منظّرو الأمّة ، والنظريات النافعة والضارّة ، والتعميمات المؤذية والقاتلة !
في كلّ أمّة منظّرون ، يضعون لها النظريات المتنوّعة ، في سائر مجالات الحياة : في السياسة والاقتصاد ، والأدب والفنّ ، والتربية والأخلاق .. وغيرها ! ويستمدّ المنظّرون الحقيقيون الكبار، عادةً ، نظرياتهم ، من مزيج فكري معقّد ، مكوّن من عناصر شتّى : من قراءتهم للماضي .. وتعمّقهم في دراسة الحاضر.. واستشرافهم للمستقبل ، وتصوّرهم له !
وقد ظهر مصطلح (منظّر)، في العصور الأخيرة ، عصور الاحتكاك ، بالفكر الغربي النصراني، والتأثّر به ! كما ظهرت مصطلحات ، قريبة من هذا المصطلح ، أو مشابهة له ، أو متساوقة معه ، مثل : مصطلح المفكّر، ومصطلح المثقّف.. وغيرهما !
وكانت قد ظهرت نظريات ، في الغرب النصراني ، غيّرت الكثير، من القيَم الاجتماعية والخلقية، عند الناس ، منها : نظرية (فصل الدين عن الدولة) ، المستندة ، في نظر بعضهم ، إلى قول المسيح ، عليه السلام : أعطوا مالله لله ، وما لقيصر لقيصر! فطُبّقت نظرية ، فصل الدين عن الدولة ، في واقع الحياة ، فحُصر الدين ، في الكنيسة ، وصارت حياة الناس ، خاضعة لأفكار المنظّرين، وأهواء المفكّرين والمشرّعين؛ فأباحوا سائر المحرّمات ، التي كان النصارى يجتنبونها، من منطلقات دينية ! وحَصّنوا اقتراف المحرّمات ، بقوانين ، تسنّها المجالس النيابية ، المنتخَبة من الشعوب ، ومنها : الزنا بانواعه ، بما فيها الشذوذ الجنسي ! حتى ارتَكَست الحياة الأوروبية، في حمأة ، من الفسق العجيب ، حذَّر منها ، كثير من المفكّرين الغربيين ، وتكهّنوا ، بسقوط الحضارة الغربية ، المنغمسة بهذه الأنواع ، من الرذائل الاجتماعية والخلقية ، المدمّرة! أصناف المنظّرين : ويصنَّف المنظّرون ، في بلادنا ، أصنافاً عدّة ، فمنهم :
القوميون ، والعلمانيون ، والليبراليون ، والإسلاميون .. وغيرهم ! ولكلّ من هؤلاء ، منطلقات فكرية ، تختلف ، كثيراً أو قليلاً ، عن غيرها .. وتتقاطع ، كثيراً أو قليلاً ، مع غيرها !
مستويات المنظّرين ، العلمية والعقلية ، في بلادنا العربية المسلمة : تتفاوت المستويات ، كثيراً، بين أنواع المنظّرين ، وقدراتهم العلمية والعقلية ! فمنهم مَن يُعَدّ منظّراً حقيقياً ، ومنهم مَن ليس له من المصطلح ، غيرُ اسمه ! وبينهما أصناف متعدّدة ، ومستويات متعدّدة ! وكثير منهم كالببغاوات ، يردّدون أقوال المنظّرين الغربيين ! وبعضهم يشتطّ ، في سعيه ، إلى سلخ أمّته العربية المسلمة ، من دينها ، ومن كلّ ماينبثق عنه ، ويستند إليه ، من : قوانين وتشريعات ، وقيَم وأخلاق ..! والكثيرون منهم ، يطلقون تعميمات غريبة ، هي أقرب إلى الجهالة الحمقاء، منها إلى التفكير السويّ ، بَلْهَ التنظير المتّزن الواعي ! كما راجت ، عند بعضهم ، من سنوات، صَرعة ، اسمُها : نقد العقل العربي ! وكأنّ العقل العربي ، عقل فرد ، يُنظر إليه عبر منظور واحد ؛ لا عقول ملايين البشر، المتفاوتة : وعياً ، وعلماً ، وعمقاً ، عبر مئات السنين، وعبر دول شتّى ، وأقاليم متباينة متباعدة !
ولن تنحدّث ، هنا ، عن أهداف بعض المنظّرين .. وارتباطاتهم ، بدوائر ثقافية وأمنية مختلفة؛ فهذا يحتاج ، إلى بحوث طويلة مفصّلة !
وسوم: العدد 841