الإنسان والظروف : يصنعها أم تصنعه .. أم يتفاعلان ، ويتبادلان الصناعة ؟
العلاقة ، بين الإنسان والظروف ، علاقة تبادلية ، كلّ منهما يصنع الآخر، أو يسهم في صناعته ، أو يؤثّر فيه، تأثيراً قويّاً أو ضعيفاً، بحسب قوّة الإنسان المادّية والمعنوية، وبحسب قوّة الظروف ، بين : عادية ، وصعبة ، وقاهرة !
في الحديث الشريف : مامن مولود ، إلاّ يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدناه ، أو ينصّرانه ، أو يمجّسانه ، وذلك ؛ لأن المولود ضعيف ، عاجز عن اختيار ديانته ، في طفولته !
قيل ، لأحد القادة الفاتحين الكبار: لن تستطيع فتح المدينة الفلانية ، لأن دونَها جبالاً شاهقة ، تحول بينك وبين احتلالها ! فقال ، متحدّياً : إذن ، يجب أن تزول الجبال !
وإذا كان ، في كلامه هذا ، اغترار بالقوّة ، فإنه يدلّ على علوّ الهمّة ، لديه ! فوجود الجبال ، يُعَدّ ظرفاً صعباً له ، يجعل مهمّته شديدة الصعوبة ! لكنّ همّته العالية ، تحدّت ذلك الظرف ، وبها صمّم على بلوغ هدفه !
بعد وفاة النبيّ ، وردّة كثير من القبائل العربية ، عن الإسلام ، طلب الخليفة أبو بكر الصدّيق ، تجهيز الجيوش ، لمحاربة المرتدّين ، فخالفه أكثر الصحابة ، ومنهم عمر ابن الخطاب ، قائلين : كيف تقاتل قوماً ، يشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمّدا رسول الله ، وهم مامنعوا إلاّ الزكاة ؟ فقال ، بعزم وتصميم : إنّ الزكاة حقّ المال، والله لأقاتلنّ ، مَن فرّق بين الصلاة والزكاة ! وصرّح بأنه سيقاتلهم، لو مَنعوه عقالَ بعير، ولو كان وحدَه! ثمّ شرحَ الله صدور الصحابة، للاقتناع بموقفه، فحارب المرتدّين، ونصره الله عليهم!
سئل الخليفة عليّ بن أبي طالب : لمَ انقاد الناس ، للخليفتين أبي بكر وعمر، وتمرّدوا عليه ؟ فأجاب السائلَ : حين كان أبو بكر وعمر خليفتين ، كنا نحن الرعيّة ، وحين صرتُ أنا خليفة ، صرتم أنتم الرعيّة ! وهو، هنا ، يتحدّث عن الظروف ، التي واكبت خلافته ، وأحاطت بها !
عمر بن عبد العزيز، تولّى الخلافة ، في ظروف شديدة الصعوبة ، بالنسبة لِما أراده، من عدل بين الناس ! فكان أمراء بني أميّة ، مِن حوله ، معارضين له ، ورافضين لِما أراد فعله ، من إجراءات العدالة ! لكنّ تصميمه الشديد ، على تحقيق العدل ، أخضع الأمراء ، مِن حوله ، فصنع ظروفا جديدة ، في الدولة ، صارت عدالتُه فيها، مَضرب الأمثال ، لِمَن بَعده ، إلى يوم القيامة !