عودة أيا صوفيا مسجداً غمرت قلوب المسلمين فرحة وابتهاجاً
قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
الفرحة التي غمرت قلوب المسلمين من عمق بلاد السند والهند وروسيا والصين مروراً بدول شرق آسيا والشرق الأوسط والأدنى وشمال أفريقيا وعمقها حتى جنوب أفريقيا، والأمريكيتين وأستراليا، أقول الفرحة التي غمرت قلوب هذه الملايين وهي تطرب لسماع النداء الخالد "الله وأكبر.. الله وأكبر" يصدح في جنبات جامع أيا صوفيا ومناراته التي تعانق الجوزاء، لن تعكر صفوها نقيق الضفاضع ولا نعيق الغربان ولا نعيب البوم ولا حتى عواء الذئاب أو نباح الكلاب!!
أردوغان يقولها مدوية: تحويل الكنيسة إلى مسجد مرة أخرى سيسجلها التاريخ
بعد تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، قال أردوغان بصوت جهوري كزئير الأسد: لن أقبل بالتدخل الخارجي بالشأن التركي، وأن طبيعة استخدام “آيا صوفيا” تتعلق بسيادة تركيا، مشيرا إلى أن تحويل الكنيسة إلى مسجد مرة أخرى خطوة سيسجلها التاريخ في صفحاته.
وقال أردوغان عقب توقيعه مرسوماً يعيد كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد بناء على قرار المحكمة العليا في تركيا، إنه يدعو الجميع لاحترام قرار المحكمة العليا بشأن آيا صوفيا، وأضاف أنه لا يتدخل في شؤون الدول الأخرى، لا سيما في قضية أماكن العبادة، و”لن أقبل بالتدخل الخارجي بالشأن الداخلي لتركيا”.
وأشار إلى أن حق الشعب التركي في “آيا صوفيا” لا يقل عن حق من أنشأه قبل 1500 عام.
وأكد أردوغان أن آيا صوفيا سيكون مفتوحا أمام كل من يقصده من المسلمين والمسيحيين وكل الأجانب، مشيرا إلى أن أول صلاة في المسجد ستقام في 24 يوليو/تموز الجاري.
وكان أردوغان قد وقع مرسوما يحول آيا صوفيا إلى مسجد، وذلك عقب فترة وجيزة من قرار المحكمة الإدارية العليا بإلغاء وضع آيا صوفيا كمتحف.
ونشر أردوغان نسخة من المرسوم الذي وقعه على صفحته على تويتر، وينص المرسوم على أن قرارا اتخذ بتسليم إدارة مسجد آيا صوفيا لهيئة الشؤون الدينية في البلاد وفتحه للصلاة.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، إن فتح آيا صوفيا للعبادة لا ينقص شيئا من هويته التاريخية العالمية، مشيرا إلى أن بإمكان مزيد من الناس زيارته.
قلة من فئام الأمة وعبيدها شزوا عن عقيدة الأمة
قلة شاذة من فئام الأمة وعبيدها أبوا إلا أن يشزوا عن عقيدة هذه الأمة وتطلعاتها وأمانيها في إعلاء كلمة التوحيد، فهذا محمد حبش يتحفنا بتغريدة مليئة بالأمنيات البائسة حول قرار المحكمة التركية في إلغاء قرار الحكومة الأتاتوركية السابقة والصادر عام 1934 الذي جعل جامع "أيا صوفيا" متحفاً سياحياً، لتلغي المحكمة القرار القديم بقرار جديد تعيد فيه الأمور إلى نصابها الحق الذي يتمثل في تنفيذ وثيقة الوقف التي تؤكد على أن "أيا صوفيا" مسجداً تقام فيه الجمع والصلوات الخمس، والدخول إليه بلا أجر، فقط أن يكون الداخل إليه متوضئ.
