لم تلق الذي لا تعاتبه ..
ومن الحكمة العربية السائرة قول بشار بن برد :
إذا كنت في كل الأمور معاتبا ... أخاك لم تلق الذي لا تعاتبه
ومن الأدب إلى الاجتماع ، ومن الاجتماع إلى السياسة . والبيت يردده الكثير من الناس ، على تفاوت في فهم حقيقته ومعناه . وفي معناه يقول العامة : " على من يعاشر الأرواح ألا يكون نواح " هكذا الرواية بتسكين نواح ..أي أن لا يكثر التذمر والشكوى وعيب الأصدقاء بله الطعن فيهم .أكبر عيب أن يعيب الإنسان صديقا .
يعلم العقلاء أن تعابير مثل توأم الروح .. وشقيقها .. وحبة القلب هي تعابير مجازية وظرفية ثم يكون بعد من أمرها ما يكون ..
يقول علماء النفس أنه على ندرة الوجوه المتشابهة في عالم الجسد ، فإن وجود نفوس متماثلة في عالم النفس هو صورة من الصور التي يقال في مثلها مستحيل . وإنما هناك نفوس متقاربة بحدود في كل ثلاثين ألفا زوجين من النفوس ..
في الحديث الشريف : الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف . ومن تجاربنا الروحية التي لا نلقي لها أننا ننضم إلى المجلس فيها عشرة رجال فترتاح أعيننا مباشرة إلى وجه أو وجهين . ثم نتبين أننا أصبنا أو أخطأنا حسب علمً تسميه العرب علم الفراسة ، فيه الناجحون وفيه الراسبون ..
كنت أتكلم عن نظرة الرجل في وجوه الرجال ، أما النظرة السحرية بين الرجال والنساء ، فذلك عالم آخر من الحقائق الخفية ،وكيمياء تحويل الوجوه إلى ذهب معشوق ، بحيث يكون كل شقيق قوس النهاية في عين شقيقه . تأملوا هذه القصة فهي حكاية تطول ، وما تزال تحار في تفسيرها العلوم والعقول . سر العشق بين ليلى والمجنون ..
ونعود إلى بيت بشار : لم تلق الذي لا تعاتبه ..
ومعناه أنك لن تلق نسخة طبق الأصل عن عقلك وقلبك ونفسك فلا تلجّ ..لن تلقى ذلك لا على الصعيد الفردي ولا على الصعيد الجماعي ومادام لا بد لك من الأخ أو الصديق
فتوقف عن العتاب ..لا تعاتب
أو لا تكثر من العتاب ..
أو أجمل فيه ..
أو كما يقول الإمام الشافعي : فارق بالتي هي أحسن ..
بعض الناس يزعمون أنهم أصحاب قضايا ، ويلتمسون أنصارا وأحلافا ومساعدين لقضيتهم ، ويظلون يترصدون هذا الذي يريدونه صديقا على الدعسة ويعيبون عليه انقطاع الزر كما يقولون ..
وبعضهم أدعياء يفعلون ذلك عن مكر وكيد ..انظر ماذا فعل صديقك !! اسمع ماذا يقول حليفك !! في عملية إثارة وتحريض حتى يدعك تمشي بين الناس وليس لك صديق أو حليف أو ناصر ..
ينصحك بشار بن برد :
فعش واحدا أو صل أخاك فإنه .. مقارف ذنب مرة ومجانبه
أو يتحبب إليك جميل بقوله :
وإني لراض من بثينة بالذي .. لو أبصره الواشي لقرت بلابله
بلا، وبألا أستطيع، وبالمـنى .. وبالوعد حتى يمل الوعد آمله
وبالنظرة العجلى، وبالحول تنقضي.. أواخره لا نلتقي وأوائله.
وسوم: العدد 854