الشعر أقدس وأثمن من الجوائز كتب له الخلود وكتب لها
الشعر أقدس وأثمن من الجوائز
كتب له الخلود وكتب لها
محمد شركي
عبر بعض المنتسبين إلى الشعر في بلادنا عن استيائهم من تجميد جائزة المغرب للكتاب في صنف الشعر ، واعتبروا ذلك إجحافا في حق الشعر أو في حقهم، . وهذا الموقف يعكس مدى رفع هؤلاء من قيمة جائزة فوق قيمة الشعر . والمشكل في هذه القضية ليس في الجهة التي حجبت هذه الجائزة بل في الجهة التي استاءت من الحجب لأنها بخست الشعر مقابل الرفع من شأن مجرد جائزة . وعندما نتأمل تاريخ الشعر العربي نجد أن ما رصد له من جوائز من طرف الملوك والخلفاء والأمراء والوزراء والوجهاء شيء يفوق الحصر والعد والتقدير إلا أن كل تلك الجوائز نفقت وتبخرت وبقي الشعر خالدا . ولقد كان أصحاب الملك والسلطان والجاه يستجدون الشعر طلبا للذكر الخالد ، ويدفعون مقابل ذلك جوائز فانية مهما كانت قيمتها ، وهكذا فنيت جوائزهم، وظل ما ظفروا به من ذكر في الشعر خالدا . ولا شك أن جائزة المغرب للكتاب لن تتعلق بغبار جوائز أصحاب الملك والسلطان والجاه ، ومع ذلك تباكى على حجبها المتباكون من المنتسبين إلى الشعر انتساب حقيقة أو انتساب ادعاء . ولو أن الذين استاءوا من حجب هذه الجائزة المغمورة كانوا يقدرون الشعر حق قدره لعبروا عن زهد الشعر فيها قبل أن تزهد فيه . وفي اعتقادي لو أن شاعرا عربيا من القدماء بلغه أن جهة مانحة للجوائز استكثرت جوائزها على الشعر لقال فيها ما يظل وصمة عار على جبين المانحين ولعرض بالجوائز أشنع تعريض إلا أن الذين تباكوا على الجائزة المحجوبة بخسوا الشعر وعرضوا به أقبح تعريض ، ولم يرعوا له قدرا . وإن الذين حجبوا هذه الجائزة المغمورة إذا ما قيست بالجوائز المرصودة للشعر العربي عبر تاريخه الطويل ابتدعوا بدعة سيئة تلقفوها من الأغيار تحت تأثير الاستلاب والتبعية ، ذلك أنه ما تبث في عكاظ العرب ، وهو أهم محفل للاحتفاء بالشعر أن أخر البث في أمر الشعراء أو حجبه بل جرت عادته أن يتوج شاعرا ، ولم يكن تتويجه تنكرا لغيره بل كان التتويج عبارة عن تشريف للشعر وللشعراء جميعا ، وكأن هؤلاء ينتدبون منهم من يتولى تمثيلهم في هذا التشريف الذي يشملهم جميعا . والجهة التي حجبت جائزة المغرب للكتاب عن صنف الشعر إنما بخست الشعر المغربي ، وبخست أهله حين رفعت من قدر جائزتها وحطت من قدر الشعر . وأخيرا نقول إن شأن الذين حجبوا هذه الجائزة كشأن الذين استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ،واستحقوا بذلك أن يهبطوا وأن يضرب عليهم ما ضرب على الذين هبطوا مثلهم من قبل وأن يبوءوا بمثل ما باءوا. وسيبقى الذي هو خير خالدا والذي هو أدنى إلى زوال وفناء .