الدراما العربية وفخ التطبيع
الدراما العربية هذا العام لها نكهة مختلفة ، فهناك بعض الأعمال الدرامية التي تحمل أجندات تطبيعية واضحة كما هو حال قناة mbc التي تبث مسلسل ( أم هارون ) ، وغيرها من المسلسلات الموجهة التي تفوح منها روائح كريهة وتحاول أن تبث سمومها وتشويهها للأحداث والوقائع التاريخية في محاولة مكشوفة لتمرير مواقف سياسية معروفة كانت تشتغل بالسر في أجنداتها التطبيعية وعلاقاتها المنفتحة مع كيان الاحتلال بغطاء سياسي وبدعم من مستويات سياسية متنفذة لها سلطتها المباشرة على هذه القناة وغيرها ، مقابل قناة الميادين الإخبارية التي أبت أن تحيد عن بوصلتها فكانت سباقة ومتميزة ومتوازنة بين نقل الأخبار والبرامج السياسية والحوارية المتنوعة وبين بث حلقات متواصلة من مسلسل ( حارس القدس ) ليتضح للمتلقي والمشاهد العربي الفرق بين القنوات التلفزيونية المختلفة وخطاب ورواية أي منهما .
فشتان بين روايتين متناقضتين ، لا تلتقيان في هذا الزمن الصعب .
فخ التطبيع بالمرصاد ، يترقب ، ويسلط الضوء على خفايا ما قبل العرض وما بعد إسدال الستار ، فالموضوع عجيب ، وعجيب جداً أن يقبل العربي أن يكون مطيّة ومدجناً ، وأن يكون أداة للخيانة والعار والتخريب ، وأن يقبل ما لم يُقبل !!
صمود ورواية ومفتاح " أم عطا " في مسلسل ( حارس القدس ) في مواجهة رواية وخزعبلات وأكاذيب " أم هارون " في المسلسل التطبيعي الذي ترعاه وتبثه mbc خدمة لمشاريع الهرولة والعلاقة الغرامية مع الكيان الصهيوني الغاصب.
إن أخطر قناة للاختراق نحو التطبيع ومحاولات تجميل الآخر / النقيض ، وإبرازه بأشكال ومضامين مختلفة ، وإعطاءه مطلق الحق ، ومساواة الضحية بالجلاد ، يتم هذه الأيام وبشكل غير مسبوق ، علنياً وبهذه المباشرة الفجّة ، على شاشات بعض الفضائيات العربية التي تعبث بالوعي العربيّ الجمعيّ ، وتكرس خطابها الشنيع لتمرير صفقات مشبوهة على حساب القضية العربية المتمثلة بقضية فلسطين والصراع العربي – الإسرائيلي والنضال القومي والوطني من أجل استرداد الحقوق الوطنية الثابتة والعادلة التي لن تطال منها مليون رواية كرواية " أم هارون " الملفقة ، أو تلك الموقف المخجلة لبعض الفنانين العرب الذين كنا نحترمهم ونقدر أدائهم ومشاريعهم الفنية كفنانين ومثقفين لهم وزنهم في المشهد الفنيّ العربيّ .
لطالما أكدنا وحذرنا من خطورة التطبيع الثقافي والفني من قبل أي فنان ممكن أن تخونه الذاكرة ، أو تستدرجه العروض والإغراءات المادية والظهور ببعض البرامج التي تسلخه عن واقعه وعن ثقافته وعن فنه ، ليكون عراباً ، بل بوقاً للخديعة والتضليل والعار !!
رمضان حافل هذا العام بالأعمال الدرامية والبرامج المتنوعة عبر فضائيات العالم العربيّ التي انشغلت معظمها بتفاهات واستعراضات صوتية وبرامج مثيرة هابطة تكلف ملايين الدولارات وكأن الإنسان العربي من المحيط إلى الخليج والمقهور سياسياً وطبقياً واقتصادياً واجتماعياً بحاجة إلى هذا الترفيه السخيف الممجوج المتداعي الذي يراد من وراءه فرض ثقافة جديدة وذائقة جديدة للمشاهد العربي وإشغاله عن قضاياه وعن دروب الفن الأخرى التي فيها من القيم والمعاني وروعة الأداء والإخراج والتمثيل ، كما هو حال العديد من المسلسلات المسليّة التي لا تخدش الذوق العام ولا تبشر بالهزيمة والانسلاخ عن الهوية العربية العريقة .
هناك مسلسلات موجهة تريد كّي الوعي العربي والانتقاص من تاريخ نضال وكفاح الشعب الفلسطيني ، وهناك من يروج لعلاقة جديدة مع الآخرين الذين كالوا لنا العداء والدمار وأذاقونا مرارة الظلم والقهر والمآسي في فلسطين وفي العالم العربي ، وهناك من يروج للمس بالنسيج الاجتماعي ويحرض طائفياً ومذهبياً ودينياً ، وهناك من يحاول استبدال ثقافتنا الاجتماعية ويخدعنا بوجود كل هذا الكم من الخيانات الزوجية وكأن المرأة العربية عاهرة سبيل !!
أبداً لم ننطلق يومياً في موقفنا وفي تحلينا للواقع من دوافع دينية ، ولم نرفض " اليهود " كونهم يهود بالديانة ، أبداً ، بل رفضنا ونرفض كل هذا التزوير والعبث بالتاريخ والرواية التاريخية وحقائق الأمور وبخاصة في بلداننا العربية في الخليج ، فإذا كان لا بد من مسلسل يتناول " مآسي اليهود " فاذهبوا إلى العراق وتونس والمغرب وليبيا ، والى فلسطين قبل كل ذلك التي كانت مثالاً لتعايش وتسامح وتآخي الديانات الثلاث : اليهودية والمسيحية والإسلام ، فمن الذي عبث بهذا الإرث وارتكب المجازر المروعة والتفجيرات الدموية من أجل إجبار اليهود في تلك البلدان العربية على الهجرة إلى الكيان الغاصب في فلسطين ، ومن الذي هجر كل هؤلاء بهدف إقامة " الوطن القومي لليهود " على أرض فلسطين انسجاماً مع الوعد المشؤوم !!
هي رسالة لتلك الفضائيات العربية أن تراجع أدوارها ، وأن تكون مرآة حقيقية للحالة العربية بثقافتها وفنها ومسرحها وجمالها وأصالتها وصدقها مع المشاهد العربي الذي تشوهت ذائقته بفعل كل تلك المخدرات والسموم التي يتعاطاها يومياً عبر شاشات تنطق بالعربية .
وسوم: العدد 875