على هامش التحرّك التركي في نبع السلام
بتعطيلهما صدور قرار تقدّمت به المجموعة الأوروبية، في مجلس الأمن، الخميس: 10/ أكتوبرـ الجاري؛ لإدانة التدخل التركي شرق الفرات في سورية، تكون الصورة قد اتضحت إلى حدّ كبير، و بان حجم التنسيق بين الراعيين الدوليين للملف السوري: أمريكا، و روسيا، مع الجانب التركي، بشأن عملية " نبع السلام "، التي أطلقتها تركيا، بمشاركة الجيش الوطني السوري، بعد أسبوع من إعادة هيكلته، ليصبح بقوام يتجاوز ( 80 ) ألف مقاتل، و بتراتبية احترافية.
بعيدًا عن كثير من تغريدات الرئيس ترامب، و بأنّه سيمحو الاقتصاد التركي عن الوجود في حال تجاوزت الخطوط الحُمر المرسومة لها شرق الفرات، و أساءت التعامل مع الأكراد؛ فإنّ ثَمَّة اتفاق الجنتلمان، يضبط العلاقة بين الراعيين الدوليين و تركيا، بخصوص تحرّكها في الملف السوريّ.
و تركيا تعي ذلك جيدًا على ما يبدو، و هي لن تزيد عمق المنطقة التي تتحرّك فيها عن ( 30 ـ 32 كم ) وصولًا إلى الخط الدولي، الرابط مناطق الحسكة بحلب، و لن يمتدّ طول المنطقة لأكثر من ( 150 كم ) شرقًا، و سيكون تموضعها على الأطراف الغربية لمدينة القامشلي ( حاضرة الأكراد ) بعد عفرين.
و بذلك تكون تركيا قد نأت بنفسها عن سحق اقتصادها، و التزمت بتعهداتها للرئيس ترامب، بإقامة المنطقة الآمنة ضمن الحدود المتفق عليها، و طمأنت روسيا، و حتى إيران، و النظام بأنّها ملتزمة باتفاق ( أضنة )، الذي يسمح لها بالتوغل في العمق السوري، لمسافة ( 30 كم )، حسب الملاحق السرية؛ لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني.
واضحٌ أنّ الأطراف المتدخلة في الملف السوري جميعها، متفهِّمة للتحرّك التركي، في إطار عملية ( نبع السلام )، و غير بعيد عن ذلك حتى النظام، الذي جاء تصريح وزير خارجيته، فيصل المقداد، متماهيًا مع الموقف الروسي، من خلال نبرته التي تغيّرت تمامًا، لدرجة أنّه أغلق الأبواب في وجه الوحدات الكردية، و بأنّهم قد انحازوا إلى المواقف المعادية لسورية، و لا مكان لهم على طاولة المفاوضات مع الحكومة السورية.
إزاء ذلك يبدو أنّ الأمور في الملف السوريّ، بعد إعلان الرئيس بوتين، عن انتهاء الأعمال العسكرية، و الشروع في خطوات الحل السياسي، انطلاقًا من اللجنة الدستورية، و هو ما صار موضع اتفاق من رعاة أستانا، و حتى من المجموعة الدولية، التي رحبت به في بيان لمجلس الأمن يوم الثلاثاء: 8/ أكتوبرـ الجاري، التي أعلن عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في: 23 سبتمبر؛ آخذة في رسم حدود واضحة لتقاسم مناطق النفوذ و الاستثمار، من الأطراف المعنية، و من غير المسموح به، أن يتجاوز طرف منها، و أن يرسم لنفسه خطوطًا أخرى غير تلك المتفق عليها، و هو ما أُبلغته تركيا من غير مواربة.
إذْ ليس مسموحًا لها بأيّ شكل أن تتجاوز الخط الدولي، بمسافة ( 30 ـ 32 كم ) وفق ما ذكر الرئيس ترامب في إحدى تغريداته، و أن تتموضع غرب مدينة القامشلي، و بخلاف ذلك فعليها تحمّل تبعات ما غرّد به من سحق الاقتصاد التركي.
و هو الأمر الذي أُبلغته من الجانبين: الروسي، و الإيراني في قمة أنقرة الأخيرة، و ما فُهم من مواقف النظام، المتماهية مع تلك المواقف.
و بذلك تبدو الصورة آخذة في التجلية و الوضوح؛ فالأعمال العسكرية بين المعارضة و النظام قد وضعت أوزارها، و مناطق النفوذ قد رُسمت حدودها، و تنظيف المشهد السوريّ يسير في الاتجاه المرسوم: فبالأمس ( داعش )، و اليوم ( قسد )، و غدًا ( ..... )، كترضية لفصائل الجيش الوطني، المنخرطة في هذه العملية.
وسوم: العدد 846