مشروع الجماعة لنهضة الأمة ( ٦ /٩)

الإمام الشهيد حسن البنا

في مواجهة التخلف الموروث

وفي مواجهة"التخلف الموروث"، دعا الأستاذ البنا إلى"التجديد"، وحدد في صراحة ووضوح أن دعوته هي واحدة من"الدعوات التجديدية لحياة الأمم والشعوب".

وطالب في النظرة النقدية للتراث والتاريخ بالتمييز  بين "الدين الثابت" وبين "الفكر المتغير" و"الممارسات البشرية"؛ وهو ما يعني التطبيق لمنهاج التجديد الإسلامي في العودة إلى المنابع الجوهرية والنقية المعصومة –الكتاب وصحيح السنة– أي البلاغ القرآني، والبيان النبوي لهذا البلاغ القرآني، فهو "المقدس الملزم" بينما الفكر الإسلامي، والتراث الحضاري، وتجارب التاريخ، هي كنوز نحييها ونحتضنها، ونستلهم منها، لكن دون تقديس ولا

تعصب ولا إلزام. وعن هذا المنهاج التجديدي يقول الأستاذ البنا: "إن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذان إن

تمسكت بهما فلن تضل أبدا، وإن كثيرا  من الآ راء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها؛ ولهذا يجب أن تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الأولى، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما يقيدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جمعاء".

ويؤكد عمارة على أنه عندما نتأمل هذا المنهاج في التجديد الإسلامي، عند الأستاذ البنا، ونتأمل كلامه السابق، نتذكر صياغة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده لذات المنهاج، عندما قال: إنه قد دعا إلى "تحرير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة، قبل ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى".

وبهذا المنهاج تتحول السلفية إلى تحرير وتجديد، لا إلى جمود وتقليد، كما فهمها آخرون! وهنا –أيضا– يتميز التجديد الإسلامي عن "الحداثة" –بمعناها الغربي– فضلا عن تميزه عن الجمود والتقليد.

فالجمود والتقليد قد حّول "التراث" إلى مرجعية كادت أن تحجب المنابع الجوهرية والنقية للإسلام، حتى غدت حجابا بين العصر وبين البلاغ القرآني والبيان النبوي لهذا البلاغ القرآني.. وكادت المذهبية والمذاهب أن تحجب مقلديها عن منهاج النبوة.

ثم جاءت "الحداثة" –بمعناها الغربي– لتقيم قطيعة معرفية كبرى مع الموروث والتراث، والموروث الديني على وجه الخصوص، فأحدثت فراغا كاملا، فلا "التراث" أبقت، ولا هي رجعت إلى "المنابع" الأولى.

وسوم: العدد 872