سلوك البشر: بين المشاعر والمظاهر!
البشر لهم الظاهر، والله يتولّى السرائر! وهذا من أسرار الله في خلقه ، ومن نعمه عليهم ؛ إذ لايعرف أحد مكنونات الصدور ، لدى البشر، غير الله !
الحديث ، عن قوّة المشاعر وضعفها ، ممكن .. لكنّ وصفَها مستحيل ؛ إذ تعجز وسائل التعبير الإنساني ، عن وصف المشاعر، بل تصف مظاهرها ! وعباقرةُ العصور، في الأدب والفنّ - الرسم والنحت ، والتصوير والتمثيل .. وسواها - يقفون عاجزين، عن وصف المشاعر البشرية ؛ فسائر وسائل التعبير البشرية ، عجزت ، عبر العصور، عن وصف شعور واحد ، على حقيقته ! والإنسان ، نفسه ، عاجز عن وصف مشاعره ، كما يحسّ بها ! ويعبّر عنها بكلمات ، مثل : أنا جائع .. أنا متألم .. أنا أحبّ كذا .. أنا أكره كذا ..أنا شديد الإحساس بالظمأ..! أما حقيقة هذه المشاعر، كما يشعر بها أصحابها ، فسرّ، لايعلمه إلاّ الله !
أراد نحّات ، تصوير المشاعر البشرية ، فعذّب عبداً ، وطفق يرسمه ، وهو يتألم ، فوصف ، عبر أدوات النحت ، ظاهر حركات الجسد ، دون أن يمتلك القدرة ، على وصف مايحسّ به المتألم ، من مشاعر!
الكثيرون يكتمون غيظهم ، ويبتسمون ، أو يقهقهون ، وهم يتآمرون ، على من يضحكون معه ، دون أن يَظهر شيء ، من مشاعرهم ، ودون أن تكون ، لدى أحد، قدرة على معرفة المشاعر، إلاّ من خلال حركات الجسد ، أو بعض السلوكات ، المُنبئة ، عن حقيقة الشعور الإنساني ! ولقد قال الله ، لنبيّه ، عن المنافقين ، الذين يتظاهرون بالإسلام، ويبطنون الكفر: ( ولتَعرفنّهم في لحن القول..).
ومن حكمة الله ، أنه انفرد ، بعلم ماتكنّه الصدور! فلو علم طغاةُ البشر، حقائق المشاعر، التي تخفيها القلوب ، لعبثوا بمصائر الناس ، ولتغيّر وجه الحياة ! وكم حاولوا ، وما زالوا يحاولون .. وكم أخفقوا ، وما زالوا يخفقون !
ولو علم الناس ، بعضُهم مشاعرَ بعض ، وما تخفيه الصدور، من :حبّ وحقد وحسد، وإكبار وإعجاب واحتقار، ونيّات مبيّتة .. لتغيّر وجهُ العالم !
أسامة بن زيد ، قتل رجلاً أعلن إسلامه ، واستنكر النبيّ قتله ، بعد أن نطق بالشهادتين ، فقال أسامة: إنّما قالها خوفاً من القتل! فقال النبيّ: هلاّ شَققتَ عن قلبه!
عمّار بن ياسر، عذّبه المشركون ، فقال كلمة ترضيهم ، فيها كفر، فتركوه .. فشكا عجزه ، عن تحمّل الألم ، للنبيّ ، فسأله عن قلبه ، فأخبره بأنه مطمئنّ بالإيمان ! فقال له النبيّ : فإن عادوا فعُد ! ونزل قرآن ، يُقرّ عمل عمّار!
سئل غلام ، من سكّان المخيّمات العشوائية ، عمّا يحلم ، أن يكونه في المستقبل ! فقال ، ببراءة : إنه يحلم ، بأن يأكل كباباً ! فهل يستطيع أحد من البشر، ان يعرف مشاعرهذا الغلام ، على حقيقتها ، أو مشاعرأهله الجياع ، المرتجفين ، من الخوف والبرد، والذين يعانون ، من قسوة آلام التشرّد والمرض، ومن الإحساسات الطاغية، بالضياع ، وبانتظار المجاهيل ، التي يتوقّعون فيها ، سائر أنواع الهلاك ؟
وإذا كانت معرفة هذه المشاعر مستحيلة ، فالتخفيف منها ممكن ، عبر المساعدات المادّية ، وعبر إظهار التعاطف الإنساني الصادق النبيل ، معها !
وسوم: العدد 874