عبد الحميد بن باديس بين استغلال أمين الزاوي ومدحه لأتاتورك
وضع زميلنا الأديب الفصيح صدام حسين مجاهد مقال للأمين الزاوي بعنوان: "هل كان الشيخ عبد الحميد بن باديس علمانيا؟" ومحتواه أنّ الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه طالب بفصل الدين عن الدولة وتجسّد ذلك في دعوته لتعلّم اللّغة الفرنسية والموسيقى ومدحه لأتاتورك يوم وفاته ونقل المقطع الدال على ذلك وفي نفس الوقت يعاتب الزاوي المحبين والمعجبين بابن باديس لأنّهم ليسوا مثله في مطالبته بفصل الدين عن الدولة، وعليه أقول:
1. أصاب أمين الزاوي في نقل المعلومة عن عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه لكنّه أخطأ في سوء التوظيف والتقدير والتحليل.
2. عبد الحميد بن باديس حين طالب بتعلّم اللّغة الفرنسية إبّان الاحتلال الفرنسي فإنّ ذلك ممّا لا يسيء إليه ولا يشينه لأنّها كانت لغة الجميع ولغة الواقع وابن باديس لم يكن بدعا من المثقفين والجزائريين جميعا الذين كانوا يتحدّثون اللّغة الفرنسية ويكتبون بها وأبدعوا عبرها وتفوّقوا على الفرنسيين. وموقف ابن باديس من اللّغة الفرنسية لا علاقة له بفصل الدين عن الدولة إنّما له علاقة بظرف مرّت به الجزائر ألا وهو الاستدمار الفرنسي وابن باديس كان شاهدا على الفترة وتعامل معها فيما يخصّ اللّغة الفرنسية كما تعامل معها المجتمع الجزائري برمته ولم يقل أحد يومها ولا بعدها أنّ المجتمع الجزائري يطالب ويطبّق فصل الدين عن الدولة لأنّه يتحدّث ويكتب ويعبّر ويخاطب المستدمر الفرنسي باللّغة الفرنسية.
3. حين رأى عبد الحميد بن باديس الاستدمار الفرنسي وهو يطبّق على فرنسا مبدأ فصل الدين عن الدولة وفي نفس الوقت تتحكّم فرنسا في الشعائر الإسلامية في الجزائر المحتلة فتمنعهم من تطبيق الإسلام في حياتهم وتتدخل في خطبة الجمعة وتعيين الإمام وتفسير القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بما يخدم الاستدمار ويثبّته طالب حينها بفصل الدين عن الدولة أي بعدم تدخل فرنسا المسيحية والصليبية في الشعائر الإسلامية للجزائري وعلى فرنسا أن تعامل الجزائري من حيث فصل الدين عن الدولة كما تعامل الفرنسي حين لا تتدخل في شؤونه الدينية. إذن فصل الدين عن الدولة بمفهوم ابن باديس معناه إبعاد فرنسا المحتلة الصليبية المسيحية عن الجزائريين المسلمين وعدم التدخل في شؤونهم الدينية الإسلامية.
4. لمعرفة طلب عبد الحميد ابن باديس فصل الدين عن الدولة وتعلّم اللّغة الفرنسية من فرنسا المحتلّة يومها لابدّ من الوقوف عند السّياق التاريخي بتعبير المؤرّخين وواضح جدّا أنّ أمين الزاوي لم يقف عند هذه النقطة لذلك أساء لعبد الحميد بن باديس في هذه النقطة.
5. أخطأ أمين الزاوي حين اعتقد أنّ عبد الحميد بن باديس كان يريد بمطلبه من فرنسا المحتلّة فصل الإسلام عن المسلمين وعن الدولة الجزائرية وعن المجتمع الجزائري وأجزم لو أنّ عبد الحميد بن باديس كان حيّا معنا لرفض هذا المفهوم بقوّة ولا يعقل أن يقبله ويرضاه لنفسه وللمجتمع الجزائري.
6. أقف وبقوّة مع عبد الحميد بن باديس حين طالب فرنسا الاستدمارية بفصل الدين عن الدولة وكان يقصد من خلال طلبه عدم تدخل فرنسا الصليبية المحتلة في الإسلام وفي حياة المسلمين وفي الشعائر الإسلامية التي تربى عليها الجزائري وبالفطرة منذ 14 قرنا.
7. فيما يخصّ مدح عبد الحميد بن باديس لأتاتورك فإنّ ذلك لا يعبّر بشيء عن أنّه كان يدعو إلى فصل الدين عن الدولة لكنّ ما يجب التأكيد عليه أنّ عبد الحميد بن باديس أخطأ في مدحه لأتاتورك وما كان ينبغي له أن يسقط في هذا المستنقع.
8. لا يمكننا بحال أن نجد عذرا لعبد الحميد بن باديس وهو يمدح ويرثي أتاتورك إثر وفاته سنة 1938 أي بعدما تبيّن للعالم أجمع مكر وخبث وجرم وسوء كمال أتاتورك وكان عبد الحميد بن باديس يوم رثاه في 49 من عمره باعتباره من مواليد 1889 ولم يكن الشاب المتحمّس حتّى نجد له الأعذار والتبريرات ولقي ربّه بعد عامين فقط باعتباره توفي في 16 أفريل 1940 ولا أعرف لحدّ الآن أنّ عبد الحميد بن باديس تبرّأ وتراجع ممّا ذكره في حقّ أتاتورك من مدح ورثاء وهو في 51 من عمره.
9. ما يجب ذكره في هذا المقام أنّ أحمد شوقي مدح كمال أتاتورك عبر قصيدة من 88 بيت وكان مطلعها: " الله أكبرُ كم في الفتح من عَجَبِ... يا خالدَ التُركِ جدّد خالدَ العَرَبِ" لكنّه تدارك الأمر وتراجع عن مدحه والثناء عليه حين ظهرت حقيقة أتاتورك وألقى فيما بعد قصيدة يهجو فيها سوء أفعال أتاتورك ولقي ربّه بتاريخ 14 أكتوبر 1932وهو يتبرّا ممّا قاله ويهجو أتاتورك وهذا ممّا لم يفعله عبد الحميد بن باديس - فيما نعلم لحدّ الآن- ولقي ربّه وهو يمدح ويرثي المجرم أتاتورك.
10. المطلوب الآن وقد استشهد أمين الزاوي بمدح عبد الحميد بن باديس في مدحه لأتاتورك الإعلان جهرا أنّ عبد الحميد بن باديس أخطأ في مدحه لأتاتورك ورثاه وما كان له أن يفعل ذلك ولا يمكن بحال التبرير لموقفه هذا وقد ذكرت الأسباب أعلاه ويبقى الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه عالي المقام له مكانته ومنزلته ولا ينقص من قدره قدر أنملة.
11. كما دافعنا عن عبد الحميد بن باديس حين وقفنا غير نادمين ولا آسفين إلى جنب عبد الحميد بن باديس في مطلبه فصل الإسلام عن فرنسا المحتلة الصليبية ورددنا تهمة أمين الزاوي حين أراد أن يستغلّه استغلالا لم يكن يقصده عبد الحميد بن باديس وفي نفس الوقت لا نقف مع عبد الحميد بن باديس ونظلّ ننتقده ونعارضه غير نادمين ولا آسفين في مدحه ورثاه لأتاتورك ولا نجد له عذرا ولا تبريرا - لحدّ الآن- ونراها من الأخطاء التي وقع فيها وما كان ينبغي أن يقع فيها رحمة الله عليه وأسكنه الفردوس.
وسوم: العدد 840