من أين أبدأ أيها البدر !؟
هل أعزي فيك ، أم أتقبل العزاء ؟
فصحبة وصداقة أكثر من ثلاثين عاماً لايقوى قلمي أن يختصرها بكلمات !؟ وإن كانت الكلمات هي ما نعبر به في مثل هذه المواقف عندما نفارق أخاً كريماً أو صديقاً عزيزاً !
قدمت إلى المدينة المنورة متعاقداً مع الجامعة الإسلامية لتدريس الأدب والبلاغة في المعهد الثانوي ١٤٠٤ وكان رحمه الله أستاذاً في كلية اللغة العربية فيها ، وجمع بيننا الأدب الإسلامي الذي سعى مع غيره من أساتذتنا الغيوريين على إبرازه ، فكنت بمعيته من أوائل الأعضاء العاملين ١٤٠٥ ! وفي منزله العامر التقيت بعمالقة الأدب تنظيراً وإبداعاً ، وعلى رأسهم الأستاذ أبو الحسن الندوي - طيب الله ثراه - والروائي الكبير نجيب الكيلاني في ندوة عن أدب الطفل فأفدت من نظراته ونقداته لما ينشر ، وبالناقد الدكتور محمد مصطفى هدارة وبطلب منه أجريت حواراً أدبياً معه ، وبالأفاضل الذين كنت أسمع بأسمائهم في ميدان النقد والإبداع من أمثال الراحل محمد حسن بريغش ، والدكتور عدنان علي رضا النحوي - رحمه الله - والدكتور شكري فيصل والدكتور عبد القدرس أبو صالح والدكتور حيدر غدير ! أعرض بضاعتي أمامهم ، وأتلقى نقدهم المشجع البناء ، وكأنني بهذه اللقاءات تغنيني عن قراءة كتب !
كان رحمه الله في نقده يشجع ولا يجامل ، أدفع إليه بعض ماأكتب من شعر أو نقد ، وأنظر إلى مايضع تحته خطوطاً أو بدائل نظرة التلميذ الذي يثق بأستاذه !!
تحدث في إحدى الأمسيات في النادي الأدبي عن أدب الطفل المسلم ، وجعل مما كتبته وماكتبه الأخ الشاعر الراحل عبد القادر حداد من النماذج لما يطمح إليه الأدب الإسلامي ، فكان - رحمه الله - كمن يطبق مقولة ذائعة : إذا أردت أن تعلم أحداً السباحة فاقذف به وأشعره أنك بجانبه !؟ وهكذا تلقيت دعوة من النادي الأدبي الذي كان أحد مستشاريه لإلقاء محاضرة ، بعنوان : أدب الأطفال بين الواقع والطموح ، وكان في مقدمة الحاضرين مع لفيف من المهتمين بالأدب وطلاب الجامعة !
أرافقه إلى الرياض ١٤١٥ وتزداد معرفتي بالأدب الإسلامي ورموزه ، وندعى لتناول السحور بعد أمسية أدبية حافلة والتعرف على وجوه جديدة ، فيعرف بي وتكون القصيدتان اللتان ألقيتهما { عذراً سراييفو / صور من المأساة } من القصائد المختارة لديوان البوسنة والهرسك الذي أصدره مكتب البلاد العربية في رابطة الأدب الإسلامي العالمية .
وفي المدينة المنورة أعتز أن أكون أحد ثلاثة معه للحديث عن موقف الإسلام من الترويح الاجتماعي وميادينه من خلال مقابلة مسجلة للإذاعة .
وحين تفرغ لمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة لم يشغله البحث التاريخي والجغرافي والتراثي عن الأدب ، فكان الموجه الأول في اللقاء الاستشاري حول موضوع المدينة المنورة والطفل المسلم في ١٤٢٧ وقد حضره العديد من الأدباء والأديبات وفيه الأكاديميون ومقدمو البرامج والشعراء وكتاب القصة ، وكنت والأخ الصديق الراحل سليم زنجير ممن أدلى بدلوه في هذا المجال !
ثم يعلن مركز البحوث والنادي الأدبي عن استقطاب النصوص الإبداعية عن المدينة المنورة من خلال أناشيد الأطفال فأتلقى التهنئة منه لأن قصيدة لي وأخرى للأخ سليم وثالثة للصديق عبد الله عيسى السلامة ستكون ضمن الأناشيد المختارة !
رحم الله الأخ والصديق والمعلم الدكتور عبد الباسط بدر الذي ستظل بصماته في خدمة الأدب الإسلامي والمدينة المنورة التي أهداها باكورة أعماله في خدمتها من خلال ثلاث مجلدات تحدثت عن تاريخهاالشامل ! تلك المدينة التي أحبها واستقر بعد مرض أضناه في بقيعها !
رحل عبد الباسط بدر ! وماأكثر البدور التي فقدناها في رحلة الهجرة الشامية التي لماتنته وتلق عصا تسيارها بعد !!
وسوم: العدد 874