استشهاد الصينيين ببيت " شوقي " عن وحدة الشرقيين في الهم
" نصحت ونحن مختلفون داراً * ولكنْ كلنا في الهم شرقُ " ، البيت مثلما هو معروف لأمير الشعراء العرب أحمد شوقي من رائعته " نكبة دمشق " التي قالها حزنا وحسرة على دمشق حين قصفها المحتلون الفرنسيون بمدفعيتهم وطائراتهم قصفا عنيفا بربريا في 1925. البيت تذكره الصينيون ، فكتبوه على الإرساليات الطبية التي قدموها إلى مصر لمعاونتها في مقاومة جائحة كورونا . تذكر الصينيين للبيت واستشهادهم به بيانا لقوة الصلات بين أهل الشرق ؛ ثري بالدلالات والإشارات ، ومنها معرفتهم بالثقافة العربية في تجليها الأدبي وسواه من التجليات ، فتتناول هذه المعرفة الطباع والأذواق والعادات والمعتقدات . وكل هذا نراه في مصنوعاتهم التي تستوردها البلدان العربية . هذه المصنوعات تستجيب لكل الخصائص النفسية والاجتماعية العربية ، ومعرفتهم هذه تعم كل العالم ، فيصنعون لكل بلد ما يلائمه . وما دام مبتدأ الموضوع مصر ، نشاهد أنهم يسمون الدراجات النارية التي يصدرونها إلى مصر أسماء مصرية السمة والذوق ، مثل " هوا " بيانا لسرعتها ، و " حلاوة " بيانا لأناقتها وحسنها . ووفقوا إلى درجة مرتفعة جدا في اختيار بيت شوقي وكتابته على معونتهم لما فيه من توكيد على وحدة هم الشرقيين ، وبالتلازم المنطقي وحدة فرحهم بصفتهم أبناء جغرافيا واحدة وإن ترامت أطرافا . البيت أساسا مقصود به " الشرقية " التي تجمع مصر وسوريا ، ووسعه الصينيون ليعم كل من هو شرقي ، فوظفوه توظيفا ذكيا مصيبا . والمعروف أن " الشرق " و " الغرب " مصطلحان شاعا في زمن التوسع الاستعمار الأوروبي في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر . وأصر الشاعر والقاص الإنجليزي العنصري ، شاعر الاستعمار ، على أن " الشرق شرق ، والغرب غرب ، ولن يلتقيا " باذرا بمقولته بذور مفهوم صراع الحضارات الذي دافع عنه المفكر الأميركي هتنجتون في ثمانينات القرن المنصرم . ودائما بيَن الصينيون اطلاعهم على الثقافة والتاريخ العربيين ، وبداهةً على الثقافة والتاريخ الإسلاميين . مرة قال الزعيم الصيني ماوتسي تونج لصحفي عربي يبدو أنه اشتكى له سوء حال العرب : " عندكم عمر! " ، يقصد الخليفة عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ . " عندكم عمر! " ، جملة من كلمتين ، مبتدأ مؤخر ، وخبر مقدم ، وعلى إيجازها تفصح عن فهم صيني عميق لشخصية الفاروق العظيم رجل دولة وراعي أمة يرى نفسه وهو في المدينة المنورة مسئولا عن تمهيد الطرق في العراق حتى لا تعثر أي بغلة تسير عليها .
وفي التاريخ القديم سأل قائد صيني قائدا عربيا : " بم ينتصر جنودكم ؟ " ، فأجابه : " بشجاعتهم " ، فعارضه الصيني : " لا ، ينتصرون بحبهم للشهادة " . وفي مراجحة توازنية مع المعرفة الصينية بالعرب ثقافة وتاريخا ، عرف العرب الصين منذ القدم . الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ يأمر ناصحا : " اطلبوا العلم ولو في الصين ! " ، والجاحظ عالم الأدب والاجتماع في العصر العباسي يصف أهل الصين بأهل صناعات وحرف . ومن أخطاء العرب ، وما أكثرها ، قلة تعلمنا ، بل انعدامه من الصينيين ، وأعظم ما يجب تعلمه منهم كيفية تحويلهم الكثرة العددية السكانية إلى قوة إنتاج وازدهار شامل بدل أن تكون بلاء بطالة وفقر وتخلف ومشكلات لها أول وليس لها آخر . إسرائيل أفاقت مبكرا على أهمية الصين ، وسارعت في 9 يناير 1950 إلى الاعتراف الرسمي ب " جمهورية الصين الشعبية " دون إقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين . وتربطها الآن بها علاقات دبلوماسية وتجارية وتكنولوجية وعسكرية واقتصادية في مجال الاستثمار الذي تحتج عليه أميركا ، واحتجاجها حرك الشكوك حول سبب وفاة السفير الصيني دو وي في شقته في هرتسليا شمالي تل أبيب منذ أيام .وقبل عدة سنوات أنشأت إسرائيل " القرية الصينية " ليتعلم فيها تلاميذ إسرائيليون اللغة الصينية وما يتصل بها من ثقافة وتاريخ الصين ليكون هؤلاء التلاميذ في المستقبل وسيلة تفاهم وتوثيق للعلاقات بين البلدين . ورئيس وزرائها السابق إيهود أولمرت ابن يهودي صيني . وهي تدرك أن الصين هي القوة العالمية العظمى المقتربة . الصينيون يعرفون أن الجغرافيا توحد العواطف بين أهلها وتوحد المصالح ، والعرب لا يعاملون بعضهم بعضا وفق ما تمليه الجغرافيا ، وبينهم ما هو أكثر منها ، إلا في البعد السلبي ، فيتحاربون ويتآمرون لقتل مواطنيهم وتخريب أوطانهم ، ويحالفون العدو حلف وفاء ، ويعادون الشقيق عداء حرب ودماء .
وسوم: العدد 877