“الاختيار” في خدمة الإخوان المسلمين… كيف؟!
“البروباغندا”، لا تصنع من الفسيخ شربات، ولا من “الاختيار” مسلسلاً ناجحاً، وإن تم فرضه بقوة السلاح، تماماً كما لم تمنح الدبابة السيسي “المنسوب الآمن” من الشرعية، فذهب يشتريها من الخارج، تارة بالتفريط في التراب الوطني، وتارة بالتفريط في مياه النيل، وأخرى بعقد صفقات تجارية هي أقرب لشراء الذمم، كما فعل مع ألمانيا وفرنسا!
دعك من عبد الفتاح السيسي، فالمسلسل المذكور هو موضوع هذه الزاوية اليوم. وهو مسلسل قام بتجسيد حياة ضابط الصاعقة أحمد صابر منسي، الذي قتل في رفح على أيدي مسلحين، وقد أنتجته شركة السلطة للإنتاج الفني “سينرجي”، التي يقوم عليها “فلتة جيله” تامر مرسي، وهي شركة تحتكر الدراما في مصر في زمن الانقلاب العسكري، وفي هذا العام تركت عددا من الأعمال الدرامية لشركات أخرى. واستهدفت بهذا العمل، التأكيد على شجاعة ضباط الجيش ووطنيتهم والتضحيات، التي يقدمونها من أجل الوطن، ويتم التعويض بالكفاءة المتواضعة بالأداء المباشر، والدعاية الفجة، حدث في هذا العمل، كما حدث في غيره!
فمؤلف المسلسل، هو في النهاية ليس له قدم صدق في مجال التأليف، في بلد يجلس فيه المؤلفون الكبار، وكتاب الدراما، في بيوتهم، لكن عملية الاستعانة بربع مؤلف وربع مخرج، هي لتمكين “الوافد على ساحة الإنتاج” بقوة الدبابة، والهابط على المشهد بـ “الباراشوت”، (إلا من أعمال قليلة قام بها قبل الثورة، لم تصنع له اسما ولم تحقق له وجوداً) من السيطرة على العمل فيصبح هو المؤلف والمخرج!
نعلم أنه في الآونة الأخيرة ظهرت فئة من كتاب الدراما، يكتبون “أعمالاً” بالتفصيل على “مقاس النجم”، ويسمحون لهذا النجم في التدخل بالحذف والاضافة، لكنه تدخل من قبل صاحب خبرة في المجال، وشتان بين تدخل عادل إمام مثلاً، وتدخل تامر مرسي، وشتان بين عمل يكتبه يوسف معاطي على “مقاس النجم”، وآخر يكتبه باهر دويدار.
وقد روعي في اختيار طاقم المسلسل، أن يكون على مستوى منتجه، ليكون النجاح للموضوع، وهو تضحيات ضباط الجيش، والنيل من الخصوم، أو من منافسي الحكم العسكري!
ومن هنا تم توجيه الذباب الالكتروني للدعاية للعمل، منذ الحلقة الأولى، بل وقبل عرض الحلقة الأولى، وكانت دعاية فجة، تفتقد للرصانة، وتنحدر لمستوى ردح الحواري، وما يلزمه من “فرش الملاية”، وكأنه العمل الدرامي المصري الأول، وقبله كان العدم الدرامي، والدعاية على “السوشيال ميديا” تدور حول هذا العمل، الذي أحبط الإخوان، وهزمهم، وجعلهم لا ينامون الليل، وفي وقت مبكر، ربما لم يكن الإخوان قد عرفوا شيئاً عن المسلسل، وما عرفه السواد الأعظم كان من هذه الحملة التي انطلقت على أرضية “كيد الضرائر”، لكنها كانت الدعاية التي تفيد بهزيمة “العدو الإخواني”، وربما وفاته بالسكتة القلبية، لهذا العمل، ولشخصية “المنسي”، مع أن “المنسي” في النهاية قد قتل!
