ثورة الكرامة تنتصر رغم الصراع الأمريكي والإيراني على أرضها
دخلت التظاهرات في العراق شهرها الرابع ويبدو أن التغيير الذي ينشده المحتجون ما يزال بعيدًا، ويخشى مراقبون من أن تطول فترة بقاء المنتفضين في الشارع في ظلّ الاستفزازات المستمرّة من المليشيات المسلحة (معلومة كانت أو مجهولة)، فدفعهم للتخلي عن السلمية، وكلما طال أمد الأزمة السياسية في العراق، كلما تكشّف التغلغل الإيراني في الشأن الداخلي لبغداد، لدرجة أن طهران تحاول أن تكون الطرف الأهم في معادلة تحديد من يجلس على مقعد رئاسة الحكومة.
بعدما استخدمت أذرع إيران العنف والقتل والخطف وأغلقت الأنترنيت وفرضت عقوبات على الموظفين وحظرت التجوال وحشرت العاهرات وأدخلت المندسين باسم الحشد والفتن وحرّقت المباني واتهمت المتظاهرين كل ذلك لم يثني المتظاهرين عن مطالبهم.
والسطلة العراقية عبارة عن مزيج طائفي وعرقي، تابعة بشكل أو بآخر لإيران ولهذا كانت النصائح والإرشادات تأتيها من صناع القرار في طهران. فإيران التي تعاني من وضع اقتصادي صعب بسبب الحظر على نفطها، اتبعت سياسات كثيرة لمواجهة تظاهرات العراق منها:
1.سياسة بث الرعب: من خلال القمع والقتل والخطف والسجن...
2.سياسة الخداع: من خلال الوعود الكاذبة.
3.سياسة اختراق الصفوف: من خلال دس عناصرها داخل التظاهرات لحرفها عن مسارها الحقيقي.
4.سياسة التشويه: من خلال إرسال الراقصات والعاهرات ليندسوا في صفوف المتظاهرين. ووصف التظاهرات بأنها بعثية وأمريكية.
5.سياسة تجييش العواطف: من خلال العزف على وتر الطائفية والمذهبية معتمدة على المعممين ورجال الدين والحوزات.
وجميع هذه السياسات فشلت بسبب الوعي الكبير لدى الجماهير المنتفضة، ولهذا لم يبق لإيران إلا خَلق عدو خارجي لتحويل الأنظار عن ثورة الشعب العراقي تمهيدا للقضاء عليها، فعمدت إلى تصعيد الموقف مع أمريكا في مسرحية مكشوفة لتحويل أنظار الشعب الثائر ومحاولة جرّ الشعب ونقل الأزمة الداخلية إلى أزمة خارجية، وتحويل أهداف الثورة من الضغط لإسقاط العملية السياسية إلى مواجهة القوات الأمريكية من ثم طلب رحيلها لأشغالهم وتفتيت التظاهرات بشكل تدريجي، وحرف بوصلة الثورة عن مسارها وأهدافها وإدخال الشباب الثائر في أزمة وشتات.
فوجهت المليشيات عناصرها لاستهداف المعسكرات الأمريكية إحدى عشرة مرة خلال الشهرين الأخيرين، وآخرها استهداف قاعدة k1 في كركوك مما أدى لقتل أمريكي وجرح اثنين آخرين، وقبلها الاعتداءات على السفن وأرامكو، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية للردّ بهجوم واسع يوم 31/12 /2019 على مواقع حزب الله الخمسة في سوريا والعراق.
والآن وبعد تعرض المواقع الإيرانية لسيل من الضربات لماذا لم ترد هذه المليشيات عسكريا على المواقع والمعسكرات الأمريكية المنتشرة في العراق كما توعّدت؟! واكتفت بالتظاهر أمام السفارة الأمريكية، مخترقة المنطقة الخضراء حيث فتحت لها أبواب الخضراء في مسرحية هزيلة، بينما وجهوا أسلحتهم تجاه الشباب الثائر لمجرد محاولة عبور الجسر باتجاه المنطقة الخضراء والتي أسقطت أكثر من 800 شهيدا و22 ألف جريح، وأشعلوا النيران قرب السياج الخارجي والاستعلامات الخارجية للسفارة في مسرحية مكشوفة أمام الإعلام، والذي عرّى موقف السلطة العراقية لانخراطها في هذه المسرّحية.