حبش يأبى إلا أن يلوغ بمستنقع العبيد الآسن
يقول محمد حبش في تغريدته المدفوعة الأجر:
"زرت أيا صوفيا، وهو قطعة مذهلة من التاريخ، وكم تمنيت لو كانت المحكمة أكثر شجاعة واتخذت قرارها بأن يكون أيا صوفيا معبداً للأديان، يصلي فيه المسلمون والمسيحيون معاً، وتقام بينهما جوقة الفرح تغني للإيمان، وتخصص فيه منصات للحائرين الباحثين عن الله، فالبناء كبير وهو يتسع للمؤمنين من كل الأمم، وينتهي عهد الثأر والانتقام إلى عصر الحب والوئام، ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله".
شاهت الوجوه التي غيرت بوصلتها نحو أصحاب الدرهم والدينار
الوكيل السابق للأزهر، عباس شومان، أبى إلا أن يدس أنفه في هذا المستنقع الآسن ويقول: إن التوجه التركي لتحويل كنيسة أيا صوفيا لمسجد لا يتفق مع الإسلام، ويتنافى مع تعاليمه السمحة التي تحترم دور العبادة لكل الديانات.
كما علقت الدولة الإماراتية البوذية العبرية، على قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحويل معلم “آيا صوفيا” التاريخي إلى مسجد، وهو القرار الذي وصفته وسائل الإعلام التركية بـ”التاريخي”.
وقالت وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية، نورة الكعبي، في سلسلة تغريدات نشرتها عبر حسابها الرسمي على “تويتر”: “التراث الثقافي قيمة عالمية إنسانية وإرث بشري لجميع الشعوب والثقافات والحضارات، مسؤوليتنا صونه وضمان الحفاظ عليه للأجيال القادمة، ليبقى شاهدا على تعايش الشعوب والأديان وتسامحها".
وتابعت: “آيا صوفيا معلم تاريخي عمره آلاف السنين، تغيير واقعه عبر إدخال تعديلات تمس جوهره الإنساني، يضر بالقيمة الثقافية لهذا الرمز الإنساني الذي كان دوما أيقونة للحوار والتفاعل بين الحضارات والثقافات".
صغار الأمة استفذهم عودة أيا صوفيا مسجداً ونسوا ما فعل الغرب بمساجدنا
هؤلاء الصغار نسوا ما فعله الغرب في مساجدنا، فهذا مسجد "قصر الحمراء" في "غرناطة" حولوه إلى كنيسة "سانتا ماريا"، وهو يقع على أطراف جنوب مدينة مدريد، يقع مسجد قصر الحمراء، الذي يعد من ضمن قائمة كنوز إسبانيا ال ـ12 وأحد أبدع الآثار الإسلامية حتى اليوم.
شيده الملك أبو عبد الله محمد الأول بن الأحمر في مملكة غرناطة خلال النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي على قمة تلة السبيكة، وعلى الجانب الأيسر من نهر دارو أمام أحياء البيسين والقصبة.
استغرق بناؤه أكثر من 150 عاماً، وفق تنظيمات هندسية مميزة ودقيقة وحافلة بالعناصر الزخرفية الرقيقة والدقيقة، وكتابات الآيات القرآنية وبعض المدائح في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ويتميز القصر بباحاته وبروجه ونوافيره وزخرفاته التي ضمت قصائد شعرية على الجدران والعواميد، الشاهدة حتى يومنا هذا على عصر الأندلس الذهبي.
وعلى أنقاض المسجد داخل القصر، أُنشئت كنيسة سانتا ماريا، وهو ما يفسر قرب مكانها من الحمامات التي كانت مخصصة للوضوء، والمئذنة العالية المفتوحة للنداء إلى الصلاة.
مسجد قرطبة الكبير حوله فرديناند الثالث إلى كاتدرائية مريم العذراء
وخلال العهد الأندلسي وتحديداً في عام 784، بدأ أمير قرطبة عبد الرحمن الأول، في بناء مسجد قرطبة الكبير، الذي استمر تطويره قرابة قرنين ونصف القرن من الزمان.
إذ أكمل عملية البناء الأمير عبد الرحمن الثالث، الذي وسع المسجد وزيَّنه وأضاف إليه مئذنة خلال عام 961م.