هزيمة هشام عشماوي
لا ننسى أن المسلسل، وعلى طريقة الدعاية، جسد شخصية هشام عشماوي، وقد ضرب التيارات الدينية كلها في “الخلاط”، ليصنع منها “كوكتيلا”، اسمه “الإخوان”. فعشماوي، الذي جسد في “الاختيار” شخصية المتطرف، ليس منتمياً لجماعة الإخوان المسلمين، وهو في انتمائه لتنظيم الدولة إنما يعادي الإخوان ومشروعهم، ومن جانبهم يتمنى الإخوان أن يستيقظوا من النوم فلا يجدوا الحركات الدينية الأخرى، لأنها هي المنافس الحقيقي لهم، سواء على الساحة السياسية، أو في مجال الدين والدعوة والاستقطاب!
ولن تنجح الدعاية، وما قامت به اللجان الإلكترونية، والذباب الإلكتروني، من ادخال الغش والتدليس على الناس، ودفعهم للاعتقاد أن هذا من ذاك، وأن هذا هو ذاك، وأن هشام عشماوي من الإخوان، إنما سيظل في الصورة بالشكل الذي قدمه به المسلسل هو دعاية غير مباشرة للجماعة، تشبه إلى حد كبير الدعاية الفجة ضد الإسلام بعد أحداث سبتمبر/أيلول، والتي نتج عنها قيام الغربيين في محاولة التعرف على هذا الدين، ونتج عن هذه الدعاية دخول أعداد كبيرة في الإسلام، وإذا كان البسطاء قد ينطلي عليهم الأمر في البداية، ويعتقدون أن عشماوي من “الإخوان”، فماذا لو دفعهم الاهتمام للبحث عن الحقيقة، وماذا لو وصلوا إلى أنه ليس منهم، وأنه معاد لهم، مع ما ينتجه هذا من أثار أخصها اتساع رقعة التعاطف معهم!
لقد أنتج مسلسل “الجماعة” في عهد مبارك، وهو عمل كتبه وحيد حامد، وهو وإن ينتمي لمدرسة التوجيه السياسي في الكتابة الدرامية، إلا أنه في النهاية كاتب كبير ومتمكن من أدواته وليس باهر دويدار، الذي لا يزال يحبو في هذا المجال، وسنوات عمله لا تؤهل المحرر تحت التمرين، سوى للانتقال لبداية الاحتراف في مجال الصحافة، وليس هذا موضوعنا!
فمسلسل “الجماعة”، كان يهدف لتشويه الإخوان بعد تجربة فوز (88) مرشحاً لهم في عضوية البرلمان في سنة 2005، وإذ قامت الثورة، فقد تبين للجميع أنهم حزب الأغلبية، ولم يخذلهم الشعب، بعد هذا المسلسل، في خمسة استحقاقات انتخابية، على مدى عامين، ولم يتمكن القوم من اسقاطهم بواسطة الجماهير، التي شاهدت مسلسل “الجماعة” والدعاية التليفزيونية المضادة، فكان الانقلاب العسكري.
فهل أساء مسلسل “الاختيار” للإخوان، أم أنه مثل دعاية مضافة لهم، سينتج عنها التعاطف معهم، عندما تنجح الدعاية في تشويه هشام عشماوي، ثم يتبين أنه لا ينتمي للإخوان، وإنما هو معاد لهم، وقد صدرت من التنظيم، الذي ينتمي اليه بيانات بهذا المعنى؟! وأن نسبته للمؤسسة العسكرية (باعتباره ابنها وإن فصلته) هو أقرب من عملية الحاقه في الإخوان المسلمين، وقد كان قتلة الرئيس السادات، بقيادة الملازم أول خالد الإسلامبولي، هم من خير أجناد الأرض، وينتمون للمؤسسة العسكرية، وكان المتهم بالعلم والموافقة وإن لم يشارك في التخطيط أو التنفيذ هو المقدم عبود الزمر، الضابط السابق في المخابرات العسكرية، التي عمل فيها عبد الفتاح السيسي بعد ذلك!
زفة عشماوي في المطار
لا تتوفر لدي معلومات كافية حول شخص هشام عشماوي، فحتى الحلقة التي خصصها عبد الله الشريف له في برنامجه على “يوتيوب”، قيل إن فيها الكثير من المعلومات غير الدقيقة، لكن المعروف، أنه ألقي القبض عليه في ليبيا، وظل هناك خاضعاً للتحقيق والاستجواب، ثم أرسلوه إلى مصر، وسط زفة دعائية توحي، كما لو أن من أعتقله هو الجيش المصري، على غير الواقع!