إن السلطة العراقية اعترضت على الهجوم رغم علمها في العملية قبل الهجوم واعتبرته خرق للسيادة. وسؤالي للحكومة ماذا تسمون تجوّل قاسم سليماني في كل العراق في الوقت الذي يشاء ويجتمع مع من يشاء ويصدر الأوامر في قتل الشباب دون تدخل الدولة ولا أخذ موافقتها!!!
هل هو خرق للسيادة أم لا؟
تداعيات هجوم السفارة
كان المليشيات الموالية لإيران تتظاهر أمام السفارة الأمريكية وبحضور قياداتهم، في موكب لتشيع القتلى في الهجوم كما أعلنوه، وكانت شعاراتهم ليس لها علاقة في التشييع ولا بالقتلى بل لتمجيد سيطرة إيران على العراق، فالشعارات التي رفعت شعارات مغايرة تماما للأهداف المعلنة من المظاهرة من هذه الشعارات: (سليماني قائدي، لبيك يا نصر الله، نعم نعم خميني، نعم نعم خامنئي، إيران تبقه حرة) فالمليشيات المتظاهرة حضرت لإثبات حق إيران في التسلّط على العراق، والشعارات ليست موجهة لأمريكا!! فهل التظاهرات أمام السفارة الامريكية يوم 1/1/2020 كانت ضد أميركا؟؟ أم هي رسائل موجهه للعراقيين؟ فما تداعيات هجوم السفارة؟ نجملها بالتالي:
1. ما حدث ليس مظاهرة أمام السفارة بقدر ما هو خرق أمنى فادح ودقيق تتحمل مسؤوليته الحكومة العراقية التي ليس بوسعها التنصّل من ذلك لأن رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة، وقائد القوات المسؤولة عن الحماية تحت إمرته وهو الذي سمح للحشد بالدخول إلى المنطقة الخضراء ومهاجمة السفارة الأمريكية.
2. استثمرت الإدارة الأمريكية عبر تعاملها مع من دخل سفارتها لكسب تأييد عراقي شعبي، خصوصا وأن الغالبية تقريبا من العراقيين يرون أن مهاجمة السفارة والقواعد الأمريكية هي محاولة لإفشال مظاهرات الشعب السلمية المنطلقة منذ ثلاثة أشهر.
3. في ظل هذا التواطؤ اللافت قررت الولايات المتحدة توفير الحماية لسفارتها عبر زيادة عدد المقاتلين، وهذا مؤشر على عدم ثقتها بالحكومة العراقية وإجراءاتها.
الاستعدادات الأمريكية لإسقاط المخطط الإيراني:
المتابع للتطورات يلاحظ تحركات أمريكية كبيرة في المنطقة، حيث وصل منذ أيّام عدد السفن الأمريكية التي تم سحبها من بحر الصين وأكثر من 63 قطعة بحرية من بوارج وفرقاطات عسكرية وعدد كثير من المدمرات وحاملات الطائرات كلها توجّهت إلى الخليج العربي وبحر عمان - - وتم شحن أكثر من 60 بطارية صواريخ باتريوت من الجيل المتطور الذكي جداً إلى السعودية من القاعدة الأمريكية في الكويت و نصبت 19 بطارية باتريوت في الكويت و 10 في البحرين و 23 في الإمارات و كل السفن الأمريكية أصبحت محمّلة بالمضادات الصاروخية الاعتراضية و حاملات الطائرات واحدة تمركزت قرب سواحل إسرائيل القريبة من لبنان، واثنين في بحر عمان وحمّلت بمنظومات باتريوت أيضا. اسرائيل نشرت في 24 ساعة الماضية 8 منظومات مضادات للصواريخ نوع ثاد خارج كل مدينة و4 داخل كل مدينة أما حدود اسرائيل فأصبحت عبارة عن جدار من القبة الحديدية فبين كل 10 كيلومتر نشروا بطاريات باتريوت.
