صلح الحديبية لم يكن إملاء من قريش
لم يكن صلح الحديبية أبدا "إملاء؟ !" من قريش ولا من مفاوض قريش سهيل بن عمرو للأسباب التالية:
1. سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مفاوض بارع يحسن جيّدا متى يتمسّك بمطالبه ومتى يقبل ببعض بنود قريش وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يتنازل عن مايمسّ دينه وعقيدته وأرضه ومجتمعه وخيراته إنّما قبل بنقاط ليست من جوهر المفاوضات وقبولها لايسىء إليه كمفاوض بارع.
2. بعد الشروع في تطبيق المعاهدة بأيام رجعت قريش إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تترجاه وتتوسّل إليه ليعيد النظر في المعاهدة لكي تكون في صالحه بعدما زعمت قريش ومفاوضها أنّها الرّابحة في كلّ البنود.
3. إن الله تعالى وصف صلح الحديبية بالفتح المبين حين قال: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا" الفتح - الآية 1 والفتح المبين لايكون أبدا من إملاء قريش ولا مفاوضها والعدو لايمنح عدوه فتحا مبينا.
4. قريش لاتفاوض إلاّ قوي وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو المفاوض القوي لايمكن لقريش أن تملي عليه شروطها وبنودها كما جاء في كيفية عرض صلح الحديبية.
5. لا يمكن بحال لقريش أن تملي شروطها على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يمسّ دينه وعقيدته وشريعته ووطنه وخيراته.
6. رفض سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم شروط قريش وهو الضعيف الفاقد للعدد والعدّة بعد موت عمّه أبوطالب وقبله حين كان وحيدا وبعض الفقراء الضعفاء من أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا فكيف يرضى شروط قريش وهو في الحديبية على أبواب مكة ويملك 8 آلآف مقاتل لا تطيقها قريش ولا تتحمّل نتائجها.
7. قريش هي التي سعت لإبرام صلح الحديبية عن ضعف وليس عن قوّة والضعيف لايمكنه بحال أن يفرض شروطه على القوي وهو سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
8. متى يقال أن المفاوض الفلاني أملى شروطه على المفاوض الفلاني ؟ والإجابة حين يمسّ جوهر عقيدته ويتخلى عن مقوماته الأساسية ويبيع أرضه وخيراته وشعبه بالمجان وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يفعل ذلك أبدا لا في بداية دعوته حين كان ضعيفا ولا في صلح الحديبية وهو القوي.
9. مسألة كتابة "بسم الله الرحمن الرحيم" و كتابة "اسم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مجرّدا من الرسالة " لايعتبر في نظر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في تلك الظروف ومع عدو يحاربه - أقول في تلك الظروف وعدو – من جوهر وأساس المفاوضات لذلك قبل بها وليست إملاء من طرف قريش. وفي هذه الحالة تعتبر قريش عدو محارب ولا يمكن بحال التفاوض مع عدو محارب في مسألة البسملة والاسم المجرّد لأنّ ذلك لايعتبر من جوهر المفاوضات.
10. يمكن للمتتبّع أن يقف على رسائل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم التي بعثها للملوك والأباطرة والأكاسرة بعد صلح الحديبية ويقف على اللّهجة القوية الشديدة التي ميّزت الرسائل حين خيّرهم بين الدخول في الإسلام وعاقبته الوخيمة عليهم إن هم حاربوه وواجهوه وكانوا أشد قوّة وأكثر بطشا وأعظم عددا وعدّة من قريش ولم يتنازل وهو الضعيف يومها بالنسبة لعددهم وعدّتهم بل إنّه جهّز جيشا لكسرى الذي مزّق رسالته الكريمة وقتل مبعوثه رضوان الله عليه. ويمكن التساؤل بعدها: إنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي واجه الأكاسرة والأباطرة لايمكنه بحال أن يرضى "إملاء؟ !" قريش وهي دونهم وأضعف منهم بل لامجال للمقارنة في شيء.
11. قبول سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لبعض نقاط بنود صلح الحديبية يعتبر مرونة من المفاوض وبعد نظر وحقنا للدماء واحتراما لحرمة مكة ومراعاة لسلامة وأمن ساكنيها ولا يمكن بحال القول أنّ هناك "إملاء؟ !" من قريش فإنّ ذلك من السياسة الدعائية والحرب النفسية التي ادّعتها قريش وادّعاها مفاوض قريش.
12. سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يعلم أن ماتعتبره قريش شرطا لن يتحقّق لأنّ أعداد المسلمين ارتفعت بل وجدت نفسها في ورطة حين خرج عليها من أسلم من أبنائها وممن تحت أيديها ورفض سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم استقبالهم احتراما لبنود المعاهدة فكوّنوا مجموعة ضغط بالتّعبير السّياسي المعاصر ضدّ قريش ماجعلها تتوسّل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يلغي البند الخاص بـ "من خرج من قريش يقصد المدينة يرد أما من خرج من المدينة الى مكة لا يرد" مايدل على أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يرضخ للشروط ولا لـ "إملاء؟!".
13. الضعيف في علم المفاوضات هو من يتراجع والقوي هو من يتمسّك ببنوده وقريش في صلح الحديبية هي التي تراجعت وطلبت تعديل المعاهدة وإلغاء البند وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يطلب التغيير ولا الإلغاء بل توسّلوا إليه ليقبل طلبهم وليس "شروطهم".
14. تقوم المعاهدات على جملة من المطالب ويديرها مفاوض من هذا الطرف وذاك وكلّ يسعى لتحقيق أهدافه بأقلّ الخسائر. ومن الناحية الشكلية تبدو أن قريش وضعت شروطا وقبلها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لكن من الناحية الجوهرية سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يقبل ولم يرضخ لشرط يمس كيان الدولة والشريعة وخيرات الوطن والمجتمع بل قبل ببنود لاتهدم الدولة ولا تبيع الوطن. وللدلالة على ذلك كمثال هل قبل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ببند أن لايعود إلى مكّة مطلقا؟ هل سلّم مكّة نهائيا إلى قريش؟ لم يحدث هذا أبدا لأنّه بند يمسّ بجوهر الدين ويبيع الوطن وما كان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يرضى بذلك وأن يفعل ذلك. وفي المقابل رضي ببنود يمكن معالجتها فيما بعد ومنعدمة التأثير ولا تغيّر مسار الأحداث لصالح قريش وإن كان في مظهرها الخارجي تبدو أنّها لصالح قريش.
15. سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مفاوض مخلص أمين يرفض الشروط التي تمسّ كيان الدولة والدين والوطن ويقبل بالبنود التي تعزّز مستقبله وتحفظ كيان دينه ودولته ومجتمعه. إذن المسألة لها علاقة بطبيعة الشروط ومدى تأثيرها حاضرا ومستقبلا على المفاوض والدين والدولة والمجتمع وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يقبل شرطا يمسّ به كمفاوض وكرسول من اللّه تعالى ورضي ببنود خدمته كثيرا وخدمت الرسالة فيما بعد مايدل على أنّه هو الذي حدّد البنود التي سيقبلها والتي ستكون لصالح مستقبلا.
16. عبر كافّة مراحل صلح الحديبية كانت اليد العليا لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وظلّت يده صلى الله عليه وسلّم عليا بعد ظهور نتائج المعاهدة في عامها الأوّل.
وسوم: العدد 841