خواطر ذات مغزى
الخاطرة الأولى :
راهنت روسيا على حصان فاشل في ليبيا فقدمت دعماً ( لحفتر) قائد الانقلاب على الشرعية الديمقراطية فيها، المقاربة الروسية الخاطئة في ليبيا - التي تعتبر المفتاح الأوسط لشمال القارة الأفريقية وجنوب المتوسط -، نتجت المقاربة عن سوء في تقدير المصالح الروسية بشكل ساذج، وتساوقاً مع تقديرات بعض الدول الخليجية المدفوعة الثمن، والتي أنفقت موازنات ضخمة من ثرواتها النفطية واستثمرتها، في تعطيل مسار الربيع العربي، ومحاولة إفشال التحول الديمقراطي نحو منظومة الحكم الرشيد، وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية.
ذهبت روسيا إلى مغامرة خاسرة، واضاعت فرصة حقيقية لتعزيز حضورها الدولي ونفوذها الإقليمي، لو اختارت الانحياز إلى خيار الشعب الليبي وحكومته الشرعية، هل انتهت الفرصة ام ان الباب لا زال موارباً لتصحيح المواقف، والقفز من المركب المتهالك قبل أن يغرق؟ ، لا سيما وأن الموقف الدولي بدأ بإضافة هذا الموقف إلى قائمة المواقف التي من شأنها أن تفرض عقوبات إضافية على الدولة الروسية.
الخاطرة الثانية :
يوم 3 يونيو 2013 نجح الإنقلاب العسكري في مصر بدعم إقليمي ومباركة دولية بازاحة اول رئيس مصري مدني منتخب، هو الدكتور محمد مرسي - رحمة الله عليه - بعد أن لبث في السجن بضع سنين قبل أن يقضي نحبه في ظروف مريبة، ستكشف الأيام حقيقة الجريمة التي ارتكبها العسكر، بحق ضحايا الإنقلاب ( الرئيس والدولة والديمقراطية). بعدها تمكنت ( إمبراطورية الضباط) - كما يسميها الباحث يزيد الصايغ - من التحكم بمناحي الدولة والسيطرة على جميع مفاصل الحياة، وكانت النتيجة أن تراجعت مصر وأصبحت شبه دولة كما وصفها رئيس الانقلاب السيسي، تسير نحو الفشل بعد أن فقدت دورها الإقليمي والدولي وأصبحت دولة تابعة ومنقادة في مهب الريح، تعالج مرضى السرطان بجهاز الكفتة، وتواجه جائحة الكورونا بوجبات دسمة من البرسيم والتوابل الهندية!.
الخاطرة الثالثة :
بتاريخ 27 أيار وقبل 60 عاما تعرضت تركيا لأسوأ انقلاب عسكري في تاريخها، ضد الرئيس المدني المنتخب ( عدنان مندرس، الذي قضى أجله أيضاً بالإعدام - يرحمه الله ).
النتيجة : فساد في الحكم، وفشل في الإدارة والاقتصاد.
الخاطرة الرابعة :
السمة الرئيسية لجميع الانقلابات وحركات الطغم العسكرية هي التخلف والفشل وغياب التنمية والعداء لقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
الخاطرة الخامسة :
بتاريخ
15/07/2016
فشلت محاولة الإنقلاب العسكري في تركيا.
النتيجة :
حققت تركيا إنجازات متقدمة في منظومة الأمن المتكامل ( السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، والصحي، والغذائي، والدفاعي)، وحافظت تركيا على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
إذ كشفت الإدارة التركية، في مواجهة جائحة كورونا أن الإنسان هو هدف التنمية وليس أداتها، وأن الاقتصاد والسياسة، أداوات لخدمة الإنسان، وأن السلطة ورأس المال إنما هي الأداة التي تسعى وتتكامل لتحقيق سعادة الإنسان سواء بنشر العدل وإسعاد البشرية، أو بتنمية الإنسان وتزكيته المستمرة.
تسيير طائرة خاصة من تركيا إلى السويد لنقل مواطن تركي مصاب بالكورونا إنما هي إشارة رمزية لهذه النظرية التي تعنى بالإنسان بغض النظر عن عمره ودوره في الإنتاج الاقتصادي.
الإنسان قيمة وليس عبئا على الدولة، بهذه النظرية تميزت الإدارة التركية، ودخلت نادي الدول الكبرى وتنافس على مواقع متقدمة فيه،
ضمن مصاف أكبر 10 اقتصادات في العالم، بعد أن أدركت قيمة التكنلوجيا الرقمية، وأهمية ثورة الذكاء الصناعي .
في نطاق الأمن الدفاعي والردعي، كشفت تركيا عن أحدث طائراتها المسيرة دون طيار من نوع "بيرقدار أقينجي"، والتي تعد الطائرة الأولى من نوعها التي تنتجها تركيا في فئة المقاتلات الهجومية، لتطوير الصناعات الدفاعية العسكرية ضمن رؤيتها للعام 2023.
وبذلك تكون ثالث دولة في العالم تملك هذه التقنية المتطورة، ضمن أنظمة الدعم الإلكتروني والذكاء الاصطناعي.
أما في مجال الأمن الصحي فقد افتتح أردوغان مدينة باشاك شهير الطبية قبل أيام وتعتبر إحدى المستشفيات النموذجية في العالم، باحتوائها على 2600 سرير.
إضافة إلى افتتاح عدة مستشفيات متقدمة ومتميزة منتشرة في البلاد.
أما في مجال البحث عن مصادر الطاقة، فقد أطلقت سفينة الفاتح للتنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط في البحر الأسود .
مع كل تلك الإنجازات يستمر الاختلاف والاشتباك بين نخب المتفرجين في العالم العربي، في الموقف من التجربة التركية.
المعجبون بالنموذج التركي يؤكدون بأن مصدر إعجابهم ليس انحيازا ايدلوجيا لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ولا حبا بشخصية أردوغان الكارزمية، ولكنه انجذاب وإعجاب بقصة النجاح وسردية المنجزات، لدولة من العالم الثالث، والأمل بمستقبل أفضل، حجتهم في ذلك مقابل من يخالفونهم أن دلونا على تجارب أخرى حققت مثل هذه الإنجازات حتى نعجب بهم؟!
الخلاصة ألا يشكل هذا العرض استفزازا لأنظمة الحكم العربي؟ لإجراء مراجعات جادة عنوانها الأبرز المصالحات الداخلية المُؤهلة، للإنتقال إلى محطة الإنتاج والتنمية واليد العليا بدلا من انتظار القروض والمنح والمساعدات، التي من شأنها أن تبقى تلك الدول ليست متخلفة فقط، وإنما عبئاً وعالةً على المجتمع الدولي.
وسوم: العدد 879