كما اشترى من بعض المسيحيين أراضي مجاورة للمسجد؛ من أجل إكمال التوسيعات، واعتُبر حينها مسجد قرطبة واحداً من أفخم وأكبر مساجد الدولة في مدينة قرطبة، والتي كان يبلغ عددها ألفاً. وحينما سقط الحكم الأندلسي خلال عام 1236 على يد ملك قشتالة فرديناند الثالث، تحول المسجد إلى كاتدرائية مريم العذراء، وذلك على غرار مئات المساجد في الأندلس.
وفي الوقت الذي هُدمت فيه الكثير من المساجد، بقي مسجد قرطبة على حاله، بسبب تصميمه المعماري الفريد، وعوضاً عن إسقاطه بُنيت وسطه الكاتدرائية.
وفي عام 2006 مسحت كاتدرائية قرطبة اسم المسجد من المواقع الإلكترونية ومن النشرات المطبوعة ومن الدليل السياحي، وذلك من أجل ترسيخ الهوية المسيحية للموقع.
منصف أسباني يسمح للمسلمين برفع الأذان في جامع قرطبة الكبير
في ثمانينيات القرن الماضي، سلّم عمدة قرطبة خوليو أنغويتا، الملقب بالخليفة الأحمر، مفاتيح مسجد يعود لعام 976 إلى الجمعية الإسلامية في عام 1981، وسمح للمسلمين برفع الأذان لأول مرة وأداء صلاة العيد، وذلك بعد عامين من إقرار البرلمان الإسباني لقانون الحريات الدينية عام 1979.
انتقدت الكنيسة والصحافة الإسبانية خطوة "الخليفة الأحمر"؛ وهو الأمر الذي أدى إلى إلغاء القرار، مع تشديد أنغويتا على أن هذا الموقع يعد من الموروثات التاريخية العالمية، بحسب اليونيسكو. وانخرط أنغويتا في مواجهة مع أساقفة المدينة، ليتبين بعد وفاته في مايو/أيار 2020، أنه اعتنق الإسلام سراً، وكان يحاول حماية حقوق الأقليات في قرطبة والتصدي لمحاولات طمس هويات الموروثات الدينية بالمدينة.
مسجد باب المردوم في طليطلة يُمنح لفرسان القديس يوحنا ليحولوه إلى كنيسة
وهذا مسجد باب المردوم في طليطلة الذي يقع في حي سان نيكولاس القديم بمدينة طليطلة في الأندلس، وبُني في العهد الأموي؛ وتحديداً عام 999.
ويعد المسجد من أجمل شواهد الفن الأموي في الأندلس ومصدر وحي للفن المدجن الذي كانت طليطلة موطنه الأصلي.
وبعد استيلاء ألفونسو السادس على المدينة في سنة 1085، منح المسجد لفرسان القديس يوحنا، ثم تم تحويله إلى كنيسة نور المسيح، ثم تحول إلى مزار سياحي اسمه مسجد نور المسيح.
وعلى الواجهة الغربية للمسجد، عُثر على نقش كُتب فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، أقام هذا المسجد أحمد بن حديدي من ماله، ابتغاء ثواب الله، فتم بعون الله على يد موسى بن علي البناء وسعادة فتم في المحرم سنة تسعين وثلاث مئة".
المحتلون الفرنسيون يحولون جوامع الجزائر إلى اسطبلات لخيوله
وحتى متأخراً قام الاستعمار الفرنسي في الجزائر بتحويل العديد من المساجد إلى كنائس، فهذا جامع بكتشاوة الذي يعد من أشهر المساجد التاريخية في العاصمة الجزائر. والذي بُني عام 1792 في العهد العثماني، وهو تحفة معمارية تركية فريدة من نوعها.
سُمي بكتشاوة نسبة إلى السوق التي كانت تقام في الساحة المجاورة، وكان الأتراك يطلقون عليها اسم: سوق الماعز، حيث إن كلمة كتشاوة بالتركية تعني: عنزة.
