماع ومتخلق بقيّمه "، وتميّز افتتاح هذه الدورة بكلمة توجيهية لفضيلة العلامة السيد مصطفى بنحمزة ركز فيها على ضرورة تدارك ما فات الأمة من اهتمام بقضايا وأمور من اهتمامات وانشغالات ديننا الحنيف منها على سبيل المثال لا الحصر دور المرأة التي ظل الاهتمام بدورها غائبا زمنا طويلا مع أنه يعتبر رياديا كما أثبت ذلك بعدما أفسح لها المجال للاضطلاع به ، وكان إغفال دورها زمنا طويلا خسارة لنا كأمة مسلمة .
ومن القضايا التي أهملت أيضا إلى جانب قضايا أخرى مع أنها من صميم اهمامات ديننا قضية الشعر والمديح النبوي التي استوقفت فضيلة العلامة طويلا في كلمته ليذكر بسنة من سنن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي كان يستنشد الشعر ويستمع إليه ، وإلى من يمدحه ، وفي مدحه مدح لدين الله عز وجل و يتذوق ويستجيد جيده الذي يتغنى بالقيم الأخلاقية والإنسانية الراقية ، وقد سرد بعض شهاداته وأقواله في شعار شعراء كلبيد والخنساء وطرفة وغيرهم ، كما ذكر خلع بردته على كعب بن زهير يوم وفد عليه مادحا ومعتذرا وطالبا عفوه .
ومما جاء في كلمة فضيلته اعتبار الشعر من أرقى أنواع الكلام الذي لا يفوقه سوى كلام رب العزة جل جلاله . وقد ذكر ما سجله الشعر العربي قديما وحديثا من ملاحم ثم أفضى به الحديث إلى موضوع الدورة وهو المديح النبوي الذي حظي باهتمام عدد لا يحصى من الشعراء قديما وحديثا مشيرا إلى أن الشعر لم يتعرض لمدح شخص في التاريخ كما تعرض لمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاقت قصائد في مديحه قصاد يونان الملحمية طولا .
وتوقف عند بردة الإمام شرف الدين البوصيري التي تعتبر رائعة المديح النبوي قديما وحديثا دون أن يفوته ذكر ما يقوله فيها مرضى الأذواق ممن يرون في انحسار عباءاتهم على أجسادهم وإرسال لحاهم فضلا على من سواهم ، وأنها تخول لهم الوصاية على الإسلام ، والحكم على أهله بالتكفير والتفسيق . وقد نالوا من الإمام شرف الدين البوصيري بسبب رائعته في مدح الرسول وهم يجهلون ما ضمنها من منافحة عن الإسلام ووقوفه في وجه من كانوا يستهدفونه في زمانه ، وقد أشار إلى ذلك إشارات ذكية وقف عندها فضيلة العلامة ليثبت جهل الجاهلين الذين لم يدركوا قصد صاحبها، وأضفوا على شعره فهمهم السقيم علما بأن آفة الرأي الهوى ، وشر الهوى ما ظن صاحبه العلم وهو جاهل ، والورع وهو واهم، والحق وهو على باطل ، والاتزان وهو متعصب .
ولقد وردت في كلام فضيلته إشارة إلى فضيلة العلامة السوداني المرحوم الدكتور عبد الله الطيب المجذوب الذي كان ينكر تعمد الغرب عدم ترجمة رائعة الإمام شرف الدين إلى لغاتهم ،علما بأن السر وراء ذلك لا يخفى وهي التي تتغنى بقيم النبوة والإسلام الراقية ، لهذا كان الاستشراق الماكر يسمي عصر القصيدة النبوية وهو عصر الإمام البوصيري عصر انحطاط كما كان فضيلة الدكتور المرحوم يذكر ذلك باستمرار، وكان رحمة الله عليه شاعرا مطبوعا يغيض حساده بشعره الرصين ، ويرون في متانته ورصانته وطبعه تكلفا وما هو بتكلف إن هم إلا يظنون وما هم بمستيقنين .
ووقفتي مع كلمة فضيلة العلامة السيد مصطفى بنحمزة إنما أردت بها التنبيه إلى تغييب سنة المرسلين في استنشاد الشعر وسماعه وتذوقه مع أن دور قديمه في التعامل مع كلام الله عز وجل لا ينكر كما أشار إلى ذلك فضيلته .
ومن المؤسف أن يبلغ الجهل بين بعض المحسوبين على التدين ـ ياحسرتاه ـ حد الازدراء به مع أنهم عالة عليه في فهم كتاب الله عز وجل إن كانوا له فاهمين وما أظن الفهم يسعفهم وقد تكلست عقولهم وهم لا يشعرون . ومن استخفافهم بالشعر مخاطبة من يتعاطونه بما يشبه السخرية ، ويرونهم دونهم منزلة وقدرا ، ويرون الاشتغال بالشعر من خوارم المروءة ، وهم ينزهون أنفسهم عنه مع أنهم أعجز عن أن يقرضوا بيتا منه أو يتذوقوا بيتا مما ينشده شاعر من الشعراء .
ومما يدل على سقم أذواق هؤلاء أن الشعراء اليوم ينشدون قصائدهم وتمر ببعض الأبيات معان كان من المفروض أن يقام لها ولا يقعد، ولكنهم لا يحركون لسماعها ساكنا لأنه ليس بينهم وبين تذوق الشعر إلا الخير والإحسان كما يقول العوام تعبيرا عن جهل الجاهلين .
ولقد كان فضيلة العلامة السيد مصطفى بنحمزة وهو صاحب قدم راسخة في العلم عموما وفي العلم بالشعر وتذوقه خصوصا مواقف مشرفة ، فهو يدعو الشعراء إلى حضور المناسبات والأنشطة الدينية لإنشاد أشعارهم سيرا على عادة ودأب الأمة التي نزل القرآن بلسانها العربي المبين ، والذي أشاد بالصالحين من الشعراء الذي انتصروا لدين الله عز وجل على شعراء يقولون ما لا يفعلون وهم في كل واد يهيمون ويبغون غواية الغاوين .
وسيسجل التاريخ لفضيلة العلامة موقفه المشرف من الشعر ومن المديح النبوي الذي يعتبر من صميم خدمة الإسلام ونشر قيمه الأخلاقية الراقية ، وإنه لجدير بصادق الثناء على وقوفه مع الشعر والشعراء والمدح والمدّاح بنية ترشيد الشعر والمديح ، وصيانته من الابتذال كما يريد لهما البعض لتعطيل دورهما في تربية الناشئة التربية الصحيحة السليمة المحافظة على الهوية الإسلامية . فشكرا لفضيلة العلامة على كلمته الوازنة في الشعر والمديح النبوي وجزاه الله عز وجل خيرا عن الشعر والشعراء والمدح والمدّاح.
وسوم: العدد 840