وقفة مع كارثة الانفجار المروع في العاصمة اللبنانية بيروت
بداية وبقلب منكسر نتوجه بالتعازي إلى ضحايا الكارثة التي حلت بالشعب اللبناني الشقيق مع المتمنيات بالشفاء العاجل للمصابين .
وبعد ،إن ما حدث في مرفإ العاصمة اللبنانية بيروت أمر جلل يصيب بالذهول ، ويعجز اللسان والقلم عن التعبير عنه، ومع ذلك لا بد من حديث فرضه الحدث .
فمدينة بيروت واسمها يعني الصنوبر كما يقال لأن أرض لبنان الجميلة طبيعتها تزينها غابات الصنوبر تعودت على الكوارث حينما ابتلي الوطن العربي بالاحتلال الصهيوني السرطاني لأرض فلسطين قلبه النابض ، ذلك أنه منذ أن سلمها الاحتلال البريطاني لعصابات الصهاينة الإجرامية الوافدة من كل أقطار العالم والوطن العربي يعيش كوارث ونكبات ونكسات، لأن ذلك الكيان السرطاني الخبيث إنما زرع في قلبه ليمزقه تمزيقا ، وليبث بين أبنائه الفرقة والصراع، ويشعل بينهم الحروب الطاحنة، وذلك دأب الصهاينة كما وصفهم القرآن الكريم .
وحظ لبنان من مكر الاحتلال الصهيوني يفوق حظ غيره من البلدان المجاورة لأرض فلسطين الأسيرة والمحتلة لأنه جزء من الشام الشامخ عبر التاريخ قبل أن يحوله الاحتلال البريطاني إلى دويلات نافخا في نعرات أبنائه الإثنية من أجل القضاء على شموخه وعزته ومناعته .
ولقد استغل العدو الصهيوني لبنان المضياف ليجعله محطة انطلاق تآمره على فلسطين من خلال أنشطة عصاباته المخابراتية، وهو أمر لا داعي للخوض فيه الآن . وبسبب المؤامرات الصهيونية، وقعت الحرب الأهلية الطاحنة بين طوائف الشعب اللبناني التي كانت تعيش في تفاهم ووئام ، وقد دامت تلك الحرب ما يزيد عن عقدين من السنين، ودمرت العمران والإنسان، وأتت على الأخضر واليابس ، وعوقب بذلك لبنان لأنه وقف إلى جانب فلسطين الأسيرة .
وما كاد لبنان يتعافى من كارثة الحرب الأهلية القذرة حتى وجد نفسه في متاهة الخلافات السياسية والحزبية والعرقية والطائفية من جديد، وكأن الحرب الأهلية انتقلت من حالة السخونة إلى حرب باردة بين طوائف أهله . ولم يعرف لبنان استقرارا سياسيا ،لأن العدو الصهيوني ليس من مصلحته أن يستقر، فعمد إلى احتلال جزء من أرضه ،وضمها إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، الشيء الذي فرض وجود مقاومة لبنانية تقف له بالمرصاد ،واتخذ هو من ذلك ذريعة لاستهدافه بالمؤامرات والمكائد وللعدوان عليه باستمرار .
ومن تلك المؤامرات إدخال لبنان في دوامة الخلافات السياسية والطائفية التي انعكست على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ، وأدخلته نفقا مظلما، وأفضت به إلى إفلاس جعل الشعب يخرج إلى الشوارع في ربيع له كربيع غيره من الشعوب العربية ،وهو يتوق إلى الخروج من ذلك النفق المسدود .
وفي عز أزمته جاء انفجار المرفإ الرهيب في العاصمة بيروت ،والذي دفع الشعب اللبناني بكل طوائفه ثمنه الباهظ ، والأمر هنا يتعلق بحلقة جديدة في سلسلة الكوارث التي سببها له الاحتلال الصهيوني الجاثم فوق أجزاء من بلاد الشام الذي هو بمثابة قاطرة الوطن العربي .
وأول ما خطر ببال المواطن العربي من المحيط إلى الخليج عند مشاهدة الانفجار العنيف الذي نسف ضاحية من بيروت برمتها وانتشرت آثاره المدمرة على بعد عشرات الكيلومترات هو التفكير في الكيد والتآمر الصهيوني بسبب حشوده العسكرية على الحدود اللبنانية في انتظار عدوان جديد عليه كما كان متوقعا ولا زال الأمر كذلك خصوصا وقد تزامن الانفجار مع اداء العدو الصهيوني بزراعة اللبنانيين ألغاما على الحدود، الشيء الذي جعل الجميع يبادر بالإشارة بأصابع الاتهام إلى العدو الصهيوني الذي تعودت عصابات مخابراته الإجرامية على كل فعل شنيع في كل شبر من الوطن العربي.
ومع أن الحكومة اللبنانية أعلنت بأن الأمر يتعلق بانفجار مواد متفجرة كانت مخزنة في المرفإ، فإن الرأي العام العربي لا يستبعد أن تكون للكيان الصهيوني يد فيه بشكل أو بآخر ، وأنه يحاول التمويه على ذلك من خلال عرض مساعدته على لبنان والتي قد يكون القصد من ورائها إتلاف الأدلة على ضلوعه في هذه الجريمة البشعة، ذلك أن المواد المخزنة ما كانت لتنفجر لو لم يكن هناك من يقدح زنادها كما قال بذلك خبراء المتفجرات علما بأنها ظلت مخزنة لسنوات ،ولم تنفجر إلا في هذا الظرف بالذات ،الشيء الذي يقوي الشكوك بأن التفجير من شيه المؤكد أن يكون متعمدا لغرض لن يكشف عنه إلا بعد حين .
وتمسكا بالتفاؤل نقول رب ضارة تكون نافعة لأن لبنان صار بهذا الانفجار المدمر بلدا منكوبا يحتاج إلى ما يخرجه من وضعه المزري وهو ما يتعين القيام به على كل البلاد العربية بدءا بتوفير الطعام لشعبه المنكوب، ومرورا بكل ما يحتاجه لتضميد جراحه المختلفة، وانتهاء بإخراجه من أزمته الاقتصادية والاجتماعية الخانقة ويكون ذلك كفيلا بوضع حد للصراعات السياسية فيه التي ترتزق بها قوى خارجية إقليمية ودولية .
وفي الأخير مع أننا نؤمن أن لبنان لن يستقر ما دام الكيان الصهيوني جاثما فوق أرض فلسطين ، فإننا نتعلق بالأمل العريض ، ونرجو له نهضة سريعة من كبوته يتجاوز بها صدمة الكارثة التي ليس من السهل التخلص من آثارها على المدى البعيد .
ونأمل أن تفضي التحقيقات الجادة والنزيهة والشجاعة في الكارثة إلى الكشف عن الأيادي الخفية التي كانت وراءها ،وتسري أحكام العدالة عليها لبنانيا ودوليا إذا ما تعلق الأمر بعدوان خارجي .
وسوم: العدد 888