وخلال الاحتلال الفرنسي، حوّله الدوق دو روفيغو إلى كنيسة تحت إمرة قائد الحملة الفرنسية دي بولينياك.
فأخرج جميع المصاحف إلى ساحة الماعز، التي حملت لاحقاً اسم ساحة الشهداء، وأحرقها عن بكرة أبيها.
ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، إذ عمد إلى قتل 4 آلاف مسلم اعتصموا في المسجد؛ اعتراضاً على قرار تحويله إلى كنيسة، ثم حوّل الجامع إلى إسطبل للخيول بعدما قال جملته الشهيرة "يلزمني أجمل مسجد في المدينة لنجعل منه معبداً لإله المسيحيين".
تم هدم المسجد وبُنيت فوقه كاتدرائية سانت فيليب، ليصلي فيها الفرنسيون أول صلاة، ليلة عيد الميلاد في العام 1832. وبعد الاستقلال مباشرةً عام 1962، استرجع الجزائريون المسجد.
جامع عمرو بن العاص في مصر يحوله ملك بيت المقدس إلى كنيسة
وجامع عمرو بن العاص الذي يعتبر ثاني مسجد في مصر وأشهر مساجد دمياط. أنشأه المسلمون بعد فتح المدينة عام 642 على طراز جامع عمرو بن العاص بالفسطاط.
يحتوي على كتابات كوفية وأعمدة يعود تاريخها للعصر الروماني، وأنشأه الصحابي المقداد بن الأسود في عهد عمرو بن العاص.
في عام 1219، استولى ملك بيت المقدس، جان دي بريين، على دمياط وأمر بتحويل هذا المسجد إلى كنيسة.
ومجدداً في عام 1249، وحينما دخل ملك فرنسا لويس التاسع دمياط، أمر بجعل المسجد كاتدرائية ليقيم فيها حفلات دينية شهدت حضور نائب بابا روما وتعميد طفله.
جامع أشبيلية حوله فرننادو الثاني إلى كنيسة ماريا
وجامع إشبيلية الذي تم تشييده إبان خلافة الموحدين في عهد الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، الذي أمر ببدء أعمال البناء به، وأكمله ابنه أبو يوسف يعقوب. واستمرَت عملية البناء عشر سنوات كاملة، وافتُتح بتاريخ 14 أبريل/نيسان 1182، وكان آية في الجمال العمراني الذي يعكس الفن الإسلامي بتلك الحقبة.
ثم شُيِّدت المئذنة بعد النصر بموقعة الأرك، في 10 يوليو/تموز عام 1195م/591هـ، لتكون حسب طلب الخليفة أعلى من مئذنة جامع قرطبة.
عقب سقوط إشبيلية بيد ملك قشتالة فرناندو الثاني، تم تحويل الجامع إلى كنيسة ماريا، وظلَ محافظاً على شكله القديم، وأقيمت به عدة مصليات منها المصلى الملكي.
بعد ذلك تلاحقت المصائب عليه إثر عدة زلازل ضربت المنطقة، فاتخذ المجلس الكنسي بإشبيلية قراراً بهدمه وبناء كاتدرائية قرطبة مكانه.
وتعد كاتدرائية إشبيلية حالياً كبرى كاتدرائيات القرون الوسطى، وقد اختيرت سنة 2007 لتكون هي الأخرى واحدة من كنوز إسبانيا الاثني عشر.
جامع أيا صوفيا تحفة فنية رائعة
وبالعودة إلى جامع أيا صوفيا فهو يعتبر صرحاً فنياً ومعمارياً فريداً من نوعه، وهو موجود على الضفة الغربية من إسطنبول وفي قلب الإمبراطورية البيزنطية، ولاحقاً منطقة السلطان أحمد بالقرب من جامع السلطان أحمد، وهي تبعد مئات الأمتار فقط عن قصر توب كابي، مركز إقامة السلاطين العثمانيين لأربعة قرون وأكبر قصور إسطنبول.