بيد أن “الزفة” فشلت عندما وسد أمر استقباله تليفزيونياً لمذيع غير محترف، هو خالد أبو بكر، في سلطة يستهويها الاستعانة بغير المحترفين، وكان الملح الكاشف عن ذلك هو أن تجري مخرجة تليفزيونية الحوار الدعائي للسيسي في ولايته الثانية ساندرا نشأت، ثم اختفت بعدها، لتكون البطولة المطلقة للسيسي لا ينازعه فيها مذيع، وذلك على العكس من ولايته الأولى، بل على العكس من مبارك، الذي حاوره عماد أديب بكل حضوره، وإن حاول أن يعيد تقديمه للناس، فلم يساعده مبارك في هذه المهمة!
لقد بدد خالد أبو بكر هذه اللحظة بتردده، وتلعثمه، وارتباكه، وأيضاً بطبقة صوته الضعيفة، التي لا تصلح لبيان إعلان الحرب، فأضحك الثكالى وهو يقول بحميمية ممثل غير موهوب: “مرحب بك في مصر يا هشام”. والمعنى في بطن المذيع، الذي كان يريد أن يقول له ما رأيك الآن، وقد جئنا بك إلى مصر مقبوضاً عليك؟ ألا تشعر بالندم؟ هل كنت تظن أنك أقوى من المخابرات المصرية والجيش المصري؟
وفي مثل هذه الأحوال يكون الرد أنه يشعر بالندم، لكن عشماوي لم يرد، وبالتالي لم يمكنه من تحقيق أي انتصار، ويبدو أنه لم يمكن القوم من الانتصار في أي مراحل التحقيق والمحاكمة، فلم نسمع بعد هذا إلا بخبر الحكم بإعدامه وتنفيذ الحكم!
ولا شك أن اعترافاته أو ندمه أو ضعفه، كانت ستمثل دعاية مضادة أكثر من أي عمل فني يكتبه غير محترف، ويظن القوم أنه يمكن أن يحقق المراد في احتشاد الذباب الإلكتروني في مهمة الترويج للمسلسل باعتباره عملاً فنياً كبيراً هزم العدو، وأوقع بمعسكر الإخوان خسائر كبيرة، ونال من شعبيتهم، إذن ما رأيكم في انتخابات يخوضها معسكر السيسي مع الإخوان لنتأكد من مدى نجاح مسلسل “الاختيار”، ومصر مقبلة على انتخابات برلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟!
أعمال صالح مرسي
بعيداً عن السجال السياسي، الذي هو مفتعل في طبيعة حالة الاستقطاب التي تعيشها مصر، فلا شك أننا في مواجهة عمل ضعيف، من الناحية الفنية، ومن حيث تحقيق رسالته، وذلك على العكس من صالح مرسي، الذي كتب الكثير من الأعمال، التي تجسد بطولات لضباط المخابرات، وكل قصة كانت في حدود أوراق معدودات، فحولها إلى ملاحم، جذبت انتباه المشاهدين، ونجحت في رد الاعتبار شعبياً لهذا الجهاز، بعد أن انكفأ على ذاته يرمم سمعته التي نالت منها القضية التي قدم بها جمال عبد الناصر مدير الجهاز صلاح نصر للمحاكمة، فيما عُرف بقضية انحراف المخابرات، واستطاع بابتعاده أن يكون طرفاً في العراك السياسي المصري، وبهذه الدراما التي أكدت على طبيعة دوره المنحاز لقضية الأمة: “الصراع العربي – الإسرائيلي” أن يكسب قلوب المصريين معه، وبدون ذباب الكتروني، أو دعاية موجهة، فقد كان الأداء والدراما المحترفة القوية سبباً في تجاوز المجتمع المصري لكل ما سبق وعلق في الأذهان من مراحل سابقة!
لقد فشل مسلسل “الاختيار” ولو أقاموا له ضريحا، ونصبوا حوله حلقة ذكر، وكتبوا عليه هذا مقام العارف بالله تامر مرسي! الفن له ناسه.
وسوم: العدد 878