في أدب الاختلاف
[ باختصار من كتاب "لله ثم للتاريخ" للمستشار عبد الله العقيل – ص 62 فما بعد ]
الواجب على المتحاورين الحذر الكامل من غمز الآخرين أو لمزهم، أو تسفيه آرائهم، أو التعالي عليهم، أو الحرص على هزيمتهم، أو الشغب بالصراخ ورفع الصوت على أصواتهم، بل الواجبُ اللينُ معهم لكسب قلوبهم، وإشعارُهم بأننا طلاب حق نبحث عنه وننشُده، ونسعى لالتزامه وتبنّيه حيثما وجدناه، وهذا هو الأسلوب الكريم الذي يحفظ للإنسان كرامته، فلا تأخذه العزة بالإثم، ولا يتشبث بالباطل، رغم انكشافه، بل يميل إلى الحق لوضوحه، وقوة براهينه، وجمال عَرضه، وحُسن تقديمه.
يقول د. العلواني في كتابه القيّم (أدب الاختلاف في الإسلام): "لقد كان المؤمنون المخلصون يؤمّلون أن تنطلق هذه الصحوة الخيرة، لتردم ما أحدثته الأفكار الكافرة والملحدة، والعقائد الزائفة المنحرفة من هوّة سحيقة في كيان هذه الأمة، وتطهر قلوبهم من ذلك الزيغ لتحل محله العقيدة الإسلامية الصحيحة، ثم تنطلق برسالة الله إلى هذا العالم الفسيح، فتعلو كلمة الله في الأرض. ولكن ما يحُزّ في النفس أن يعمل بعض أبناء المسلمين على تحطيم أجنحة الصحوة وتكبيلها بقيود الخلاف غير المنضبط حول ما يستحق من الأمور، وما لا يستحق، الأمر الذي شَغَل المسلمين بأنفسهم، وبدد الكثير من طاقاتهم، وخلط أمامهم الأشياء خلطاً عجيباً، جعلهم لا يفرّقون بين الهَنَات الهيّنات وعظامِ الأمور، وبين يسيرها وجليلها، فكيف يمكن لقوم هذا شأنهم أن يعالجوا قضاياهم بحسب أهميتها؟! وأن يرتّبوا الأمور بشكل يجعلهم قادرين على استئناف مسيرة الحياة الإسلامية؟!.
إنّ إثارة الخلاف بين المسلمين أو تنمية أسبابه خيانةٌ عظمى لأهداف الإسلام، وتدميرٌ لهذه الصحوة المعاصرة التي أحْيَت الأمل في النفوس، وهو تعويق لمسيرة الإسلام وتشتيت لجهود العاملين المخلصين، وهذا لا يُرضي الله عز وجل. ولذلك فإنّ من أهم واجبات المسلمين اليوم العملَ على توحيد فصائل حَمَلة الإسلام ودعاته، والقضاء على كل عوامل الخلاف بينهم، فإن كان لا محالة، فليكن في أضيق الحدود، وضمن آداب سلفنا الصالح، ولا يَمنع اختلافُ الآراء من التقاء القلوب لاستئناف الحياة الإسلامية الكريمة، ما دامت النية خالصة لوجه الله تعالى، وعندها فلن يُعدَموا التوفيق والتأييد من الله تعالى.
وكيف يُحسم الخلاف بين المتحاورين؟
- إنّ الذي يحسم الخلاف هو أن يتصف المحاورون والدعاة إلى الله بالبُعد عن مواطن الخلاف، لأن الخلاف في الفرعيات أمر واقع في القديم والحديث، وسيبقى إلى يوم القيامة، وقد كان واقعاً بين الصحابة أنفسهم، رضي الله عنهم، وهم خير القرون. وحَسْبُ المسلمين اليوم أن يجتمعوا على ما يصير به المسلم مسلماً.
- الذي أضعف الحوار بين الجماعات الإسلامية الموجودة اليوم، هو تأثر بعضها بأهواء الحكام، وتصديقُهم لمزاعمهم، ومهادنتهم للعامة والدهماء وأصحاب الهوى وضعاف العقول في الشارع العربي، الذين يتأثرون بالدعايات الكاذبة، ويركضون خلف كل ناعق، يزخرف لهم القول، ويعطيهم معسول المواعيد والأماني، فيصدّقونه وينقادون لأكاذيبه، ويجعلونه البطل والزعيم، والمُنقذ والمُخلّص، وهو في الحقيقة عبد من عبيد الشرق أو الغرب، وأسدٌ غضنفر على شعبه البائس المسكين:
عبيدٌ للأجانب هُم ولكن على أبناء جلدتهم أُسودُ
وللتفريق بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة عند الحوار، يجب النظر في حالة المتحاورين، وسيرة كل منهم، فمَن غلب على حاله الاستقامة والصدق والإخلاص وتحرّي الحق، وكان معروفاً بذلك لدى الناس، فهذا نُحسن الظن به، ومَن كان على غير ذلك بأن كان سيء السيرة والسلوك، أو متقلب المواقف والأحوال، أو راكضاً وراء المطامع الدنيوية، أو منافق اللسان مرتزقاً، فهو صاحب مصلحة شخصية، لا يُقبَل حواره، ولا يُسمع لكلامه، بل يُنبَذ بعيداً عن مواطن الحوار الهادف البنّاء.
وسوم: العدد 877