أيا صوفيا كانت أكبر مبنى في العالم وأعجوبة هندسية في عصرها، وظلت أكبر كاتدرائية في العالم منذ ما يقرب من ألف عام، حتى تم الانتهاء من كاتدرائية إشبيلية في عام 1520.
ولهذا المتحف -الذي كان في السابق مسجداً وقبله كنيسةً- قصّةٌ طويلة عاصرتها إمبراطورية وسلطنة وحروب ومحاولات حثيثة لحمايتها من الزلازل وترميمها والحفاظ على تاريخها العريق، حتى وصلت إلى يومنا هذا.
نتعرف في هذا التقرير معاً على تاريخ هذا المبنى الأثري، الذي شهد قرار تحويله الأخير تصريحاتٍ عنصرية تحمل حقداً بغيضاً على تركيا وحكومتها ورئيسها بعد اصدار المحكمة العليا حكماً بعودتها إلى جامع تقام فيه الصلوات والدخول إليه بلا أجر لكل الناس.
آيا صوفيا.. كنيسة بُنيت منذ 1700 عام!
كان البناء الأصلي لآيا صوفيا مختلفاً تماماً عن الذي نراه الآن، بل لا توجد أي وثائق عن بنائه الأصلي. ونعود لعام 360م، عندما بُني في شهر فبراير /شباط في عهد الإمبراطور قسطنطين الثاني.
دُمّرت الكنيسة لاحقاً بسبب حريق، فأعاد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني بناءها وترميمها عام 415م.
لكنّ البناء الحقيقي لآيا صوفيا، والذي ما زالت بعض آثاره موجودة إلى الآن يرجع لعام 537م، وتحديداً في عهد الإمبراطور جستنيان الأول.
إذ شهدت الكنيسة حريقاً مرة أخرى عام 532، ودمِّرت بالكامل إلى جانب العديد من الكنائس الأخرى بالقسطنطينية في ذلك الوقت، بسبب احتجاجات على فساد جستنيان ورفع الضرائب.
على أثر هذا الحريق، أُعيد بناء كنيسة آيا صوفيا، لتكتمل بعد 5 سنوات في عام 537م.
وكلّف جستنيان الأوّل أعظم وأشهر معماري عصره ببناء الكنيسة. وبُنيت الكنيسة على طراز الباسيليكا المقبب، أي إنّ القبّة الحالية الموجودة هي قبّة الكنيسة.
وبلغ طول هذا البناء الضخم 100 متر، وارتفاع القبّة وحدها 55 متراً، أما قطرها فبلغ 30 متراً.
ويقال إن الإمبراطور جستنيان من شدّة إعجابه بالكنيسة لم يطلق عليها اسم أحد القديسين كما هي العادة، وإنّما أطلق عليها اسم “الحكمة الإلهية".
ومن حينها أصبحت كنيسة آيا صوفيا هي الرمز المسيحيّ الأبرز في المشرق المسيحي، وجوهرة العمارة البيزنطية.
وبقيت الكنيسة مركزاً للديانة المسيحية الأرثوذكسية في الشرق لقرابة ألف عام، قبل أن تشهد بداية الانشقاق بين مسيحيي الشرق والغرب في العام 1054، عندما شهد مبناها عزل البطريرك ميخائيل الأول سيرولاريوس من قِبل المبعوث البابوي للبابا ليو التاسع.
فتح القسطنطينية.. التغيُّر الكبير
ظلّت آيا صوفيا كنيسةً مركزيّة طيلة 916 عاماً، حتّى فتح محمّد الفاتح القسطنطينية في القرن الخامس عشر، حينها انهارت الدولة البيزنطية، وفي يوم الفتح دخل محمّد الفاتح كنيسة آيا صوفيا وأذّن المؤذِّن بصلاة العصر، وكانت هذه أوّل صلاة يصليها المسلمون في الكنيسة التي تحوّلت مباشرةً إلى جامع.
وعلى الرغم من ذلك، لم يجر تدمير فسيفساء الكنيسة المميز، بل تمت تغطية الرسوم والأيقونات المسيحية بالجبس والتي ظهرت من جديد بعد ترميم الكنيسة في القرن العشرين.
