رحم الله الدكتور محمد عمارة نموذج المفكر العائد عودة رشيدة إلى نبع الإسلام الصافي

رحم الله الدكتور محمد عمارة نموذج المفكر العائد عودة رشيدة إلى نبع الإسلام الصافي بعد سياحة فكرية  في مختلف آفاق الفكر الإنساني المختلفة

clip_image002_5217e.jpg

كل خسارة في هذه الحياة الدنيا تعوض إلا رحيل أعلام  العلم والفكر، فلا شيء يعوضهم وأفدح خسارة هي رحيلهم وإن كانوا  في الحقيقة مخلدين بما خلفوا من علم وفكر وهم ممن قال فيهم الله عز وجل : (( يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات )) . ولا يوجد أعظم ولا أشرف من هذه الرفعة، ذلك أن الناس دأبوا على تكريم أعلام العلم والفكر من خلال ألقاب يخلعونها عليهم وجوائز وشواهد يسلمونها لهم ، لكنها لا يمكن أن تعدل وسام الرفعة الذي قلدهم الله عز وجل .

وفقيد الفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة رحمة الله عليه جعل الله تعالى حياته ومساره الفكري والعلمي آية ودليل على أن  الهداية منه سبحانه وتعالى وإن مر الإنسان بمتاهات  فكرية في ركوبها مجازفة  غير محمودة العواقب لا ينجو منها إلا من نجّاه الله عز وجل .

والمسار الفكري لهذا فيلسوف الإسلامي المتميز يعكس لنا طبيعة حيرة العقل الإنساني في البحث عن الحقيقة . ومعلوم أنه من طبيعة هذا العقل ألا يقر له قرار حتى يدرك هذه الحقيقة  في محطة من محطات بحثه عنها . ورحلة الدكتور محمد عمارة الفكرية إبراهيمة التوجه كما قدمها لنا رب العزة جل حلاله في محكم التنزيل : ((  وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جنّ عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلمّا أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكوننّ من القوم الضالين فلمّا رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلمّا أفلت قال يا قومي إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين )) .

هذه هي الرحلة الفكرية  للفيلسوف محمد عمارة ، كان يبحث عن الحقيقة حيثما ظن وجودها ويتتبع مساراتها حتى إذا أفضى به البحث إلى نفق فكري مسدود عرج إلى غيره حتى انتهى به المطاف إلى المسار المفضي إلى ضالته .

ولقد كان البعض يمدح خوضه في مسارات فكرية كانت تضفى عليها هالة من اليقين ولم يكن رحمه الله يشغله مديحهم عن بحثه الدائم عما كان يجدّ في البحث عنه ، فإذا أثبت بحثه أن تلك الهالة لم تكن سوى سرابا خادعا بقيعة  صار الذين  مدحوا بالأمس قادحين فيه ، ولم يكن يبالي بهم بل كان يجد السير في مسار آخر حتى انتهى إلى محطة اليقين النهائية، فألب عليه ذلك من كانوا يمدحونه وهو في تيه مسارات فكرية لم تفض به إلى ما كان يبحث عنه دون كلل أو ملل .

ولقد كانت كل المسارات الفكرية التي خاضها عونا له على تبين المسار الصحيح لأنه كان يقارن بينها ،ويدرك ما بينها من فروق  ، وكان ذلك يدله على مسار اليقين .

ولمّا تمكن رحمه الله تعالى من مسار اليقين ،صار دليلا يدل الحائرين عليه  بقوة الحجة التي لا تدع في النفس شكا . ولقد صار منظرا للفكر الإسلامي أو للفلسفة الإسلامية الحديثة التي استطاعت أن تقارع كل الفلسفات الحديثة التي تغري الحيارى وتحاول استمالتهم إلى مسارات لا تزيدهم إلا حيرة في عالم صارت فيه وتيرة التحولات الفكرية أسرع مما كانت عليه  من قبل . وصار تنظيره للفكر الإسلامي تهمة عند البعض وقد قال  في الرد عليهم :

( ذلك شرف لا أدعيه وهم لا يقصدون منه المديح وإنما يقصدون الاستعداء عليّ ) .

رحم الله الفيلسوف المسلم الدكتور محمد عمارة ، وأسكنه فسيح جنانه ، ورفع قدره في الآخرة ، وجعله في زمرة النبيئين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . وإنه لا عزاء للمسلمين في رحليه سوى ما خلف وراءه من علم وفكر ينفعهم به الله عز وجل . وإنا لله وإنا إليه راجعون .

وسوم: العدد 866