أما القواعد الأمريكية داخل العراق فقد تمّ تعزيز القدرات العسكرية في العدّة والعتاد من أحدث الأسلحة وبكمات كبيرة، وكذلك زيادة أعداد المقاتلين ولايزال المدد يتدفق يوما بعد يوم.
هل هناك معركة أم ماذا؟
اتخذت القيادة الأمريكية القرار في تصفية قاسم سليماني في 3/1/ 2020بعد أن نفذ الصبر الاستراتيجي كما (يصفه بعض المحللين) وكان الهدف من قتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ومجموعتهم لردع إيران وإسقاط مخططها في السيطرة على السلطة في العراق بالقوة واستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة والتي يشرف على تنفيذها قائد فيلق القدس، وكانت هذه الاستعدادات لتطور مشهد الصراع بين أمريكا وإيران على الأرض العراقية بعد اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في غارة جوية صباح يوم الجمعة. يعد ذلك تحولا في الاستراتيجية الأمريكية في تجاه إيران؛ استراتيجية الأقراب الغير مباشر إلى استراتيجية الاقراب المباشرة.
قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو: إن "سياسة المهادنة لا تنفع مع النظام الإيراني"، مؤكداً أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب اتخذت نهجاً مختلفاً تماماً وستقف مع الشعب الإيراني".
فبعد تغول إيران في العراق والمنطقة واستعلائها على أمريكا التي سلمتها السلطة في العراق، من خلال سيطرت إيران على كل المفاصل في الدولة العراقية السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتوسع أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن وتمردها على سيدها أمريكا، كانت هذه الصفعة لتصحوا من غفلتها ولتعود إلى رشدها وتكون طائعة أمينة لما يطلب منها في المنطقة وأن تكون فزاعة وليست ذئبا متمردا على صاحبه، وأعتقد أن إيران ستفهم الدرس.
بعد هذا التغول الايراني والصمت الأمريكي على كل الأحداث المذكورة آنفا كان لابد من إجراء العملية الجراحية فوق الكبرى لإعادة هيبة أمريكا في المنطقة والعالم بأسره. فردع إيران لاسيما اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية وتأثير ذلك على الشعب الأمريكي ومستقبل الرئيس ترامب.
إيران والخيارات الصعبة:
تمر إيران في ظروف صعبة جدًا (اقتصادية، وسياسية، واجتماعية) فهي تبحث عن حدث يشغل الشعب الإيراني عن مشاكله الداخلية وتوجيه نظره نحو عدو خارجي، لذلك حاولت تصعيد الموقف مع أمريكا خارج أرضها، من خلال استخدام أذرعها في العراق بشكل خاص وفي عموم المنطقة لتهديد المصالح الأمريكية، لعلها تفلح في إجبار أمريكا على قبول المناورات السياسية في العراق والمنطقة لأمد طويل، واستثمارها لصالحها في ترتيب أوضاعها في داخل إيران والعراق على حساب هيبة أمريكا، مستغلة الموقف العربي المنهار والتمشرذم والمنبطح...
فكان استهداف سليماني ومن معه ضربة أساسية هزت صورة إيران في المنطقة، وعلينا أن نتوقع ردًا رمزيا خجولا لترميم صورة إيران، لأنها الآن في حالة دفاع وضعف وانهيار... وعليه سوف تقوم بمعركة صورية. فاغتيال سليماني يعد تغيرا في قواعد الاشتباك وقد نشهد عمليات من حجم صغير بين طرفي الصراع لترميم الصورة وحفظ ماء الوجه أمام الشعوب الإيرانية وحلفائها، وأن الموقف سوف يتسارع إلى التهدئة، لأن الطرفين لا يرغبون في صراع مسلّح لوجود حاجة إلى التخادم على حساب دول المنطقة (فإيران كانت ولا زالت فزاعة تخدم أمريكا)، وأن تطوّر العمليات المسلحة ستكون خسائرها كبيرة على إيران ولاسيما في ظل الوضع الحالي داخل إيران فهي تخشى من تداعيات الحرب وانتفاض الشعب ضد الحكومة.
