(مثل شطن فرس من الأرض يرى منه بيت المقدس خير من الدنيا وما فيها)
تذاكر ذات يوم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه متسائلين عن أي المسجدين أفضل مسجده عليه السلام بالمدينة المنورة أم المسجد الأقصى بالقدس الشريف ؟ فأجابهم بقوله :
" صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، ولنعم المصلى ، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا " وفي رواية "خير من الدنيا وما فيها "
فهذا الذي مجرد النظر إليه يعدل الدنيا وما فيها يريد اليوم الرئيس الأمريكي ترامب شراءه من مليار ونصف مليار من المسلمين بمال اغتصبه وهو من عائدات ثرواتهم البترولية، ومن أموال حجهم إلى بيت الله الحرام ليقدمه هدية مجانا للصهاينة المحتلين، فيسجل التاريخ عنه أنه الصليبي الشاطر في هذا العصر الذي استعاد بيت المقدس من المسلمين بأموالهم السائبة دون غزو أو نقع غبار .
ولقد كان من الفروض أن يكون هذا الحديث النبوي الشريف الذي تضمن إشادة خير الخلق عليه الصلاة والسلام بالمسجد الأقصى وما بورك حوله حافزا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كي يموجوا موج الأمواج العاتية للرد على ترامب مختلس أموالهم من أيدي سفهائهم على طريقة رعاة البقر كما تقدمهم السينما الأمريكية ، ولكن مع شديد الأسف والأسى سارع إلى مباركة صفقته الخاسرة هؤلاء السفهاء الذين مكنوه مما أودع الله عز وجل من ثروات في أرض المسجد الحرام ومما يجبى إليه ، علما بأنهم لا هم في عير ولا في نفير القضية الفلسطينية، ومع ذلك يحشرون أنوفهم فيها سعيا وراء الإسراع في تسويتها تسوية يكون الطرف الرابح فيها هو المحتل الصهيوني طمعا منهم في التخلص من مسؤولية تحريرها لينصرفوا ويركنوا بعد ذلك إلى اللهو وهم أهله ، وإلى إشاعة شتى أنواع الفساد في الأمة لصرفها عن دينها الحق .
ولمعرفة أهمية بيت المقدس عند الله عز وجل نسوق حديثا نبويا شريفا آخر رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لما فرغ سليمان بن داود عليه السلام من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل ثلاثا :حكما يصادف حكمه ، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما اثنتان فقد أعطيهما ، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة " . وما كان الله عز وجل ألا يعطي نبيه سليمان عليه السلام الثالثة ، وقد أعطاه اثنتين ، وما كان سبحانه أن يخيب رجاء المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال له في محكم التنزيل : (( ولسوف يعطيك ربك فترضى )) .
ومعلوم أن الصلاة ،وهي أعظم ما تعبد به الله عز وجل عباده المؤمنين لأنها الصلة التي تربطهم به ليل نهار ، وفيها يناجونه فيسمعهم ، ويسألونه فيعطيهم ، ويستغفرونه فيغفر لهم ، وفيها يكون أقرب منهم وهم ساجدون قد جعل الله تعالى لها أجرا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام ،والمسجد النبوي، والمسجد القصى يفوق بكثير الأجر في غيرها من مساجد المعمور ، ومن ظفر بهذا الأجر بالصلاة فيها، فإنه يدرك من الفضل والخير الكثير في عمر قصير ما لا يدرك إلا في دهر طويل .
ولا بد من التذكير بحتمية دخول من نسبهم الله عز وجل إليه، وسماهم عباده المسجد الأقصى في القدس الشريف ليخرجوا اليهود منه بعد طغيانهم فيه ، وليسوءوا وجوههم ،وليتبروا ما علوا تتبيرا مصداقا لقوله تعالى :
(( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرتين ولتعلنّ علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا )) .
فعسى أن تكون صفقة القرن التي أطلقها ترامب، وهرول المنبطحون المحسوبون على الأمة الإسلامية لمباركتها والإشادة بها إيذانا بقرب حلول وعد الله الناجز لتسوء وجوه اليهود ويتبرما علوا تتبيرا ، ويومئذ يفرح المؤمنون بوعد الله عز وجل الذي لا يخلف الميعاد ، ((وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم )).
وسوم: العدد 862