البذل كالحجر يساهم بشكل كبير وبفعالية في محاصرة الجائحة

يقول الله عز وجل في محكم التنزيل :

 ((  فلا اقتحم العقبة  وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة  ))

وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أن الله عز وجل أطلق كلمة عقبة على عمل البذل ، علما بأن أعلى موضع في الطريق هو العقبة التي ينتهي بها ، وقد استعيرت العقبة  في هذه الآية الكريمة للبذل والعطاء لأنه مما يشق على النفس البشرية لقول الله تعالى : (( وكان الإنسان قتورا))   ، ولما كانت هذه طبيعته فإنه دعي إلى  اقتحام عقبة البذل الشاقة على نفسه ، والاقتحام هو عسر الدخول أو التجاوز. وقد جعل الله تعالى البذل عبارة عن إطعام في ظرف  المسغبة أوالمجاعة ، وخص بهذا الإطعام صنفين من المحاويج:  يتيم لا يقوى على الكسب ، وألزم أقاربه بإطعامه ، وحملهم مسؤولية ذلك دون أن تسقط عن غيرهم ممن لهم اطلاع على حاله ، ومسكين تربت يداه أي اشتد فقره حتى لم يجد ما يسد به رمقه ، ومسؤولية هذا الأخير يتحملها الأقارب والأباعد على حد سواء .

ويوم المسغبة هو إشارة إلى كل يوم يحتاج فيه المحاويج . ولا شك أن ظرف هذه الجائحة التي ألمت بالناس، ستجعل محاويجهم من أيتام ومساكين يواجهونها ويواجهون في نفس الوقت فاقة تعرضهم لجائحة  أخرى هي جائحة الجوع ،الشيء الذي يقتضي منا جميعا  اقتحام العقبة ،وما أدراكم ما العقبة في هذا الظرف بالذات  حيث اضطر الناس إلى حجر يمنعهم من الاطلاع على أحوال المحاويج ، وما أكثرهم .

ومع أن الجهات المسؤولة عندنا قد أعلنت عن مبادرات تدخل في إطار اقتحام العقبة لتقديم العون  للمحاويج ، فإن ذلك لا يعفي من وسع الله عز وجل عليهم في أرزاقهم أن يقتحموا هذه العقبة أيضا بل على الذين يعيشون على الكفاف أيضا أن يساهموا في هذا الاقتحام كل حسب ما يطيق و على قدر ما يستطيع .

ومعلوم أن الذي يخرج المحاويج في ظرف الحجر إنما هو السعي من أجل دفع المسغبة ،علما بأن تكسير الحجر ـ إن صح التعبير ـ يشكل خطرا عليهم وعلى غيرهم حيث يكون خروجهم للسعي سببا في تفشي الجائحة على أوسع نطاق ، لهذا من أسباب إنجاح الحجر كوقاية ضرورية لدفع الوباء والحد من انتشاره  اقتحام العقبة بإطعام المحاويج .

وتيسيرا لهذا الاقتحام يمكن لكل حي تعرف ساكنته من فيه من محاويج أن تبادر بتوفير ما يحتاجونه من طعام لمنعهم من الخروج سعيا في طلبه . ويمكن لساكنة  الأحياء الموسرة  التي لا محاويج فيها أن تقتحم العقبة في أحياء المحاويج  المجاورة ، ولا تخلو حاضرة من حواضرنا من تلك الأحياء ، ومن حواضرنا ما تجاور فيها أحياء المحاويج أحياء من وسع الله عليهم في أرزاقهم ومن كفاهم أقواتهم.

وما نشاهدهم اليوم أن أصنافا من المحاويج يضطرهم قوت يومهم للخروج سعيا من أجل الحصول عليه في ظرف الحجر ، ولو أننا  اقتحمنا العقبة لكفيناهم الخروج ،علما بأنه مما يخلق بؤرا لانتشار الجائحة خروج المحاويج ،وما تخرجهم إلا مسغبتهم وغيرهم قد رغد عيشهم . ومؤسف جدا أن يلوم من وسع الله عليهم في أرزاقهم المحاويج على خروجهم  سعيا لحصولهم على قوتهم اليومي دون التفكير في اقتحام العقبة ، ذلك أنهم يقيسون حال هؤلاء المحاويج على حالهم وقد ادخروا ما يغنيهم عن الخروج وكسر الحجر .

وإن من المحاويج من يوصفون بالمياومين، وهم ممن يكدحون يوميا للحصول على قوتهم ، وهم معرضون للمسغبة إن لم يسعوا كل يوم ، الشيء الذي يجعلهم بين سندان المسغبة ومطرقة الحجر ، يواجهون المسغبة في الحجر ، ويواجهون الجائحة بخروجهم لطرد المسغبة .

ولا بد أن نعي جيدا أن البذل لا يقل أهمية عن الحجر في مواجهة الوباء بل يتوقف نجاح الحجر على هذا البذل ، لهذا يتعين على الجميع التفكير في طريقة اقتحام العقبة حتى يأتي فرج الله عز وجل .

وبقي أن ننصح المحاويج إذا ما اقتحم غيرهم العقبة ووفروا لهم ما يغنيهم عن الخروج لدفع المسغبة أن يلتزموا بالحجر وألا يتخذوا من المسغبة وقد كفاهم غيرهم شرها ذريعة للخروج بدافع الطمع في أكثر مما يكفيهم، وليتقوا الله تعالى أيضا في غيرهم ولا يكونوا سببا في نشر الوباء ، كما يجب أن يتقي الله عز وجل فيهم من أقدرهم سبحانه  وتعالى على اقتحام العقبة . 

وسوم: العدد 870