رغم أن العملية الجراحية جاءت متأخرة أفضل مما لا تأتي، حيث أن واشنطن تعلم بأن استمرار الحرب الباردة مع إيران سوف يؤدي إلى خسائر كبيرة تضرّ الولايات المتحدة وتؤثر على سمعتها، وبشكل خاص بعد استهداف قاعد k1 وحرق السفارة في العراق.
حقيقة السلطة العراقية
يوما بعد يوم تغوص السلطة العراقية العميلة التي جيء بها من حثالة المتسكعين في الحانات والشوارع أو تلك التي تعيش على الصدقات لتكون واجهة قبيحة لتفاهمات بين مليشيات اقتسمت الحكم. فتوجيه النقد إليها لا يحمل أي قيمة، لأنها تغوص في وحل الخيانة لوطن، فبدلا من تقديم استقالتها والمثول أمام القضاء بتهمة القتل العمد والسرقة...
أو على الأقل أن تستجيب للمطالب المشروعة، راحت تواصل الليل بالنهار لمنع انطلاقة الانتفاضة وأثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأنها خادمة للمشروع الإيراني على حساب العراق وشعبه.
فالشباب الثائر مستمر في التظاهرات لإسقاط كل العملاء، وإخراج إيران من العراق، ورفض مرشحين من قبل أحزاب السلطة.
والثورة مستمرة رغم حجم المؤامرات الساعية لإفشالها، قد فهمت كل الدسائس والمؤامرات، فرفضت الأعمال التي قامت بها مليشيات إيران في الهجوم على السفارة الأمريكية، وكان وعي الشباب الثائر أكبر من مؤامراتهم ومكرهم فأعلنوا براءتهم منها، ورفضهم لها، فلم ينجروا إلى هذا الفخ الذي أريد منه توريط الشباب الثائر للقضاء على ثورته ثوة الكرامة.
إن الحكومة قتلت أعدادا كثيرة من الشباب خلال التظاهرات وجرحت أكثر من ٢٢ ألفا لمنعهم من دخول الخضراء بحجة حماية السفارات بينما سمحت للحشد دخول المنطقة الخضراء في نصف ساعة بل والدخول إلى السفارة الأمريكية ذاتها دون تحريك ساكن، ناهيكم عن الاختلاف الكبير جدا في تعامل القوات الأمنية مع من اخترق الخضراء ودخول السفارة في العالم ويطلق شعارات "سليماني قائدي" ورفع كل الأعلام باستثناء العلم العراقي، وبين من بح صوتهم وهم يطالبون بوطن "نريد وطنا" و" نازل آخذ حقي" ولم يرفع سوى علم العراق..
من المفترض أن يعي الشعب العراقي بأن أحداث السفارة قد تكون فرصة لزيادة الوعي الجماهيري والسياسي بضرورة إبعاد العراق عن الحرب والمواجهة المحتملة بين أمريكا وحلفائها من جهة وإيران وأذرعها من جهة أخرى. فإيران تحاول عبر ميليشياتها حرق العراق وأهله من أجل سلامة أراضيها وطبقتها الحاكمة.
إن ثورتكم هي ثورة تحرير العراق ورفع الظلم عن أهله ومنع الفساد، ثورة شعارها رفع الوصاية الإيرانية عن العراق، ولتستمر الثورة حتى إسقاط كل العملية السياسية بحكومتها وبرلمانها ودستور المحتل (بريمر) ولاستعادة السيادة والكرامة لعراق الحضارة والتاريخ، فلا تلتفتوا إلى جعجعة بعض الأقزام الذين يحاولون ركوب الموجة، ولقد حققتم انتصارات كبيرة وأصبحتم قاب قوسين أو ادنا من النصر النهائي، وما النصر الامن عند الله.
وسوم: العدد 858