وطعن الأقران المتعاصرين والمختلفين في بعضهم لا يعتد به

وهذه مزلة ما يزال الكثير من أبناء المسلمين يقع فيها . ما قاله العالم الذي أحبه وأتولاه  في قرينه أو في منافسه حق عندي لا مرية فيه !! وهي مزلة قلما نجا منها عالم من العلماء الأثبات . وتستحق أن يفرد فيها بحث لرسالة علمية حقيقية . أن تظل بين يدي شيخك وأنت حاضر العقل والقلب . تقبل بشاهد وترد بشاهد فذلك تمام العقل والدين . وفي ذاكرتي نماذج تاريخية ومعاصرة من هؤلاء تستحق كما قلت أن يكتب فيها كتاب.

منذ أيام جئت على جهد الشيخ ناصر الدين الألباني في سلاسله الحديثية . واقتربت من تقويم عام حذر ففتحت عليّ أبواب ما كنت أظنها تفتح ، واعتد علي أقوام بأقوال علماء ما كنت أظنها تسوق أو تساق . فأحببت هنا أن أصحح القاعدة والمعيار ، وليس أن أتتبع القيل والقال . 

ومن حق البيان أن أبين أن من قواعد أهل العلم  أنفسهم أن قدح القرين في قرينه ومعاصره لا يعتد به ..

وأن هؤلاء الأقران - مع الاحترام والتوقير - هم بشر يجوز عليهم ما يجوز على البشر،  وتجري بينهم من المنافسة والمغامرة والتهارش والبغي ما يجري على بعض الناس  . فنقبل منهم ما طاب ، ونأخذ ما صفا وندع ما دون ذلك .

لم أقل ولا مرة فيما كتبت أن الألباني معصوم ، ولا أقول أبدا أن أحدا من خصومه وناقديه معصوم . وهم فيما انتقدوا قد يكونون مصيبين في المسائل الجزئية ولكن مسقطيه مخطئون في الكلية الكبرى ألا وهي اتهام الرجل بالضلال والجهل والانحراف  والسعي إلى تدمير الإسلام ..

وسأزيدكم من هذا ،  لأنني أريد أن تسلم لنا معايير قبولنا ورفضنا ، ورضانا وسخطنا؛  فإليكم ما قرره أهل العلم في مثل هذا : وما سأورده هنا قد نقلته من صفحات بعض الفضلاء فله الشكر والأجر .

كلام الأقران من أهل الفضل بعضهم في بعض بطعن أو همز أو نحو ذلك لا يعتد به، قال القاسمي في قواعد التحديث - هو جمال الدين القاسمي - : ثم رأيت التاج السبكي قال في طبقاته (الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم الجرح مقدم على التعديل إطلاقها ؛ بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه..)

وقال أيضاً - أي القاسمي - : قد عرفناك أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعته على معاصيه ، ومادحوه على ذاميه ، ومزكوه على جارحيه،  إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثله من تعصب مذهبي أو منافسة دنيوية ؛ كما يكون بين النظراء وغير ذلك، وحينئذ فلا يلتفت،  لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة، وابن أبي ذئب وغيره في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون. انتهى

أقول : أنا زهير ومن رجع إلى كتب التراجم وكتب الجرح والتعديل وجد الكثير من هذه الأمثلة التي يشتد فيها بعض العلماء على بعض أقرانهم ومخالفيهم في مذهب أو نحوه . وكثيرا مما تتملكني الدهشة من لمز إمام الحرمين لمعاصره الماوردي وما كتبه الخطيب البغدادي في أبي حنيفة .وغيره كثير وكثير ..

وربما يعتمد ذلك على زلة لعالم يتعلق بها آخر فيضخمها . وربما يعتمد على نوع من تعصب مذهبي أو نفاسة شخصية .

المفيد الذي نريد أن نخلص بكم إليه أن مثل هذه الزلات أو الهنات تبقى هدرا أو هذرا فلا هي تُسقط قائلها بقبح الدعوى ولا تُسقط من قُذف بها بقبح التهمة ، بل تبقى نوعا من اللغو الذي تطويه بوارق الحق .

العالم الثبت مثل البحر يضيع فيه ما يلقى عليه .

والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث .

ونحن الذين نحب أن نقول ( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ..)

ولو أسقطنا كل عالم قيل فيه ما سلم لنا من علماء الأمة أحد .

ولا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ..