في انتخابات مجلس الشعب 1977....
ودفن قانون الأحوال الشخصية المقدم من اتحاد سعاد العبد الله
وهذه صفحة كل من شارك في صنعها صار إلى ديار الحق ، وبقيت شاهدها . أتحدث عن رجال طبقتي ، وأعلم أن بعض من كان فوقنا ما يزال ممتعا نسأل الله أن يريدهم ويحفظهم .
وأكرر أن تأريخي لهذه الصفحات ليس له أي اقتران ظرفي ، بمعنى أنني لا أدون ما أدونه هنا لإسقاط على واقع معاش ، فواقع شعبنا في سورية ، شب عن طوق كل المعايير . وإنما هي بعض أحداث ربما يكون لها دور في تكوين العقل السياسي وتكون لبعضنا عبرة وعظة ..
وكان حافظ الأسد أول ما قام بانقلابه التشريني قد عمد إلى تشكيل ما سماه مجلس شعب معين . ثم قام بوضع دستور على كاهل مجلس الشعب هذا ، وكان من أمر هذا الدستور . وعلى أساس هذا الدستور تم إجراء انتخابات 1973 . وقد دعمت جماعة الإخوان المسلمين في حلب ، ولا علم لي بما جرى في غيرها ، قائمة مستقلة من خمسة أشخاص فيما أذكر ، في مواجهة قائمة الجبهة الوطنية التقدمية . وكما اكتسح المرشحون المستقلون في المناطق والأرياف أصوات الناخبين ، اكتسحت هذه القائمة المحدودة في حلب : وأذكر من رجالها : الشيخ إبراهيم السلقيني - والدكتور زين العابدين خير الله - والرائد المسرح عادل الحاج مراد ..ونجحت بعدد كبير من الأصوات
وما بين الدورتين الانتخابيتين ، درس حافظ أسد ثغرات العملية الانتخابية وأجرى بعض التعديلات على القانون الانتخابي ، أهمها اختراع قاعدة القائمة الريفية الموحدة ، ليصادر الولاءات العشائرية التي ظلت تتقدم في الريف على القائمة الحزبية .
بوصولنا إلى انتخابات1977 برز صوت شبابي واضح داخل تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ،يطالب بمقاطعة الانتخابات ، متأثرا بطروحات كثيرة مثل شعار المفاصلة الذي كان يؤكد عليه سيد قطب ، والبعد عن مشاركة أهل الجاهلية وغير هذا من الكلام الكثير .
وكان أبرز نقطتين اعتمدهما المطالبون بالمقاطعة : أولا أن مجلس الشعب النازل قد غير صيغة القسم من أقسم بالله العظيم ...إلى أقسم بمعتقدي ..وأحافظ على الاشتراكية أو شيء من هذا ..
واعتبر بعض هؤلاء الشباب أن صيغة القسم الضلالية هذه لا تناسب الإسلام ولا المسلمين .
والنقطة الثانية : وهي أن حافظ الأسد ذاهب إلى صلح مع الإسرائيليين ، وأنه لا يليق بنا أن نكون شهودا في برلمان يوقع اتفاقا مع إسرائيل . وإن عارضناه .
وفي المقابل كانت هناك وجهة نظر أخرى ، ترى أن الحضور خير من الغياب ، وأن المشاركة ، ستؤمن لمن يمثل وجهة نظرنا منبرا ليجهر بكلمة الحق من خلاله .
وبعد أخذ ورد في صفوف الجماعة ، تقرر تشكيل لجنة لدراسة الموضوع ورفع تقريرها لأصحاب القرار.
وتشكلت اللجنة من الأخوة : محمد الحسناوي - محمد مهتدي كسحة أبو غياث - صبري غنام - عادل غنوم - مصطفى زاكري - رحم الله الجميع ، ومحدثكم هو الأخير ، وظللنا على مدى أشهر نلتقي ، عند الشيخ إبراهيم السلقيني رحمه الله ، فنتحاور رجاء أن نصل إلى صيغة مرضية للجميع ..
كان الشيخ إبراهيم رحمه الله تعالى متبنيا موضوع المشاركة ، وكان يبني موقفه على معطيات إيجابية :
في الرد على الاعتراضات الشرعية حول القسم وغيره ، يقول : بأنه على تواصل مع خيرة العلماء السوريين في الداخل والخارج ، وجلهم لا يرى بأسا في تمرير هذه الصيغ ، وهي نوع من احتمال مفسدة صغرى لدرء أخرى كبرى .
كان يقول : لو كنا في برلمان وعارضنا أي صفقة لا نقبلها ، أو انسحبنا فسيكون وقع موقفنا على الرأي العام أجدى .
وفي طريق تعداد ما نسميه درأ المفاسد كان يذكر أنه عندما كان هناك مشروع لتدمير قانون الأحوال الشخصية في سورية ، بمشروع بديل ، تقدمت به رئيسة الاتحاد النسائي يومها " سعاد العبد الله " وكاد أن يمر المشروع في مجلس الشعب ، استطاع بطلب لقاء مع حافظ الأسد أن يقنعه يسحب المشروع المشبوه ، الذي كان سيمر لو تم عرضه ..
لم تستطع اللجنة المعنية أن تتفق على رأي ، كنت مع الشيخ إبراهيم رحمه الله في صف ، وكان الأخ عادل غنوم والأخ أبو محمود الحسناوي رحمهما الله في صف آخر .. وبعد أن طال الحوار لأسابيع تقرر أن نكتب تقريرين منفصلين نعرضهما على أصحاب القرار ، وفعلنا ، وكتبتُ التقرير الذي يخص أصحاب الموقف الإيجابي ، واطلعت عليه الشيخ إبراهيم رحمه الله ، بوصفي معبرا عن وجهة نظر مشتركة . ثم قرئ التقريران في اللجنة ، وتم اعتمادهما ورفعهما إلى الجهة المخولة باتخاذ القرار ..
كان عليّ أن أسافر إلى القاهرة قبيل الانتخابات لأنني كنت أحضر لرسالة الماجستير ، وسافرت وعدت ..
وسألت فقالوا : كان القرار مع مقاطعة الانتخابات ..
وقاطع الناس ، وخسرت القائمة التي كنا نساندها وكانت تمثلنا ..
في الصفحة القادمة أحكي لكم عن بعض التفصيلات والخلفيات وعن عرض حافظ أسد على الشيخ إبراهيم نصف مقاعد قائمة الجبهة ، والتحدي الذي كان بين الشيخ إبراهيم وزهير مشارقة ، ولماذا رفض الشيخ إبراهيم الصلاة على زهير مشارقة ، وحضور عزائه .. وكان لكل ذلك تبعات استكملها في الورقة القادمة إن شاء الله كي لا أطيل في هذا المقام ..
العقل السياسي ليس ترسا ..
وسوم: العدد 873