هل بإمكان الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية النجاح في لمّ شمل الأمة
هل بإمكان الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية النجاح في لمّ شمل الأمة وحمايتها من لفتن خطيرة تعصف بها ومؤامرات خبيثة تحاك ضدها؟
لقد كان من المفروض أن يكون لما يقارب مليارين من المسلمين شوكة وصولة ،ولكن واقع الحال أنه ينطبق عليهم الوصف المشهور لطارق بن زياد رحمه الله : " كالأيتام في مأدبة اللئام ". ومعلوم أنه لا شغل للئام هذا الزمان سوى إضرام نيران الفتن والحروب في ربوع البلاد الإسلامية التي تزهق فيها الأرواح وتهدر فيها الدماء بغزارة كل يوم خصوصا في الشطر العربي من العالم الإسلامي.
وعوض أن تجمع كلمة المسلمين جامعة أو منتظم لهما وزن وفعالية وسلطة قرار، يعمل لئام العالم المتسلطين عليهم على منع كل ما من شأنه أن يجمع كلمتهم أويوحد صفهم، وأفرغوا كل منتظم من شأنه أن يجمعهم من دلالته ، وعطلوا فعاليته ،وحرصوا على أن يظل صوريا يجتمع أعضاؤه لينصرفوا أكثر تفرقا وخلافا وصراعا مما كانوا عليه قبل اجتماعهم كما هو الحال بالنسبة لمنتظم المؤتمر الإسلامي أو جامعة الدول العربية التي تحضرها دول وتقاطعها أخرى، ويكون ذلك مؤشرا على صورية وفراغ ما ينبثق عنها من قرارات ومواقف . والمتتبع لما يصدر من قرارات عن هذين المنتظمن خلال مسارهما منذ نشأتهما لا يخرج بطائل ،لأنها قرارات تظل حبرا على ورق ولا تعرف طريقها إلى التنزيل أو التفعيل أو الأجرأة ، الشيء الذي جعل أرض فلسطين وهي وقف إسلامي تضيع شبرا بعد شبر حتى بلغ الأمر بالمحتل الصهيوني إعلان القدس عاصمة له ، وهو سائر في مشروع إنشاء كيانه السرطاني ما بين الفرات والنيل كما يزعم في أساطيره وخرافاته البالية في ظروف تفرق المسلمين و تشتتهم وتنازعهم و فشلهم وذهاب ريحهم.
وحين نتأمل أحوال المسلمين اليوم نجد أن غير الناطقين منهم بالعربية في القارة الأسيوية ممن يسمون نمورا بالنظر إلى نموهم الاقتصادي قد شغلوا عن أمر المسلمين بأحوالهم المادية تصنيعا وتجارة ، كما أن الناطقين بالعربية من أصحاب الثروات قد شغلوا بتبذير الأموال والمقدرات المحصلة من تلك الثروات في تمويل الصراعات بغرض تدمير الجزء العربي من العالم الإسلامي وإشعال نيران الحروب والفتن فيه بإيعاز من صناع الفتن والحروب في العالم .
ومع توالي المؤامرات على العالم الإسلامي من طرف من يستهدفونه من لئام هذا العالم يزداد المسلمون فرقة وشتاتا وصراعا وتطاحنا وموتا وهلاكا ودمارا .
فها هي دولة أفغانستان على سبيل المثال وقريب منها الدول التي تنعت بالنمور الأسيوية ماليزيا وأندونسيا لا تهتم بها، وقد تركت وحيدة تفترسها وحوش الغرب الضارية وأهلها في فقر مدقع ومرض وجهل يقتتلون فيما بينهم ، وقد فرقتهم الوحوش الضارية، فجعلت منهم شيعا لها وأعداد ، فسلطت بعضهم على بعض ليفني بعضهم بعضا ، وقد طال القتل فيهم وأرضهم تحت سيطرة الوحوش الضارية تنهب خيراتها . فمتى ستصبح يوما ماليزيا وأندونسيا تهم بأمر المسلمين الأفغان ؟ وما قيل عن النمور الأسوية ينطبق على تركيا التي لا يمكن أن يخرجها توجهها العلماني من دائرة الإسلام ، فمتى ستتحرك أيضا لفائدة أفغانستان المسلمة التي أبى شعبها أن يتحول عن دينه إلى العلمانية كما أراد الدب الروسي الملحد ؟ وما قيل عن تركيا يقال عن إيران أيضا ولها حدود مشتركة مع أفغانستان ، فما الذي قدمته لهذه الأخيرة سوى نفخها في النعرة الطائفية التي تغذيها عقيدة تشيع الكراهية بين المسلمين ، فتجعل الشيعة بزعمها على حق و من سواهم على باطل ، وأصحابها يرتزقون بخلاف الرعيل الأول من الصحابة حول خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يوص لا لسني ولا لشيعي بخلافته بل تلا عليهم قول الله عز وجل : (( والذين استجابوا لربهم وأمرهم شورى بينهم )) ، وهو ما يدحض زعم من يزعم أنه صلى الله عليه وسلم قد أوكل إليهم أمر خلافته ، ولا برهان قطعي يعلو على قول الله تعالى الذي لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، بينما الباطل صارخ فيما يزعم الزاعمون من أنهم قد أوكل إليهم خلافته صلى الله عليه وسلم . فهل ينتظر من دولة إيران بهذه العقيدة التي تزعم أصحابها أنها الأصح أن يخدم مصالح المسلمين خصوصا في الجارة أفغانستان ، وهي التي عملت على بث الفرقة بين أهلها يوم كانوا في حرب ضارية مع العدو الروسي الملحد ؟
وماذا قدمت هذه الدول المسلمة غير الناطقة بالعربية إلى الدول الإسلامية في الشطر العربي من الوطن الإسلامي الذي تشتعل نيران الحروب فيه بسبب سفاهة من يستنزفون خيرات الأمة لمحاربة بعضهم بعضا ؟ إنها تتفرج على المسلمين العرب كما تتفرج عليهم الدول الأجنبية ، وكأنها غير معنية بشؤونهم بحكم دين يجمعها بهم بل بعضها يشارك في دعم تلك الحروب الدائرة بينهم كما هو الشأن بالنسبة لدولة إيران التي تدعم من هم على عقيدتها في الوطن العربي لتوسيع نفوذها فيه .
فها هي قمة إسلامية تعنت بالمصغرة تعقد في العاصمة الماليزية، فهل ستنجح الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية نمور أسيوية وأتراك وغيرها في وضع قطار العالم الإسلامي على سكة توصله إلى بر الأمان أم أن هذه القمة سيجعلها صغرها دون دلالة أو فعالية ؟ ذلك ما سيتبين من خلال تفعيل أقوال المؤتمرين فيها وتأثيرها في واقع العالم الإسلامي المزري خصوصا في الشطر العربي منه.
وسوم: العدد 856