وشهدت آيا صوفيا ترميماً وتحويلاً بسيطاً على يد معماري السلطنة العثماني معمار سنان (1489 – 1588)، الذي أضاف المآذن لدعم القبة المرتفعة 54 متراً وحمايتها من الزلازل.
من الجدير ذكره أن سنان كان رئيس المعماريين وأشهرهم خلال حكم السلاطين الأربعة: سليم الأول وسليمان الأول وسليم الثاني ومراد الثالث، وُلد مسيحياً ثم اعتنق الإسلام وساهم في إنشاء أشهر الصروح التركية، مثل مسجد السليمانية، الذي دُفن فيه بعدما أشرف على تصميمه وبنائه بأمر من السلطان سليمان القانوني.
وبين عامي 1847 و 1849، أمر السلطان عبدالمجيد بترميم آيا صوفيا، عمِل عليها أكثر من 800 عامل، تحت إشراف المهندسَين المعماريَّين السويسريين والإيطاليين.
وهؤلاء دمجوا القبة والأقبية وقوَّموا الأعمدة ورمموا زخرفة الخارج والداخل من المبنى.
كما تم الكشف عن الفسيفساء في المعرض العلوي وتنظيفها، واستبدال الثريات القديمة بأخرى معلقة.
عُلقت إطارات جديدة نُقشت عليها كلمات الله، ومحمد، وأبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وأحفاد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: حسن والحسين.
وفي العام 1850 بنى المهندسان فوساتي نزلاً أو مسجلاً للسلطان بطراز بيزنطي مستحدث ربط الجناح الملكي بالمسجد من الخلف.
وتم تجديد المنبر والمحراب، بينما تم إصلاح المآذن وتعديلها من الخارج بحيث تكون متساوية الارتفاع.
استُخدمت كنيسة آيا صوفيا كمسجد لمدة 482 عاماً، واعتبرت درة العمارة في إسطنبول، واشتهرت باسم “المسجد الكبير". وبعد انهيار الدولة العثمانية تحولت إلى متحف في عام 1935، وسط جدل لم يتوقف بين المؤرخين والمثقفين والسياسيين في تركيا بشأن مصير هذا الصرح العريق، فهل تبقى متحفاً أم تعود جامعاً كما أراد لها محمد الفاتح؟
معاودة النشاطات الإسلامية وسط امتعاض دولي
بقيت آيا صوفيا متحفاً لأكثر من 86 عاماً يزورها السياح من شتى أنحاء العالم، إلى أن شهدت في الألفية الثانية مزاولة بعض النشاطات الإسلامية فيها ممهدة لتحويلها إلى مسجد.
وكانت جمعية خدمة الأوقاف والآثار التاريخية والبيئة، رفعت دعوى أمام مجلس الدولة في العام 2008 ضد قرار مجلس الوزراء عام 1934، الذي قضى بتحويل “آيا صوفيا” من مسجد إلى متحف، لتفتح جدالاً محلياً ودولياً حول وظيفة الصرح الديني.
وبعدما رُفضت الدعوى، قدمت الجمعية التماساً من جديد إلى المحكمة الدستورية عام 2015، أشارت فيه إلى أنَّ رفض إعادة “آيا صوفيا” للعبادة يعد انتهاكاً لحرية الأديان.
ثم في 31 مايو/أيار 2014، نظمت جمعية تسمى “شباب الأناضول" فعالية لصلاة الفجر في ساحة المسجد تحت شعار “أحضِر سجادتك وتعالَ”، وذلك في إطار حملة داعية إلى إعادة متحف آيا صوفيا إلى مسجد.
وفي عام 2016، عاد الأذان ليصدح من جديد من داخل متحف آيا صوفيا بإسطنبول في فجر ليلة القدر، خلال برنامج استثنائي نظمته رئاسة الشؤون الدينية التركية.
كما سمحت السلطات برفع الأذان من مآذن المتحف في بعض المناسبات الخاصة ما بعد عام 2016، ولكن من غرفة خاصة للمؤذن بساحة المتحف.
