التوظيف : مَن يوظّف مَن ؟ ولماذا ؟

قال ربّنا ، عزّ وجلّ :

(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) .

وقال الشاعر، أبو العلاء المعرّي :

الناسُ للناسِ ، مِن بَدوٍ وحاضرَةٍ    بعضٌ ، لبعضٍ ، وإنْ لمْ يَشعروا ، خَدَمُ !

حاجات الناس كثيرة متنوّعة ، لايمكن أن يسدّها فرد واحد ! وبالتالي ؛ لابدّ من أن تتنوّع أعمال البشر، وتخصّصاتهم، كي يستطيع الناس العيش، بصورة طبيعية مريحة ! فالخبّاز يخبز للناس، ويبيعهم الخبز، ليكسب مالا ينفقه على أسرته ، ويأكلوا .. والحلاّق يحلق للناس ، كي يكسب مالاً ، ويتخلّصوا من شعرهم الزائد .. وكذلك كلّ من : البقّال ، والعطّار، والمهندس ، والطبيب، والمحامي ، والمعلّم ، والعتّال ..! وتتفاوت ، بالطبع ، الدرجات الاجتماعية ، والمكاسب المالية، بين هؤلاء ، جميعاً !

فكلّ عاقل: عاملٌ ، موظّف ، لدى الآخرين ، أو خادم عندهم ، فهم يوظّفونه لحاجاتهم ، وهو يوظّفهم لحاجاته !

لكن؛ هل يقتصر التوظيف ، على الحاجات الأساسية الفردية ، للناس ، أم يتعدّاه ، إلى حاجات غيرها ، متنوّعة ؟

المُشاهَدُ من حياة الناس ، والمقروءُ من تاريخهم ، أنّ التوظيف ، يشمل حاجات كثيرة ، منها الحَسن ومنها السيّء .. منها النافع ومنها الضارّ.. منها الطيّب ومنها الخبيث .. منها الجماعي ومنها الفردي ..!

نماذج :

الدول -عبرَ قوانينها المختلفة- توظّف حكّاماً ، يخدمونها ، داخلياً وخارجياً ، لقاء منافع مادّية ومعنوية ، يكسبونها ، ومن هؤلاء : رؤساء ، ووزراء ، وأمناء وزارات ، وقادة جيوش ، وقادة شرطة ، ورؤساء مخابرات .. وغيرهم !

الحكّام : يوظّفون أعواناً لهم ، يخدمونهم ، لقاء مال ، يتقاضاه الخادم من المخدوم ، وفي الوقت ، ذاته ، يوفّر المخدوم- بما له من سلطات- للخادم ، حماية قانونية ، تحميه من الأذى، ومن انتقام الناس ، الذين قد يسيء إليهم الخادم ، في أثناء خدمته لمخدومه !

الدول الكبرى : تتحالف مع دول صغرى ، لقاء تقديم منافع : سياسية وعسكرية، واقتصادية وأمنية .. تجنيها الكبرى ، بما يناسب مصالحها ، وأحجامها في العالم ! وفي الوقت ، ذاته ، تؤمّن الكبرى ، للصغرى ، منافع ، تناسب أحجامها وحاجاتها ، ومنها الحماية : العسكرية، والأمنية ، والسياسية ..!

بعض التجمّعات البشرية ، مثل: الأحزاب ، والقبائل ، والكتل السياسية.. في بعض الدول، الصغيرة أو الضعيفة ، ترتبط ، ببعض الدول الكبيرة ، أو القويّة ، بأنواع من الروابط : السياسية والعسكرية ، والأمنية والفكرية .. لقاء مصالح معيّنة ، تحقّقها الدول الكبيرة والقويّة ، من ارتباطها بالتجمّعات البشرية ، المرتبطة بها، من الدول الصغيرة والضعيفة ، في الوقت، الذي تحقّق فيه، التجمّعات المختلفة ، من الدول الصغيرة والضعيفة ، مصالح لها ، قد تكون قومية ، أو دينية ، أو غير ذلك..! ومن هذه المصالح : الحماية ، التي تُسبغها الدول القويّة ، على التجمّعات المختلفة ، الحليفة لها ، في الدول الضعيفة والصغيرة !

وهذه ، كلّها ، بالطبع ، تحالفات قائمة ، على المصالح المختلفة ، للأطراف المتحالفة ، وهي خاضعة ، باستمرار، للتبدّل والتحوّل ؛ فقد يتخلّى الحليف ، عن حليفه ، حين تقتضي مصلحته ذلك ؛ بل قد يصبح حليف اليوم ، عدوّاً ، في الغد !

هذا ماهو ظاهر مشاهَد ، في عالم اليوم ، وهذا ما يعبّر عنه ، العرف السياسي الدارج : لاصداقة دائمة ، ولا عداوة دائمة ، في السياسة ؛ بل مصالح دائمة !

وسوم: العدد 847