وقفة مع مشهدين تداولتهما وسائل التواصل الاجتماعي مشهد محزن وآخر مفرح

من المعلوم أن الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي وما تقدمه من  مواد إعلامية مختلفة  قد تضاعفت وتيرته أضعافا كثيرة في ظرف الحجر الصحي الذي فرضه الوباء ، والذي نسأل الله عز وجل أن يعجل برفعه عن الناس كافة  في كل مكان . ولقد كان الناس مدمنون على وسائل التواصل الاجتماعي قبل الجائحة ،فازدادوا بعدها إدمانا  عليها ، وانصرفوا إليها انصرافا .

 والناس في استعمالها صنفان : صنف ينشد من ورائها استعمالها  الاستفادة ، وهم العقلاء  ، وصنف لا قصد له  من وراء استعمالها سوى العبث  العابث وهم السفهاء . وكل إناء بالذي فيه ينضح ، وعلى هؤلاء وهؤلاء يصدق قول الشاعر المتنبي :

مشهدان تداولتهما وسائل التواصل الاجتماعي، الأول صوره فيديو مسجل من طرابلس الغرب لمجموعة من المصلين يصلون المغرب، وهم يؤمنون في صلاتهم على دعوات إمامهم  الذي كان يدعو على الذين يشنون الحرب عليهم  في بلادهم ويمولونها ، وهو مشهد جد محزن ، لأن هؤلاء المساكين اجتمع عليهم خوفان : خوف من طائرات مغيرة تقصف مساكنهم ، وقذائف عشوائية  مدمرة لها ، ورصاص طائش يزرع الموت الأحمر بينهم ، وخوف من فيروس كورونا الفتاك . وإذا كان الخوف الواحد يحول حياة الخائفين إلى  جحيم،  فكيف يكون حالهم إذا تسلط عليهم خوفان ؟

إنه مشهد مؤلم لإمام يتضرع باكيا إلى الله عز وجل  شاكيا إليه  ظلم وعدوان المعتدين الظالمين الذين عوض أن ينفقوا أموالهم وهم يتمرغون في الثروات  لمحاربة الجائحة التي لم تستثن بلدانهم ، قد أنفقوها على تسليح عصابات إجرامية تشيع الموت ، وتروع الأبرياء في ديارهم ، و فوق أرضهم ، وفي وطنهم .

ومن المؤلم أن تكون بلاد المسلمين وحدها هي التي اجتمعت فيها على أهلها  الحروب والجائحة بينما تتكاثف جهود  غيرها من أجل مواجهة الجائحة ، وتوفير ما به يكون القضاء عليها من علاج ودواء ولقاح .

أما المشهد الثاني فهو عبارة عن فيديو آخر صور خبازا في مخبزة بتركيا وقد علق سلة أمام فرنه، وكلما ابتاع زبون خبزا دفع أجر رغيف أو أكثر للخباز ليوضع في السلة التي يستفيد  من أرغفتها المحاويج . وقد صور الفيديو امرأة محتاجة أعطاه الخباز أربعة أرغفة، فأعادت له رغيفين معبرة عن قناعتها ، وما لبثت أن عادت إليه مرة أخرى لتدفع ثمن رغيفين مساهمة منها في أرغفة سلة المحاويج .وصاحب هذا الفيديو تعليق باللغة التركية ، وبترجمة مكتوبة بالعربية يخبر أن هذه عادة من عادات العثمانيين المتشبعين بروح الإسلام . إنه مشهد تدمع له العين فرحا لا حزنا كما دمعت لمشهد المصلين وهم يستغيثون بالله عز وجل من ظلم الظالمين وعدوان المعتدين  .

ومما تلقيت كتعليق على هذا المشهد الأخير قول فاضلة : " لقد دمعت عيني ، وهذا هو المجتمع الذي أتمنى أن أعيش فيه، ليس لأنه تركي، ولكن لأنه مشبع بقيم ديننا الحنيف " .

 وأما أحد الفضلاء فقد علق بالقول : " هذه أخلاق الامبراطورية العثمانية التي حاربها العلمانيون " .

مثل هذه المشاهد وأمثالها هي التي يجب أن يتبادلها المسلمون وهم في شهر الصيام عوض المشاهد العابثة والساخرة من الناس ، ولا يستطيب السخرية من الغير إلا من يعاني نقص يشعره  بضعة  نفسه وهوانها .

إن وسائل التواصل نعمة من نعم الله عز وجل على المسلمين توظيفها فيما يرضي المنعم سبحانه وتعالى، وفيما يفيد هم ، ويزيدهم إيمانا وتقوى وتخلقا بدينهم، وليس توظيفها فيما يفسد أخلاقهم وطباعهم من سخرية  واستهزاء بخلق الله  وقد نهاهم سبحانه وتعالى عن ذلك ،ولكنهم  كالأنعام بل هم أضل ، لهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم قلوب لا يفقهون بها . 

وسوم: العدد 874