وأُثير كثير من اللغط حول تحوُّل الكنيسة لجامع، فإلى جانب اعتبارها من مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، يرتبط تاريخ آيا صوفيا بالإمبراطورية البيزنطية المسيحية والإمبراطورية العثمانية الإسلامية، وهي من أكثر المواقع الأثرية زيارة في تركيا (3.3 مليون زائر في السنة).
اعتراض يوناني وأمريكي
وكانت اليونان اعترضت في 30 مايو/أيار 2020، على بث برنامج تلفزيوني ينقل تلاوات للقرآن من داخل آيا صوفيا -وتحديداً سورة الفتح-معبرة عن استيائها وقلقها من البرنامج، خاصة أنه يخضع لإشراف رئاسة الشؤون الدينية التركية.
كما شهدت آيا صوفيا في شهر رمضان في العام 2020، بث آيات من القرآن بصورة يومية، وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها بهذه الطريقة المكثفة منذ تحويلها إلى متحف.
وردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي، بقوة على بيان وزارة الخارجية اليونانية، قائلاً: “آيا صوفيا سيبقى قيمة مهمة بالنسبة لتركيا والإنسانية جمعاء، وسنواصل الحفاظ عليه. وندعو اليونان للتخلص من عقدها التاريخية".
بدوره قال سفير الحريات الدينية بوزارة الخارجية الأمريكية سام براونباك، إن متحف “آيا صوفيا” له أهمية روحية وثقافية لمليارات المؤمنين بمعتقدات مختلفة حول العالم، داعياً الحكومة التركية إلى الحفاظ على وضع “آيا صوفيا” كمتحف؛ لإمكانية الوصول إليه من قِبل الجميع.
وردَّ نائب وزير الخارجية التركي، ياووز سليم كيران، قائلاً: “لا تقلق براونباك، تركيا ستواصل حماية تراثها الثقافي والديني. وأي قرار حول آيا صوفيا هو قرار داخلي تركي".
وكان الرئيس التركي قال إنه “من الممكن للسياح أن يزوروا آيا صوفيا كمسجد، كما هو الحال في السلطان أحمد، وأمتنا يجب أن يكون لديها قرارها بذلك".
وفي أحد اجتماعات الحزب الحاكم، قال أردوغان: “الصلاة تؤدى في آيا صوفيا، وتقرأ سورة الفتح، وأمتنا فقط هي التي ستقرر ذلك”، في إشارة إلى أن قرار إعادة “آيا صوفيا” لمسجد قرار تركي سيادي بامتياز.
وثيقة بيع أيا صوفيا
وقد أكدت المحكمة العليا بالوثائق أن جامع أيا صوفيا ملكية خاصة، فقد كشفت مراجع تركية عن وثيقة تاريخية تؤكد أن السلطان (محمد الثاني) المعروف بـ (محمد الفاتح) اشترى مبنى كنيسة (آيا صوفيا) الشهير من القساوسة بأمواله وليس أموال الدولة، وسجله بصك ملكية خاص باسمه.
وتم توثيق الأمر من خلال عقد بيع وتنازل عن الملكية، وإثبات تسديد المبلغ بسندات دفع، وذلك بعد فتح مدينة القسطنطينية خلال فترة حكمه للدولة العثمانية.
ثم قام بتطويب العقار لمصلحة جمعية كوقف باسم (أبو الفتح السلطان محمد)، وبحسب المراجع فقد تم مراجعة 27 ألف مستند، وُجد بينها سند ملكية أصلي (طابو) يوضح ملكية خاصة للعقار، وعليه تقدم أصحاب العقار بطلب إعادة بناء المسجد كما كان يوم شرائه.
-المصادر-
*سوشال-12/7/2020
*عكس السير-11/7/2020
*صحيفة حبر-11/7/2020
* https://www.aa.com.tr/ar 11/7/2020
*معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا-محمد فاروق الإمام
وسوم: العدد 885